ترى مصادر سیاسیة في بیروت أن حزب الله الذي یتموضع حالیا تحت عباءة الرئیس نبیه بري لیس في وارد التفریط بعلاقته مع الرئیس إیمانویل ماكرون الذي حصر جدول أعمال الحكومة بالملف الإصلاحي الاقتصادي والمالي وارتأى تأجیل الشق السیاسي من الأزمة الراھنة إلى وقت لاحق. وقالت إن حزب الله یبدي كل بادرة حسن نیة لإنجاح مھمة أدیب رغبة منه بتوجیه رسالة إلى ماكرون یعكس فیھا إستعداده لتطویر العلاقة معه، طالما أن باریس لم تنضم حتى إشعار آخر للولایات المتحدة الأمیركیة وعدد من الدول الأوروبیة التي لا تمیّز بین جناحي الحزب أكان عسكریاً أو مدنیاً.
یعرف حزب الله كیف یستثمر في الوقت في انتظار التطورات، ولدیه الخبرة في العمل على أكثر من جبھة. یعلن أنه أبرز الداعمین للإصلاح. وفي الحفاظ على الاستقرار، یبدي حرصه الكامل علیه. وینقل المعارك إلى أماكن أخرى تعید إلیه الإعتبار وتبدیه حریصا على الإستقرار. وھذا ما حمل الرئیس الفرنسي إیمانویل ماكرون على الإشارة والإشادة بحزب الله في ھذا المجال. وسكت الحزب إیاه على حادثة خلدة، وما تلاھا. لكن المعركة إنتقلت إلى مكان آخر: الإشكالات السنیّة - السنیّة في الطریق الجدیدة مثلا، والتخوف من عملیات إرھابیة، ومن حصول توترات في المخیمات الفلسطینیة.
ھذه الحوادث كلھا في صالح حزب الله الذي یظھر نفسه في دور العامل على التھدئة والحریص على الإستقرار والإستثمار في المبادرة الفرنسیة، لتحقیق نجاحات تقنیة في عدد من الأمور، وإن لم تكن سیاسیة تؤدي إلى حلول للأزمة القائمة. في الخلاصة، تتشكل الحكومة من وزراء ترضى عنھم فرنسا ویلبّون مصالحھا في مجالات متعددة، بینما تكون اللعبة قد عادت إلى سابقھا، أو إلى ما قبل تفجیر مرفأ بیروت في ٤ آب. فیما یحتفظ الحزب بالثلث المعطل، وبكلمة مقاومة في البیان الوزاري، ویعود لبنان إلى إنتظار المفاوضات الإیرانیة -الأمیركیة.
ثوابت ثلاثة لم یتخل حزب الله بعد قبوله وتلقفه للمبادرة الفرنسیة: مشاركته في الحكومة بوزراء إختصاصیین. عنھا
إستمراره في الحصول على الثلث المعطل لأنه مسألة استراتیجیة، وعدم مناقشة ملف السلاح ودوره.
ستولد الحكومة مراعیة شروط الحزب ومطالبه ھذه، مع تأجیل النقاش في الملفات الاستراتیجیة حول السلاح والمعابر والحدود وغیرھا، ذلك لأنھا ترتبط بإیران مباشرة، ومؤجل بحثھا إلى ما بعد الانتخابات الرئاسیة الأمیركیة. في المسائل الأخرى تلقف الحزب المبادرة الفرنسیة، ویتصرف معھا بأھمیة إستثنائیة في ظل ھذا الظرف الذي یم ّر بھ لبنان.
فلم یعد سواھا یشكل مخرجاً لتخفیف حدة الضغوط وعملیة إختناق البلد المستمر. ھدف حزب الله ھو إنجاح المبادرة
الفرنسیة شكلیاً من دون مضمونھا. ھو یعلم أن باریس حریصة على مصالحھا في لبنان وفي البحر المتوسط، ولن تتمكن
من تحقیق ذلك والإحتفاظ بموطئ قدم جدیة في لبنان من دون موافقته أو تقاطع المصالح بینھما. وھذا ما سیمنحھا إیاه،
مقابل أن یبقى ھو على مشروعه من دون تغییر، لقاء تمریره بعض المطالب الفرنسیة.
ستكون لعبة خاضعة لعض الأصابع وتقاطع المصالح، إلى أن یحل موعد التفاوض الجدي بین إیران وأمیركا، والذي
یفترض أن یبدأ من ملف ترسیم الحدود. فدیفید شینكر أعلن إستعداده للعودة إلى لبنان عندما یتوفر جواب لبناني واضح
للمضي في التوافق على عملیة الترسیم.
من جهة أخرى أبلغ الرئیس المكلف الثنائي الشیعي أنه لا یمانع في إجراء المداورة، أو بمعنى آخر غیر ملزم بإبقاء حقیبة المال
للشیعة إلا إذا وقعت یداه على سیرة ذاتیة لشخصیة شیعیة قد تتناسب مؤھلاتھا مع متطلبات الحقیبة. لكن رد رئیس
مجلس النواب كان حاسما: التوقیع الرابع الذي تمثله وزارة المال ھو تعبیر عن شراكة میثاقیة في السلطة التنفیذیة ولا مجال بالتالي للتخلي عنه.
وفي وقت یركز الجمیع على شكل الحكومة، تبقى الأنظار مشدودة الى حقیبة المال وما اذا كانت ستبقى في ید شخصیة
شیعیة حیث یتم تصویرھا بمثابة "خط أحمر". ویتعامل البعض مع ھذه المسألة بمقاربة ساذجة بحسب جھات شیعیة. ویُفھم
منھا أن ھذه الحقیبة ستكون خارج دائرة المداورة لجملة من الأسباب. ویعمل البعض على تصویر الأمر وكأن ھذه الحقیبة
تشكل عقدة تألیف الحكومة. وما لا یعلنه الثنائي "أمل" وحزب الله وھو انھما لن یتخلیا عن ھذه الحقیبة للإبقاء على
التوقیع الشیعي الثالث من دون وجود نص في ذلك، سوى سریان العرف النظري القائم منذ إتفاق الطائف في العدد الأكبر
من الحكومات الى الیوم، لیبقى الشیعة شركاء في ھذا التوقیع الى جانب التوقیعین الماروني والسنّي، ولا ربط لھذا الموضوع بكل ما یدور عن المثالثة. وثمة من یرید حشر الثنائي الشیعي والقول إنه المعرقل وغیر المتجاوب وغیر المسھّل لتألیف الحكومة من جراء التمسك بھذه الحقیبة. ومن ھنا یدرك المؤیدون لإبقاء ھذه الوزارة في أیدي الشیعة، تمسك الطائفة بھا حیث لن تتخلى عنھا مجانا، إذا صح التعبیر، ولا سیما في ظل الحدیث عن إمكان عقد مؤتمر وطني قبل نھایة السنة الجاریة.
ولكن مصادر أخرى ترى أن إصرار أدیب على تطبیق مبدأ المداورة في توزیع الحقائب على الطوائف بات یلقى كل
تأیید، وأكدت أنه لیس ھناك من مشكلة مع الرئیس نبیه بري الذي لا یمانع بتخلي الثنائي الشیعي عن وزارة المالیة شرط
أن یُصار إلى تحقیق التوازن في إعادة توزیع الحقائب على قاعدة النأي بھا عن الإحتكار. واعتبرت أن إستعداد الثنائي
تخل عن وزارة المالیة من شأنه أن یُسقط ما یمكن أن یتذرع به ھذا الفریق أو ذاك لجھة إصراره على إحتكار الشیعي للتخلي
عن حقیبة معینة وكأنھا ّ مطوبة له، وقالت إن الثنائي الشیعي على تواصل مع الرئیس سعد الحریري.
(بحسب مصادر الثنائي الشیعي لا تغییرات تذكر بالنسبة الى توزیع مقاعد الشیعة، وقد تكون نسخة مكررة عن
حكومة الرئیس تمام سلام، وھو أن یُعاد توزیر وزیر الصحة حمد حسن طالما یرى أنه نجح في وزارته على رغم الإرتفاع المطرد لأعداد المصابین بفیروس "كورونا"، وأن ھذا الإخفاق یتحمل مسؤولیته مخالفو التعلیمات والإجراءات المطلوبة وتالیا فإن إستھتارھم أدخل البلاد في مرحلة خطرة. وتضیف المصادر أن الحزب لیس في صدد التنازل عن وزارة الصحة ویفضل إعادة توزیر حسن طالما أنه إختصاصي ولیس حزبیا ولا مستفزا. والحقیبة الثانیة ھي الصناعة، أما الوزارات الثلاث الأخرى فھي المال والزراعة والثقافة).