-رزق الله الحايك-
تفرط بعض الجهات اللبنانية في الحديث عن رسم معادلاتٍ جديدة وفي بث اجواءٍ مضخّمة عن تغييراتٍ جذرية سيشهدها البلد.
فكم من مرّةٍ سمعنا ان ما بعد هذا التاريخ لن يكون كما قبله، الا انه سرعان ما يتبيّن للمواطنين بعد انحسار الموجات الاعلامية، سطحية التحليلات وخفّتها.
اما اليوم، فيبدو ان الواقع مختلفٌ تمامًا، اقله بالنسبة للتيار الوطني الحر.
فبحسب المعلومات، إن ما قبل انفجار الرابع من آب، وما نتج عنه من احداثٍ ووقائع وبخاصةٍ زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون الى بيروت واطلاقه مبادرته الفرنسية، لن يكون حتمًا كما بعده.
ويمكن رصد عدّة مؤشرات، تؤكد تغييرًا كبيرًا في استراتيجية التيار وفي طريقة تعاطيه سواء مع الاستحقاقات المرتقبة او مع باقي الاطراف السياسيين.
فمعظم المتابعين، لمسوا القرار التيّاري بالعودة الى الساحات والتراجع عن قرار الانكفاء الذي قرأه هواة السياسة من ثورجيّي الاحزاب وناشطي المنظمات غير الحكومية كتراجع في الحضور الشعبي او ضعفٍ سياسي، فيما الواقع يشير الى ان الانكفاء كان خطوة اخلاقية بالدرجة الاولى ومعرفة بعدم قدرة الناشطين الجدد واحزاب ١٤ آذار على احداث تغييراتٍ ولو بسيطة على المشهد السياسي بالدرجة الثانية وتحقيق مشروعهم الانقلابي، وهذا ما ثبت صحته.
لكن عوامل عدة دفعت القيادة التياريّة الى تغيير استراتيجيتها والعودة الى ساحات النضال وأهمها ضغط القاعدة العونية التي اصبح قلقها كبيرًا من محاولات الميليشيات ملء الفراغ على الارض وملل هذه القاعدة من الافتراءات التي تطاولها وتطاول رموزها، بالاضافة الى ارتفاع حدّة التنمّر بعد توهّم "الثورجيّين" ان التيار وقاعدته "مزروكين".
انطلاقًا من هنا، نظم التيّار التظاهرة المطالبة بالعدالة امام مرفأ بيروت بدقّة متناهية، حيث حرص على ان تكون الاعداد في التظاهرة كافية لايصال الرسائل الى المعنيين وفي الوقت نفسه محصورةً بعددٍ محدود من الناشطين احترامًا لاجراءات السلامة المتبعة في ظل الكورونا. لذلك كانت الدعوة للتظاهرة قبل الموعد بقليل ولم تتواصل مركزية التيار في الشالوحي مع المحازبين كما يحصل عادةً واكتفت بالدعوات عبر مواقع التواصل.
كما غطّى حضور العونيين على باقي المجموعات خلال جولات الرئيس ماكرون وخلال قداس الموفد البابوي الكاردينال بيترو بارولين في مزار سيّدة لبنان في حاريصا، ومن المتوقع ان يحضر التياريّون في ١٢ من الشهر الجاري لدعم رئيسهم بوجه المجموعات التي دعت الى التظاهر في بعبدا.
وبالاضافة الى الاستراتيجية الجديدة في التعامل مع الارض، بدّل التيار الوطني الحر من طريقة تعاطيه مع الهجمات الاعلامية سواء من قبل احزاب او وسائل اعلام كما بدّل التيار في استراتيجيته في الشؤون السياسية.
وفي هذا السياق، قرر التيار عدم التمسك بأي مطلب لو مهما بلغت اهميته.
من هنا، اعتبر التيار الوطني الحر ان تنفيذ سد بسري لا يعنيه وهو ليس معني بالدفاع عن المشروع او بالوقوف رأس حربة في وجه معطليه الراغبين في حصةٍ من التعهدات المرتبطة به. وابلغ التيار منذ اشهر موقفه هذا الى من يعنيهم الامر، من احزابٍ وكتلٍ نيابية تمثل بيروت وباقي المناطق المستفيدة من السد. وتعتبر مصادر التيار ان ضمير العونيين مرتاح لجهة قيامهم بكل ما يلزم في هذا الموضوع، من ناحية احياء المشروع المقترح منذ خمسينات القرن الماضي وصولًا الى اقراره مع تأمين التمويل اللازم له.
وبالاضافة الى ما سبق، وفي سياق الاستراتيجية التيارّية الجديدة، يعتبر التيار ان كل الالاعيب الحكومية لا تعنيه ولا تستفزه وغير قادرة على احراجه، انما العكس تمامًا. فالتيار لا يمانع ابدا عدم المشاركة في الحكومة ولا يمانع اسناد وزارة الطاقة الى اي فريق آخر وهو غير معني مطلقًا بكل الخلافات والحساسيات التي تحاول بعض الاطراف اثارتها.
اما سبب هذا الموقف المستجد بعد تمسك التيار بالمشاركة بالحكومات وبالحصول على حقيبة الطاقة في السابق، فتردّه مصادر في التيار الى جوهر المبادرة الفرنسية.
فبحسب هذه المصادر، فإن التمسك بالمشاركة سابقًا وبالحصول على وزارة الطاقة كان يعود الى رفض كافة الاطراف تنفيذ المشاريع الحيوية المرتبطة بالكهرباء والنفط والمياه. فهم حاربوا تنفيذ اي مشروع من هذا النوع منذ التسعينات ورفضوا تأمين المياه كما اصلاح الكهرباء ساعين من وراء ذلك الى الاستفادة من صفقات الفيول ومن المازوت والموتورات وفيما بعد الخصخصة "بالرخص".
اما اليوم، ومع الاصرار الفرنسي على تنفيذ المشاريع المقترحة من التيار، وبعد تبني الرئيس الفرنسي لكافة مطالب التيار ورئيس الجمهورية، من اصلاح الكهرباء وتفعيل التنقيب عن الغاز والتشديد على التدقيق الجنائي واعادة هيكلة القطاع المصرفي بأكمله ومن ضمنه المصرف المركزي، يشعر التيار بالراحة التامة وكأنه اصبح هناك من يساعدنا في الحِمل الثقيل الذي سبّب لنا كل هذه الضغوطات والمشاكل منذ دخولنا السلطة وفتح علينا جهنم الابواق المأجورة والاعلام المرتهن.
وبحسب مسؤولٍ في التيار ، اذا ما صدقت التوقعات واستطاع الفرنسيّون اطلاق المشاريع الكبرى، فإن ذلك يعتبر انتصارًا كبيرًا وغير مسبوقٍ للتيار الوطني الحر.
فانطلاق عمليات التنقيب والاستكشاف عن الغاز يرتكز على انجاز التيار الوطني الحر بواسطة رئيسه ووزرائه كافة المسوحات والدراسات والقوانين والمراسيم والمناقصات والمفاوضات المرتبطة بالغاز.
كما ان اصلاح الكهرباء سيرتكز على خطة الوزراء جبران باسيل وسيزار ابي خليل وندى البستاني التي وضعوها اصلا بالتعاون مع الفرنسيين من خلال شركة EDF.
ومشاريع سيدر الكثيرة والمرتبطة بالبنية التحتية واعادة الاعمار الحقيقية للبلد واعادة تنشيط الاقتصاد، هي ثمرة جهود فريق عمل رئيس الجمهورية والتي اعترض كثيرون عليها ومازالوا حتى اليوم يصوّبون على الرئيس لاستقدامه شركة ماكنزي التي وضعت خارطة الطريق والخطط التي اقرّ على اساسها برنامج سيدر.
بالخلاصة تقول مصادر التيار، ان العونيين وكل اللبنانيين يريدون اكل العنب وخلاص البلد وازدهاره.
من هنا، فان كان هناك نية للعمل لانقاذ البلد فهذا هدفنا ولا يهم من يقوم بالتنفيذ. وفي النهاية مهما حاولوا عزلنا او احراجنا واخراجنا، فهذا الامر لا يعنينا لان بَصَماتنا واضحة ومتى بدأت ورشة الاصلاح والتأهيل والاعمار ولو كنا خارج الحكومة، فاللبنانيّون سيعرفون من وضع الخطط والدراسات وحضّر ومن عرقل الى ان اتى الامر الخارجي. وبالتالي، تختم المصادر ان المشاركة في الحكومة او عدمها تبقى هامشية متى قورنت بتنفيذ المشاريع التي ستسجل كانجازٌ تاريخي للوطن عمومًا وللتيار الوطني الحر خصوصًا.