أما وقد تمت إزاحة حكومة الرئيس حسّان دياب من المشهد السياسي، يبدو أن اللبنانيين غير آبهين بالصورة الجديدة. وبخاصة على ضوء الزيارة الطارئة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت إثر التفجير – النكبة في الرابع من شهر آب الحالي، ومشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المؤتمر الدولي (الذي عُقد إفتراضياً) لمساعدة لبنان الجريح، وتهاتفه لأكثر من نصف ساعة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في وقت يعتقد فيه المتابعون أن هناك خريطة طريق قد رسمتها واشنطن لإستيعاب المستجدات، وإعطاء التوجيهات لما يمكن أن تسير عليه الأمور في الآتي من الأيام.
يدرك “العم سام” جيداً تاريخ العلاقات اللبنانية – الفرنسية، وهو الذي إستطاع سحب الملف اللبناني من أيدي المُنتَدِب الفرنسي منذ خمسينيات القرن الماضي، وهو الذي قرّر إبعاد ذلك “الفرنسي الوقح”، بعدما صدمته مع ربيبته اسرائيل تلك المواقف التي إتخذها ذلك الفرنسي المنبثق من الجنرال شارل ديغول الذي زوّد لبنان بأحدث الطائرات الحربية (الميراج) في ستينيات القرن الماضي للدفاع عن اجوائه. والذي أغضبه الموقف الفرنسي المحتج بقوة على تدمير الجيش الأسرائيلي للطائرات المدنية التابعة لطيران الشرق الأوسط في السبعينيات وعلى أرض مطار بيروت الدولي. وبالتالي فليس بالأمر السهل أن يمنحه صك براءة على هذه البقعة من الأرض التي ما تزال تسبب وجع رأس لأسرائيل. إلا إذا “أسكره” الانفجار الضخم وقرر إنزال قواته مباشرة على الأرض اللبنانية “لإستئصال” ما عجزت عنه الدولة اليهودية (وهنا توقف المراقبون عند إصدار الرئيس الفرنسي أمراً لإحدى حاملات طائراته بالتوجه إلى المياه الأقليمية اللبنانية).
و”العم سام” الذي “عبّر عن ضياعه” بعد إنفجار بيروت لن يتوقف عند عدد القتلى، أو عدد الجرحى، أو الأضرار الجسيمة التي لحقت بأكثر من مئة وخمسين ألف وحدة سكنية في بيروت، قياساً على المساعدات العينية المحدودة التي تبرّع بها إزاء الزلزال الذي ضرب عاصمة لبنان، واعداً بأكثر. مع العلم ان العديد من المراقبين قد توقفوا عند المساعدات التي أرسلتها دولة بنغلادش التي تُعتبر من الأفقر في العالم. وإنما جُلّ ما لفت السيد ترامب أن هناك ثورة مستمرة في لبنان، وهو بالتأكيد لن يُسقط من حسابه أي من مصالح الدولة اليهودية وكيفية إخراج قدرات حزب الله من ساحة الصراع وبخاصة أن هذه القدرات هي لبّ المطالب التي يسعى الأميركي ومعه الغرب لتحقيقها.
وعلى ما تقدم، يرى المتابعون أن أي تحرك فرنسي لم ولن يحصل في هذا اللبنان بدون “قبة باط” أميركية ولمصلحة اسرائيل أولاً، وماكرون لن يكون بطلاً، ولا شارل ديغول القرن الحادي والعشرين، بل سيكون “مقاولاً” مقبولاً من جميع القوى الدولية والاقليمية لإعادة ترتيب البيت اللبناني سياسياً، مع الأمل بأن لا يحمله “غرور ما” على التورط بتدخل عسكري يهدف إلى نزع سلاح المقاومة او على الأقل تفتيت دورها!.