لا يختلف مراقبان على أن اللبناونيين باتوا بعد مئة سنة على إعلان دولة لبنان الكبير يعيشون أزمة هوية قد تدفعهم إما إلى ″تعليق الإنتماء″ إلى طوائفهم ومذاهبهم، وإما إلى “نكران” الوطن الذي لم يستطع هضم جنوحهم الدائم إلى تذويبه في أديانهم، في حين لم يوفّق هو في جعلهم أبناء له فقط مجردين من التقوقع الطائفي والحقد المذهبي.
فالموارنة الذين حملوا بناء لبنان الكبير عبر البطريرك الياس الحويك على أكتافهم عام 1920 قلقون اليوم على لسان بطريركهم الحالي بشارة الراعي من “المثالثة” التي يجري الحديث عنها في بعض الكواليس، فيما ممثلهم الأول في الدولة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يدعو بقوة إلى الدولة المدنية. فأين سيجدون إطمئنانهم؟
والمسلمون السُنّة يتوجسون شراً من “إنهيار” إتفاق الطائف الذي منحهم مساحة واسعة من السلطة عام 1989 فهل سيحافظ “العقد السياسي الجديد” على ما يضعون يدهم عليه، والذي شدّد عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة للبنان ولمّح فيها إلى مؤتمر قد يُعقد في العاصمة الفرنسية لتوليف طبخة القرن الثاني من عمر هذا اللبنان!
والمسلمون الشيعة الذين رفعوا “لواء الحرمان” طوال عقود يفتشون بتؤدة عن مكان فاعل لهم في السلطة التنفيذية للدولة، ولذلك هم متشبثون اليوم بوزارة المالية التي تمنح ممثلهم التوقيع الرابع في تراتبية تلك السلطة، مع العلم إن طروحات من مراجع دولية فاعلة وعدتهم يوماً باستحداث موقع قرب رئيس الجمهورية توكل إليه صلاحيات ذات قيمة ومفعول إذا ما وضعوا مقاومة اسرائيل جانباً!
في ذاكرة اللبنانيين ما قاله أول رئيس وزراء للبنان بعد الاستقلال رياض الصلح عن بناء الوطن: “عندما يُصبح كل اللبنانيين يشعرون شعوراً واحداً نحو وطنهم ويعملون يداً واحدة في سبيله، عندئذ نكون قد بنينا وطناً ودولة”.
كما أن هناك قولاً شهيراً لأحد رؤساء الحكومة صائب سلام: “لبنان واحد لا لبنانان: واقعٌ وإيمان، شعار وطن ومنهاج دولة”.
أما الأديب والمؤرخ أنطوان الخويري فجاء في كتابه:”لبنان لبناني” في الهوية والإنتماء والجذور: “بعد حقبات من سنوات الخلاف المسيحي – الإسلامي، والتقاتل بتحريض من الاستعمار حيناً، وباستقواء بالجار حيناً آخر، حان الوقت أن يعي اللبنانيون ويعملوا معاً على إنجاح الحوار العقلاني فيما بينهم من أجل إستقرار عيشهم وحياتهم في المستقبل”!
فهل ستواصل القيادات السياسية بنهج المحاصصات والفساد، أم تضع نصب أعينها بناء وطن نقي يعتّز الجميع بهويته؟.