١-ھناك فرصة حقیقیة لتألیف حكومة منتجة وقویة في خلال أسابیع على عكس ما كان یجري بتشكیل الحكوماتلأسباب كثیرة أبرزھا:
إنغماس الرئیس الفرنسي شخصیا ومباشرة بالعملیة والضغوط التي مارسھا ویمارسھا على سائر الأطراف،مستخدما أسلوب الترھیب والترغیب الذي فعل فعله عند معظمھم وتُرجم في عملیة التكلیف.
ضیق ھامش المناورة لدى القوى السیاسیة التي توافقت وایّدت تسمیة الرئیس المكلف بسبب ضغط الأزمةوالشارع خصوصا بعد إنفجار المرفأ، وبالتالي، إنخفاض منسوب "الفیتوات" و"الفیتوات" المضادة، ما یزیل عوائق عدیدةبوجه التألیف.
ضعف القوى الأخرى المعارضة أو تلك التي اختارت عدم الدخول في تسویة التكلیف لأسباب متنوعة خارجیة
وداخلیة. وھذا بطبیعة الحال یقلل فرص المشاكسة والتشویش على عملیة تشكیل الحكومة.
وجود غطاء غیر معلن للمبادرة الفرنسیة لرعایة تألیف الحكومة الجدیدة، لا سیما أن الإدارة الامیركیة رغممحاربتھا وحملتھا على حزب الله لم تشھر سیف "الفیتو" على مشاركته في الحكومة.
ضغط الأزمة الاقتصادیة والمالیة وتفاقم الوضع اللبناني بصورة عامة، ما فرض على القوى السیاسیة واقعا صعباومحرجا لا یسمح بأي ترف أو مماطلة في استیلاد الحكومة بأقصى سرعة ممكنة.
٢-الحكومة الجدیدة ستكون حكومة إنتقالیة مھمتھا وقف الإنھیارات، على أن تخلفھا حكومة سیاسیة تأخذ علىعاتقھا النظر في الملف السیاسي الذي یتضمن البحث في سلاح حزب الله والاستراتیجیة الدفاعیة والحیاد. واعتبرت ھذه في ظل التأزم الحاصل على ھذه المستویات بعد أن زاد من وطأته الإنفجار المدّمر لبیروت الذي استھدف المرفأ، والثاني سیاسي وأن لا مانع من ترحیل أن مبادرة ماكرون لإنقاذ لبنان تقع في شقین: الأول اقتصادي مالي اجتماعي في ظل التأزم الحاصل على هذه المستويات بعد أن زاد من وطأته الأنفجار المدمر لبيروت الذي استهدف المرفأ، والثاني سياسي و أن لا مانع من ترحيل البحث في ھذا الشق إلى ما بعد إنجاز الشق الأول بقیام حكومة مستقلة من إختصاصیین ومھنیین لدیھم إلمام بالوضع
السیاسي. وستتولى الإھتمام بالشق الأول من خلال إلتزامھا بلا أي تعدیل بالورقة الإصلاحیة التي أعدھا ماكرون على أن تكون بمثابة مسودة أولى للبیان الوزاري للحكومة... ماكرون لیس في وارد إھماله للبحث في الشق السیاسي في مبادرته، وإنما أمھل طرحه لأن التلازم بین الإنقاذ الاقتصادي والإصلاح السیاسي یمكن أن یعیق وقف الإنھیار الذي بات یھدد بزوال الدولة اللبنانیة.
٣-المرجعیة السیاسیة السنیّة (رؤساء الحكومات السابقون) ملزمة بتسھیل أمور الرئیس المكلف وحكومته الىأقصى حد ممكن، لأن نجاحه أو فشله سیُحسب علیھا بعدما سمته ومنحته المظلة الضروریة... والرئیس سعد الحریري لا یمكنه أن یتبرأ من حكومة أدیب، بحسناتھا وسیئاتھا، كما فعل مسبقا مع حكومة دیاب. فإقلیمیا، وضع نفسه من خلال ملاقاته المبادرة الفرنسیة في قلب الأزمة مع واشنطن، وزاد من فقدان رصیده أكثر في الریاض. والجو السعودي السلبي لیس موجھا حصرا إلى فرنسا، بل تجاه الحریري نفسه الذي یكبر دفتر حساباته فیھا، مھما حاول مقربون منه نفي أي توتر جدید في العلاقة بینھما، لأن الحریري إختار مرة أخرى فرنسا على المملكة. واختیاره ھذا، سیضاعف من المحاذیر التي قد یلمس نتائجھا تباعا، لأن ما بدأ یرشح من أجوائھا لا یبشر بالخیر كثیرا تجاھه. لكن الحریري یعلق آمالا كثیرة على دور باریس، على الأقل، في الحفاظ على موقعه، لأن إطلاق عجلة اقتصادیة ومالیة، تستفید منھا أیضا الشركات الفرنسیة، قد یكون له فیھا دور ما، علما بأنه في موازاة ما قدم من تسھیلات في تسمیة رئیس الحكومة الجدید، قد ضمن لنفسه حصصا مسبقة في الحكومة وفي الإدارات العامة، وفي كل ما ترسمه الحكومة الجدیدة. و ضمن أيضاً حسن علاقته مع الرئيس نبيه بري و حزب الله، بعدما حافظ على موقعه كمرجعية سنية، تمسك بها الثنائي الشيعي في تسمية رئيس الحكومة.
ما أنجزه الحریري في الأشھر الأخیرة أنه تخلص نهائياً من عبء تحالفاته المسيحية، بعدما كرس طلاقه مع العھد والتیار الوطني الحر والقوات والكتائب.
٤-یحظى مصطفى إدیب بمظلة سنیّة سیاسیة وازنة، من نادي رؤساء الحكومات: مھد الطریق له نجیب میقاتي، رشحه الحریري، وأذاع بیان تبنّیه فؤاد السنیورة. وجد ھؤلاء أنفسھم أمام معضلة الخیارات المحصورة باثنتین:
إما ترك لبنان أمام مصیر الإرتطام الكبیر الآتي حكما بعد أشھر قلیلة، وإما إلتقاط الفرصة التي أطلت من النافذة الفرنسیة.
وأعلن أدیب بعد الإستشارات البرلمانیة غیر الملزمة أن الحكومة یجب أن تكون حكومة إختصاصیین تستعید ثقة اللبنانیین
والمجتمعین العربي والدولي، وأن تكون أولویتھا السلم الأھلي ومعالجة المشكلات الداھمة والأزمة الاقتصادیة والصحیة
وكارثة المرفأ والإصلاحات البنیویة. وأسر أدیب في لقاء مع رؤساء الحكومات السابقین الذین رشحوه، أنه لن یتوانى
عن الإعتذار أو الإستقالة إذا مورست علیه ضغوط في الأسماء والحقائب.
مكمن قوة الرئیس المكلف ھي ورقة الإعتذار، ذلك أن تكلیفه جاء بزخم دولي واجھته فرنسا، التي حظیت بدور الوكیل في الوقت المستقطع، ویراھن ماكرون باسمه وصدقیته على طاولة البازار اللبناني، ما یعني أن دفع القوى السیاسیة بأدیب إلى الإعتذار عن التكلیف یعني إعلانا صریحا بإخفاق ماكرون في تعھده، وفشل الزخم الدولي بما یشكله من تحالف الخارج أمام شراسة تحالف مصالح المنظومة الحاكمة. فالمواجھة ستكون محتدمة والفشل سیكون مكلفا.
٥-المواجھة الحالیة بین الزخم الدولي والقوى السیاسیة المؤثرة داخلیا ستكون صعبة. الطرفان أقویاء، لكن تحالف الداخل سیحاول تفریغ الحكومة من قلبھا، في لعبة تمریر للوقت المستقطع من دون الذھاب إلى ولوج باب الإصلاحات المحددة، ولا سیما في حقائب الطاقة والمالیة والأشغال والإتصالات، حیث المزاریب الكبرى للفساد. وستشكل عندھا حكومة أدیب إستكمالا لحكومة دیاب، وتسرع الطریق إلى ھاویة القعر، حیث سنشھد الإرتطام الكبیر. أما إذا استجاب الجمیع للھبّة الدولیة على وقع إنفجار ٤ آب، وانكفأوا لترك الحكومة على إدارة الإنھیار، فعندھا یمكن أن یحصل الھبوط الآمن، وصولا إلى بدء الخروج من أعماق الحفرة.