مع زیارة الرئیس الفرنسي إیمانویل ماكرون ونائب الرئیس التركي "فؤاد أوكتاي" الى بیروت، تحول لبنان ساحة جدیدة للصراع والتنافس بین فرنسا وتركیا، تُضاف الى الساحة اللیبیة... ھذا المشھد یذّكر بما حصل في لیبیا عام ٢٠١١ عندما انطلقت الأزمة اللیبیة بعد إنھیار نظام القذافي عندما بادر الرئیس الفرنسي آنذاك نیكولا ساركوزي بزیارة
طرابلس الغرب التي وصلھا بعد أیام رئیس الحكومة التركیة آنذاك رجب طیب إردوغان.
حول ھذا الموضوع كتب محمد نور الدین الخبیر في الشؤون التركیة تعلیقا وتحلیلا:
بعد إنفجار مرفأ بیروت عاجل الرئیس الفرنسي خصومه بعد ذلك بیومین بزیارة عاجلة واستثنائیة رسمیة وشعبیة. وما
لبث ان أعلن الرئیس التركي رجب طیب إردوغان، بعد یوم من زیارة ماكرون، نیته إرسال نائبه فؤاد أوكتاي ووزیر
الخارجیة مولود تشاووش أوغلو، اللذین وصلا فعلا یوم الأحد في زیارة رسمیة لعدة ساعات. وعلى ما یبدو فإن إردوغان،
وھذا من عاداته، كان في قرارة نفسه یمیل إلى القیام بنفسه بمثل ھذه الزیارة. ولكن على الأرجح أن تقاریر أمنیة تركیة
قد حذرته من تلك الزیارة، وخصوصا بعد إتھامات رسمیة لبنانیة لتركیا بالتدخل في الشأن اللبناني الداخلي. فكان القرار
بإرسال نائبه ووزیر خارجیته.
فاجأ ماكرون في لقائه مع ممثلي الأحزاب اللبنانیة، مساء الخمیس في قصر الصنوبر، الحاضرین بتحذیرھم من
التحرك التركي في شمال لبنان وخطره على لبنان، منبّھا الى خطورة الدور التركي في المنطقة وضرورة العمل لمنع
تركیا من إستغلال الأزمة اللبنانیة كي تطل مجددا على البحر المتوسط بعد تدخلھا العسكري في لیبیا ودول أخرى.. جاء
مثل ھذا التحذیر الرسمي من خارج السیاق العام للزیارة التي جاءت للتعبیر عن التضامن مع لبنان بعد إنفجار المرفأ.
ولا شك في أن أنقرة قد شعرت بأنھا في مرمى الإستھداف الفرنسي المباشر، ومن لبنان ھذه المرة. فكان الرد على زیارة
ماكرون بزیارة أوكتاي - تشاووش أوغلو. وھو مبدأ أقره رئیس الحكومة التركي السابق أحمد داود أوغلو الذي قال مرة
إنه حیث یرفرف علم فرنسي ستجدون قبالته علما تركیا، ولا سیما في أفریقیا. ولسان حال تركیا الیوم أنه إذا كانت فرنسا
إستعمرت لبنان ٢٥ سنة، فإن تركیا حكمته أربعمئة سنة.
قبل حادثة انفجار المرفأ، كثر الحدیث عن طبیعة الدور التركي في لبنان. فوزیر الداخلیة محمد فھمي تحدث رسمیا
عن مجموعات ّ تحرضھا تركیا. ورئیس تكتل لبنان القوي جبران باسیل أشار إلى تدخل تركي أمني وتعاون حتى بعض
القوى الأمنیة اللبنانیة مع ھذا التدخل. وبالتأكید، فإن السفیر التركي في لبنان حاقان تشاكیل أجرى إتصالات واسعة مع
المسؤولین اللبنانیین لدحض ھذه الإتھامات ونفیھا. لكن إنفجار بیروت جاء فرصة أخرى لكي توضح أنقرة مباشرة ھذا
الموضوع، من خلال مسؤولین رفیعي المستوى. جاءت الزیارة التركیة إستباقیة في مواجھة قوى على خصام وتنافس
معھا، مثل مصر والسعودیة والإمارات. وبالتالي فإن تركیا تستفید، وھذا مشروع في قانون الصراع، من حالة الفراغ
التي أحدثھا إنكفاء بعض العرب، عن ّمد ید التوسط بین اللبنانیین المنقسمین من أجل وقف التدھور ومعافاة لبنان،
وأكثر من ذلك الفراغ الذي تشھده الساحة السنیّة مربط خیل الصراع التركي - العربي.