تزامناً مع حلول المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير لفت المراقبون أن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أزعج الشيعة عندما طالب السلطة بجمع الأسلحة التي تهدد حياة المدنيين، ولم يُرض السُنّة عندما لمّح إلى وجوب إدخال تعديلات على الدستور. في حين أن البطريرك الياس الحويك الذي بارك إعلان “لبنان الكبير” عام 1920 أراد وطناً يجمع كل الطوائف.
رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه وفي آخر لقاء بينهما في الديمان تمنى على رأس الكنيسة المارونية بعدم الإندفاع في طرح مسألة الحياد (حتى لو كان عنوانه إيجابياً) لأنها ستُكسب المسيحيين عداوة شريحة واسعة من الطوائف الأخرى التي ترى في الطرح مدخلاً إلى التخفيف من العداوة المعلنة مع الكيان الصهيوني. وبخاصة أن لبنان تلك الدولة غير المسموح لها بتعزيز قدراتها الدفاعية تقف عاجزة كل العجز عن النأي بنفسها عن الصراع العربي – الإسرائيلي. وبالتالي فإن أي طرح للحياد مهما كان اللباس الذي سيُرمى عليه فإنه سيقدم خدمة للعدو الآسرائيلي بطريقة أو بأخرى. لاسيما وأن حدة التوتر التي أعيد تظهيرها بين السُنة والشيعة، تفرض على المسيحيين في هذا الشرق أن يكونوا عامل جمع على “كلمة سواء” بين المذهبين وليس عامل تفرقة أو تاجيج خلاف أو صب الزيت على النار بأي حالٍ من الأحوال. لأن أي تطور سلبي في هذا المجال لن يكون في صالح الوجود المسيحي المشرقي، مع التذكير بأن الغرب الحريص جداً على مصالح إسرائيل ومتطلباتها لم يأبه إطلاقاً، لا بل أنه ساهم عن دراية او عدم إكتراث في دفع المسيحيين الى مغادرة ارض أجدادهم إلى حدود مقلقة، إبتداء من فلسطين وصولاً إلى لبنان ومروراً بسوريا والعراق إمتداداً إلى كل تواجد مسيحي في أي بقعة في هذا الشرق الذي يشهد منذ سنوات تنفيذاً لـ “خرائط طرق” و “شرق أوسط جديد” قد يكون مخططاً له أن يُصبح خالياً من أي وجود لهم.
وعدم وجود الآذان الصاغية لطروحات فرنجيه من على ضفاف وادي قنوبين، دفعت البطريرك الراعي إلى رفع سقف التحدي أكثر فأكثر بدل الفرملة والتأني.فهو إضافة إلى محاولة تجميل مسألة الحياد وإلباسها “اللبوس الإيجابي”التي رفضها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله جملة وتفصيلاً عندما شدّد في خطاب ليلة عاشوراء على “أن أي حياد بين الحق والباطل لن يكون حياداً”، إستفاق عليه اللبنانيون في صبيحة يوم الأحد التالي يدعو في عظته السلطة التي وصفها يوماً بأنها مكبلة، إلى أن تحزم أمرها و”تعمل على جمع السلاح من بين منازل اللبنانيين”.
وإذا كان بعض حسنيي النية قد توقفوا عند كلام البطريرك الراعي الذي قال فيه بحدة:”مش كل ما دقّ الكوز بالجرّة نتّهم الناس بالعمالة”! وأرادوا تفسير كلام بكركي عن السلاح بأن المقصود به “السلاح المتفلت والعشوائي”، صُدموا بغريب الصُدف عندما وجدوا بين أيديهم كلاماً أوردته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قبل أسبوعين نقلاً عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “إنه يجب إخراج صواريخ “حزب الله” وأسلحته من المناطق المأهولة بالسكان في لبنان”.
فهل ستساعد تلك المواقف في تحقيق “دولة مدنية” أكد على وجوب الوصول إليها كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، أم أننا سنضع كل ما نملك من بيض في سلة الغرب الذي سيدير ظهره عند أول إنتكاسة لمشاريعه كما عودنا في أزمات سابقة؟.