أعلن الرئیس التركي رجب طیب إردوغان إكتشاف أكبر حقل غاز طبیعي في تاریخ تركیا في منطقة البحر الأسود، لافتا إلى بدء إنتاج وتوزیع الغاز على المواطنین وتصدیره إلى الخارج عام ٢٠٢٣ الذي یشھد الإحتفال بمئویة الجمھوریة التركیة كما یشھد الانتخابات البرلمانیة والرئاسیة في تركیا. تعتمد تركیا كثیرا في توفیر الطاقة لمواطنیھا ومصانعھا على الغاز الطبیعي، وبلغ حجم إستیرادھا عام ٢٠١٩ حوالى خمسین ملیار متر مكعب تستھلك منھا ٤٥ في المئة وتصدرالكمیة الباقیة. ویسھم الغاز الطبیعي في إنتاج ٣٠ في المئة من كھرباء تركیا، ویستھلك ثلثه في المنازل وأقل من الثلث في المصانع والباقي في مجالات أخرى. وتنتج تركیا فقط ٦٣,٠ في المئة من حاجاتھا للغاز، أي ما یعادل ٣٨ ملیون متر مكعب. تشھد نسبة إرتباط تركیا بالخارج في مجال الغاز الطبیعي نقاشا دائما. ویتوقف المحللون عند الإرتھان السیاسي بالدول التي تستورد منھا تركیا الغاز الطبیعي. في العام ٢٠١٩ كانت نسبة إستیراد تركیا للغاز الطبیعي على الشكل التالي: روسیا: ٢٥,٣٦ في المئة. آذربیجان: ١٤,٢٢ في المئة.
إیران: ٧١,١٥ في المئة. الجزائر: ٦٩,١٢ في المئة. قطر: ٩٣,٤ في المئة. نیجیریا: ٣٤,٤ في المئة. الولایات المتحدة :١٥,٢ في المئة. كذلك، فإن تركیا كما یبدو واضحا من الأرقام أنھا ترتبط بروسیا وإیران مجتمعتین بنسبة خمسین في المئة، علما بأن نسبة الإرتباط بروسیا وحدھا كانت تتعدى سابقا خمسین في المئة. أما على صعید النفط، فإن تركیا تستورد سنویا ما بین ٢٥ و٢٩ ملیون طن من النفط. ونسبة الإستیراد بحسب الدول
ھي: روسیا: ٧١,٣٢ في المئة. العراق: ١٣,٢١ في المئة. كازاخستان: ٥٢,٧ في المئة. الھند: ٨٣,٦ في المئة. إیران: ٦٤,٦ في المئة. السعودیة: ٥٤,٤ في المئة. نیجیریا: ٣٩.٤ في المئة. إلى جانب إرتباط تركیا بالخارج في مجال النفط والغاز الطبیعي، فإن فاتورة تركیا في الطاقة كبیرة وتثقل كاھل المیزانیة التركیة، حیث تبلغ سنویا بحدود أربعین ملیار دولار، قد ترتفع أو تتراجع تبعا لسعر برمیل النفط، ومن بینھا حوالى ١٣ ملیار دولار لفاتورة الغاز الطبیعي. بخلاف معظم جوارھا الإقلیمي، فإن تركیا البلد الوحید الذي یفتقر إلى موارد نفطیة أو غاز طبیعي. وقد إستعاضت تركیا عن ذلك، وھذا ما وفره لھا موقعھا الجغرافي الاستراتیجي لكونھا منطقة عازلة - واصلة بین الدول المنتجة (إیران، روسیا، العراق، آذربیجان) والدول المستھلكة (أوروبا)، لتكون مركزا لتوزیع ولمرور خطوط أنابیب النفط والغاز الطبیعي من الشرق إلى الغرب. وبالفعل، تحولت خریطة تركیا خلال سنوات إلى شبكة عنكبوت لخطوط الطاقة من كل الجھات في اتجاه أوروبا. وسعت تركیا، في السنوات الأخیرة، لتكون أیضا محطة مرور إلزامیة وأقل كلفة للنفط والغاز الطبیعي المكتشف في شرق المتوسط. لكن الصراعات السیاسیة حالت دون ذلك، بل عملت الدول المنضویة في "منتدى غاز شرق المتوسط"، وھي مصر وإسرائیل وقبرص الیونانیة والیونان وإیطالیا، لعزل تركیا بعدم دعوتھا للإنضمام إلى المنتدى. لكن الأكثر تھدیدا لطموحات تركیا كان مشروع بناء خط أنابیب "میدإیست" من إسرائیل ومصر وقبرص إلى الیونان فإیطالیا بطول ألفي كلم وكلفة حوالى ٨ ملیارات دولار، لنقل الغاز والنفط المكتشفین إلى السوق الأوروبیة، والذي تقّدر قیمتھ بثلاثة تریلیونات دولار وتغطي حاجة أوروبا على ثلاثین سنة. وھذا كان من أھم أسباب الإندفاعة التركیة في شرق المتوسط والتدخل في لیبیا وتوقیع إتفاقیة ترسیم الحدود البحریة بین أنقرة وحكومة فایز السراج، والتي تلحظ منطقة بحریة مشتركة بین تركیا ولیبیا. مع ذلك، فإن تركیا كانت تصب إھتمامھا في أن تكون دولة نفطیة كما في المتوسط كذلك في البحر الأسود حیث یمكنھا التنقیب في حدود مناطقھا الاقتصادیة الخالصة فیھما. رغبة تركیا الجامحة في أن تكون دولة نفطیة كانت من عوامل التوتر في أكثر من منطقة، ولا سیما في شرق المتوسط وشمال أفریقیا. ولا ننسى أن واحدا من أسباب الحرب على سوریا رفض دمشق أن تمرر مشروع خط أنابیب الغاز من قطر إلى تركیا فأوروبا عبر سوریا. وفي سیاقات البحث عن دور في الطاقة لم تتردد أنقرة في نسج تفاھمات مع قوى ودول متناقضة ومتصارعة. فعبر تركیا تمر خطوط من إیران ومن العراق ومن آذربیجان ومن روسیا وخلف بعضھا الولایات المتحدة الأمیركیة.