فجأة ظهرت الأرباح الإسرائيليّة من تفجير مرفأ بيروت، عبر اتفاق رعته واشنطن بين كيان الاحتلال ودولة الإمارات، يقدّم للكيان فرصة تحقيق الحلم التاريخيّ لبن غوريون بالانتقال بمرفأ حيفا إلى مرفأ الخليج على البحر المتوسط بدلاً من مرفأ بيروت، والاتفاق الذي تمّ تقديمه كتعويض لحكومة بنيامين نتنياهو عن عدم السير قدماً بإجراءات ضم الضفة، وهو ما رفضه نتنياهو، بقي توقيته بالتزامن مع تفجير مرفأ بيروت لغزاً ينتظر التفسير.
موضوع جديد صار على طاولة التحقيق في تفجير المرفأ، بمعزل عن فرضيّة القصف الجوي الإسرائيلي، وهو المصلحة الإسرائيلية المباشرة بالتفجير، ومدى علاقتها بدور إسرائيلي في التفجير بطريقة أو بأخرى، والتحقيق يدخل مرحلة جديدة اليوم مع تسلم المحقق العدلي المعين القاضي فادي صوان، بعد طول سجال وتجاذب بين وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى. ومن المنتظر أن يبدأ المحقق صوان بوضع اليد على الملف والتحقيقات التي أجرتها النيابة العامة منذ اليوم الأول للتفجير، وصولاً للاستدعاءات التي تبلغها الوزراء السابقون للأشغال والمال والعدل، وسط تساؤلات عن سبب استبعاد وزراء الداخلية من المسؤولية، بينما هم الأكثر اتصالاً بالمسؤولية عن الجوانب الأمنيّة من عمل المرفأ، ومرفأ بيروت يشكل المرفق الأول للدولة اللبنانية الذي يتقدّم على المطار العائد أيضاً لوصاية وزارة الأشغال والنقل، بينما المرفأ يتميّز بكونه خاضعاً بصورة غير مباشرة لضوابط القرار 1701 لجهة رقابة أممية مفروضة على المياه الإقليمية والسفن المتجهة نحو مرفأ بيروت، حيث السؤال الأكبر الذي ينتظر التحقيق، وربما يفسّر حملة المطالبات بتحقيق دولي، هو مسؤولية الرقابة البحرية على السفن الداخلة لمرفأ بيروت، والتحقق من دول المصدر من طبيعة حمولتها ومطابقتها لدفاتر الشروط الدولية التي تحظر دخول أي مواد ذات استعمالات حربية، واردة لغير القوى المسلحة للدولة اللبنانية والقوات الأممية، فكيف دخلت السفينة وعلى متنها هذه الكمية الهائلة من المواد المتفجّرة؟
على الصعيد السياسي الداخلي، برز أول موقف سعودي إيجابي من حكومة وحدة وطنية، في بيان مشترك حول اتصال هاتفي بين وزيري خارجية السعودية وروسيا، ورد فيه اتفاق الوزيرين على “أهمية توفير ظروف خارجية مواتية للشعب اللبناني لتشكيل حكومة جديدة تقوم على الحوار بين كافة الطوائف العرقية والدينية في البلاد”.
بالتوازي يتزامن وصول الدبلوماسي الأميركي ديفيد هيل مع قدوم وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى بيروت، تأكيداً على حجم التأييد الذي تلتقي من خلاله طهران وواشنطن حول مبادرة الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون لقيام حكومة وحدة وطنية، وهو ما سيكون موضوع تناول خلال كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
العقد الجديد والنظام الجديد، هي الكلمات التي استعملها الرئيس الفرنسي لوصف المطلوب لبنانياً بالتوازي مع الدعوة لحكومة يتمثل فيها الجميع، والمضامين أوردها رئيس مجلس النواب نبيه بري في كلمته التي حذر فيها من احتضار لبنان، خلال افتتاح الجلسة النيابية التي قبلت استقالات ثمانية نواب وأقرّت حالة الطوارئ، داعياً للدولة المدنية والقضاء المستقل كأساس للبنان جديد.
ويكتمل المشهد الاقليمي والدولي في لبنان اليوم مع وصول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى بيروت التي وصلها أيضاً نائب وزير الخارجية الأميركي دايفيد هيل.
وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» إلى أن «زيارة ظريف تأتي في إطار دعم للبنان وتجديد استعداد إيران لتقديم المساعدات للدولة اللبنانية لا سيما بعد التداعيات الإنسانية والمادية التي خلفها التفجير»، لافتة الى أن «القوى الإقليمية والدولية كلها أصبحت في لبنان ومن الطبيعي أن تكون إيران حاضرة أيضاً وبأن لبنان ليس متروكاً للأميركيين والأوروبيين».
وفي مشهد لافت، تزامن وصول ظريف الى بيروت مع زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي.
وأشارت الخارجية الأميركية في بيان أمس، إلى أن «هيل سيؤكد من بيروت التزام الحكومة الأميركية بمساعدة الشعب اللبناني على التعافي من المأساة، كذلك، سيؤكد هيل الحاجة الملحة لتبني الإصلاح الاقتصادي والمالي والقضاء على الفساد، وضرورة تحقيق المساءلة والشفافية وإدخال سيطرة الدولة على نطاق واسع من خلال المؤسسات العاملة». وأعلنت الخارجية الأميركية أن “هيل سيشدّد على استعداد واشنطن لدعم أي حكومة تعكس إرادة الشعب وتلتزم التزاماً حقيقياً بأجندة الإصلاح هذه وتعمل وفقاً لها”.
وأعلن هيل من الجميزة أن “المكتب الفيدرالي الأميركي سيشارك في التحقيقات بالانفجار في المرفأ وسأجتمع مع المسؤولين وأطلب منهم إجراء الاصلاحات”.
كما يتزامن وجود ظريف وهيل في بيروت مع الخطاب المرتقب اليوم للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بذكرى انتصار تموز 2006، ويتحدث السيد نصرالله عن المناسبة. كما سيتناول ملف استقالة الحكومة وتفجير المرفأ والتحقيق وضرورة التفاهم الداخلي على اتفاق سياسي وحكومة جديدة بأسرع وقت ممكن.
في غضون ذلك، لم يشهد ملف تأليف الحكومة أي جديد بانتظار تبلور الاتصالات والمشاورات الداخلية والدولية ومضمون الرسائل التي سيحملها الموفدون الدوليون الى لبنان لا سيما المسؤول الأميركي هيل. وخطف المجلس النيابي الأضواء الذي عقد جلسة نيابية في قصر الأونيسكو مخصصة لتلاوة الاستقالات النيابية لعدد من النواب والبتّ بها والنظر في قانون الطوارئ الذي أحالته الحكومة الى المجلس النيابي.
وأقرّ المجلس مرسوم إعلان حال الطوارئ في بيروت ووافق على فتح جلسة تشريعية فأقرّ تعليق المهل المتعلقة بالقروض وتمديدها على انواعها كافة، وأقر إعفاء ورثة ضحايا الانفجار من رسوم الإرث. وأقر اقتراح قانون يجيز لوزارة التربية إصدار شهادات للعام الدراسي 2019 – 2020، واخذ علماً بالاستقالات التي تليت والتي أصبحت سارية والتي قدّمها 8 نواب.
وأطلق رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال الجلسة سلسلة مواقف من الأحداث الداخلية، ولفت الى أن “الوطن يحتضر أمامنا ولم يعد لدينا سوى العملية الجراحية، وهذا ممكن حتى من خلال نصوص دستور الطائف لنعكس تطلعات الشعب اللبناني الذي نحرص على تمثيله”.
وطلب نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي بتوضيح ما ورد في كتاب استقالة حماده عن محاكمة الرؤساء والوزراء وما إذا كان شرطاً للاستقالة الى حين حضوره والاستفسار منه، ولم يحضر النائب حماده، فأعلن الرئيس بري أن “كل الاستقالات التي تليت أصبحت سارية”.
كما وافق المجلس على التشريع في الجلسة وطرح اقتراح قانون النائب ياسين جابر المتعلّق بتعليق المهل وتمديدها الى آخر السنة.
ولم يتضح المشهد الحكومي بعد وسط حديث في الكواليس السياسية عن أن مسار التكليف والتأليف دخل في مخاض طويل لن يصل الى بر الأمان قبيل حصول أحداث سياسيّة وأمنيّة وماليّة. ولفتت مصادر “البناء” الى “أننا عدنا الى مرحلة استقالة الرئيس سعد الحريري في تشرين الماضي وبالتالي الدخول في تجاذب سياسي طويل للاتفاق على رئيس جديد لا يزال بعيداً حتى الآن بسبب تضارب المواقف الداخلية والتناقضات الاقليمية والدولية”، مضيفة: “اليوم تطرح الأسئلة نفسها قبيل تكليف الرئيس حسان دياب كشخصية الرئيس وشكل الحكومة سياسية أو حيادية وهل سيشارك فيها حزب الله والوزير جبران باسيل؟، ما يعني تضييع سبعة أشهر من عمر لبنان، فهل نحن أمام تضييع المزيد من الوقت أم أننا أمام حكومة جديدة تنتج عن تسوية سياسية داخلية – دولية؟”.
وبحسب ما علمت “البناء” فإن حزب الله لا يمانع عودة الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة مع فيتو على السفير السابق نواف سلام”، كما أشارت أوساط متابعة لـ”البناء” إلى أن “الرئيس بري والنائب السابق وليد جنبلاط يدعمان عودة الحريري لكن الأخير لم يحصل حتى الساعة على ضوء أخضر من الرياض الى جانب ممانعة غير معلنة من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل”. في المقابل توقعت مصادر أخرى أن لا يطول مسار تأليف الحكومة نظراً للحراك الدولي المكثف لا سيما الفرنسي – الاميركي حول لبنان والحديث عن مفاوضات فرنسية – إيرانية وأميركية إيرانية غير مباشرة، وكان لافتاً اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب امس، انه “إذا فزت في الانتخابات الرئاسية سأتوصل إلى اتفاق مع إيران خلال 30 يوماً”. فهل ستتوصل المفاوضات الخارجية الى تسوية وتؤلف حكومة خلال أسابيع قليلة أي قبيل زيارة الرئيس الفرنسي الى بيروت مطلع أيلول المقبل أم ستؤجل الحكومة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وإبرام تسوية اميركية إيرانية جديدة؟”.
وفي سياق ذلك، لفتت أوساط نيابية الى الاهتمام الدولي بلبنان ما يؤشر الى تسوية ما يجري طبخها تتظهر خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وأحد محاورها ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية مع فلسطين المحتلة، وهذا ما سيناقشه هيل مع المسؤولين اللبنانيين اليوم، وكشفت الأوساط أن “الملف تحرك منذ حوالي الشهر وتسارعت المفاوضات وتم الاتفاق على إنجاز الاتفاق خلال وقت قصير”، ونفت الأوساط تقديم لبنان “أي تنازل في الحقوق السيادية”، مؤكدة أن “حقوق لبنان مصانة وبيد أمينة ويتم الدفاع عنها كما يجب”، كما كشفت أنه “وخلال المفاوضات تمت تلبية 4 شروط لبنانية ويتم الاتفاق على الشرط الخامس بالشكل والمضمون وتبقى التفاصيل التقنية يجري بحثها”. كما أوضحت “أن شركة توتال الفرنسية ستبدأ بالتنقيب في البلوك رقم 9 حيث وجود نفط وغاز فيه مثبت، ووافق لبنان على هذا الأمر، لكي يمنع إسرائيل من سرقة الحقوق اللبنانية”.
وبرز أمس اتصال بين الرئيس عون وجنبلاط واتفق الطرفان على زيارة قريبة لجنبلاط الى بعبدا.
وأوضحت مصادر الحزب الاشتراكي أنه “لم يتم التطرق في الاتصال بين الرئيس عون وجنبلاط لا الى الحكومة ولا الى أي أمر سياسي آخر”.
وفيما استمرت عمليات انتشال جثث لضحايا تفجير المرفأ، وافق مجلس القضاء الأعلى بعد مدّ وجزر في مسألة تعيين محقق عدلي على الاقتراح الأخير الذي تقدمت به وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، بتعيين قاضي التحقيق العسكري الأول بالإنابة فادي صوان محققاً عدلياً في الجريمة، وذلك بعد أن قدّم القاضي طارق البيطار اعتذاره عن هذه المهمة.
ومن المتوقع أن يتسلّم صوان اليوم الملف ويباشر التحقيق فيه بعد الادعاء على الموقوفين الـ 19 وإصدار مذكرات التوقيف اللازمة بحقهم.