عبّر نائب الرئيس الأميركي السابق، ديك تشيني، بالقول: "المشكلة، أنّ العناية الإلهية لم تر من المناسب وضع احتياطات النفط والغاز حيث يوجد حكومات ديمقراطية". بقوله هذا، يعتبر تشيني، بأنّ الدول غير الديمقراطية، يشكّل وجود النفط فيها نقمة، حيث يعمل المسؤول بالتواطؤ مع الشركات المنتجة للنفط على استغلال وجود هذه الطاقة وحرمان الشعب من إيراداتها.
فهل وجود النفط في بلاد لا تعرف الديمقراطية، إلّا في النصوص، وتُمزّقها الصراعات تحت مختلف العناوين: من صراعات طائفية، ومذهبية، الى حزبية، فضلًا عن الإنتماءات الى الخارج، هو مجرّد صدفة مزعجة فعلًا؟ وهل لبنان، الذي يرزح تحت صراعاته وانقساماته، يدفع فعلًا ثمن اكتشاف آبار النفط والغاز في مياهه الإقليمية؟ أم إنّ الصراعات المحيطة به، تدخله قسرًا في أزماتها، وضمن طموحاتها الإستعمارية؟
لا شكّ أنّ النفط هو أضخم صناعة في العالم. في عام ٢٠٠٩، على سبيل المثال، ضخّ من باطن الأرض نفط وغاز تبلغ قيمتهما ٢,٣ تريليون دولار أميركي. ويشكل النفط ومشتقاته ١٤٫٢٪ من تجارة السلع في العالم، ومن المؤكد أن يستمر الطلب العالمي على النفط بالإرتفاع في العقود القادمة. هذا ما يدفع بالدول للسيطرة على مصادر النفط، ما تصبح هذه الطاقة نقمة عند الدول اللاديمقراطية-النامية.
في الذكرى المئوية الأولى للبنان، ذكر رئيس الجمهورية، ميشال عون، أنّ هناك ضغوطات سياسية تعمل على عرقلة استخراج النفط والغاز، من آبارنا المكتشفة. كيف لا، والصراع الداخلي، الساعي لعرقلة العهد، أشدّ لعنة من التدخلات الخارجية! فبأحد مؤتمرات الوزير السابق، سليمان فرنجية، أكّد هذا الأخير لا بل جزم، بعدم وجود نفط ولا غاز في البلوك رقم ٤، وبالطبع دون أن يقدّم دليلًا تقنيًا على تصريحاته.
إنّ ما صرّح به فرنجية، هو نموذج عن الكثير من اللبنانيين الذين لا يتمنون وجود نفط ولا غاز، فقط لأنّنا في عهد الرئيس عون. إذ يعتبرون أنّ نجاح تلك العملية، ووضع لبنان على لائحة الدول النفطية، سيرفع تلقائيًا من حظوظ الوزير جبران باسيل للوصول إلى كرسي الرئاسة.
المشكلة لا تكمن بوجود النفط، ولا بتصنيف لبنان من الدول النامية أم لا، بل تكمن في النكد السياسي الممارس منذ انتخاب العماد عون، رئيسًا للبلاد. إضافة إلى أنّ استخراج النفط، سيعطي لبنان فرصة التحرر من التبعية. ما قد يخسّر الدول الداعمة له، أوراقًا تفاوضية، قد تنعكس سلبًا على مصالحها في المنطقة. لذا، تسعى بعض الدول المنتجة للنفط والمصدّرة للغاز، لحثّ أدواتها في الداخل على عرقلة مسار التنقيب، عبر اختلاق الأزمات، لا سيما الأمنية بين الحين والآخر. ومن يدري، قد يكون، تحرك ١٧ تشرين الأول، وانفجار المرفأ أحد هذه الوسائل، المؤثرة على الشركات المعنية بالاستخراج للإنسحاب من عملها.
لا تكمن المشكلة في الكمية التي ستستخرج من آبار لبنان؛ بل في ترسيم الحدود البحرية، بين لبنان والعدو الإسرائيلي. إذ على ما يبدو، أنّ من أسباب مرور لبنان بأزماته الإقتصادية، إنّما هي الضعوطات الأميركية عليه، لحثّه على التخلي عن بعض من حدوده لا سيما في البلوك رقم ٩، لصالح العدو. وهذا ما يرفضه رئيس الجمهورية بقوة، وقدّ عبّر عن ذلك في أكثر من مناسبة.
بالطبع، نقمة النفط في بلدنا، ليست كلها داخلية. فقد كشف مركز المسح الجيولوجي الأميركي في عام ٢٠١٠ عن وجود ١٢٢تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي في حوض البحر المتوسط. هذا ما جعل من المنطقة أرض الصراعات والتجاذبات الدولية. وبما أنّ لبنان جزء من هذه المنطقة، لا بل تحتوي آباره على الكميات الأضخم من هذه الموارد الطبيعية، فسيكون حكمًا في عين العاصفة. لهذا، بات واضحًا، غيرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقدومه على وجه السرعة، تحت عنوان كارثة المرفأ، لحماية مصالح شركة توتال الفرنسية. تلك الشركة المستحوذة على اتفاق من الحكومة اللبنانية، بالتنقيب بما يشكل حوالي ٤٠٪ من الكميات الموجودة.
الصراع في منطقة الشرق الأوسط، بين تركيا، واليونان ومصر المدعومتان من الدولة الفرنسية، له انعكاسات سلبية على لبنان. فموقع لبنان على البحر المتوسط، وسعة تخزين آباره، يدفعان باللاعبين الدوليين لاستغلال أزمته الإقتصادية ودعمه، بشروطٍ طبعًا. فلا العرض التركي بإعادة إعمار المرفأ المشروطة باستثماره على ٢٥ عامًا بريء، ولا المساعدات والدعم التي يحشدها الرئيس الفرنسي، في سعيه لكسر الطوق عن لبنان، بإذنٍ أميركيٍ، بريء أيضًا.
أخيرًا، سنوافق مع ديك تشيني بأنّ النفط قد يكون نقمةً، إذا تعاطى المسؤولون فيه النكد السياسي، والكيدية في التعاطي، لضرب العهد، حتى لو كانت الكلفة حربًا أهلية. أمّا وجود النفط، فهو نعمة عند الشعوب الحرّة والديمقراطية، التي يعمل مسؤولوها فقط لخير البلاد وتطويرها. الجيولوجية ليست قدرًا بالطبع، فبعض الدول المنتجة للنفظ أفلتت من هذه الاعتلالات، فقد تفادت كازاخستان والإكوادور حروبًا أهلية، بعد اكتشاف النفط في أراضيهما، كما وإنّ ماليزيا قد حققت نموًا اقتصاديًا سريعًا ومطردًا بسبب تحويل الثروات الطبيعية فيها من نقمة إلى نعمة.