الاتصال الذي تلقاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب وما تخلله من تشاور في طبيعة المرحلة المقبلة، وفقاً لمصادر متابعة، كشف حجم الاهتمام الفرنسي بتفاصيل الوضع الحكومي، وفقاً لما سبق وقاله الرئيس ماكرون عن الدعوة لحكومة وحدة وطنية خلال زيارته بيروت، وحاول البعض نفيه والقول إنه دعوة لوحدة اللبنانيين بصورة عامة، ليكشف اتصال الأمس حجم المتابعة لتسمية رئيس حكومة جديد يعبر عن السعي لحكومة وحدة وطنية. وهو ما قالت المصادر إنه يفسر التريث في تحديد موعد الاستشارات النيابية، وليس فقط توافد زوار دوليين كبار على قصر بعبدا، خلال الأيام المقبلة يتقدّمهم اليوم وزير الخارجية المصرية الذي لن يكون بعيداً عن الاتصالات السياسية بالتنسيق مع باريس، حيث تتقاسم القاهرة وباريس وطهران متابعة الترتيبات السياسية للمرحلة المقبلة، كما قالت المصادر.
في هذا السياق، كشفت مصادر على صلة بالاتصالات السياسية، عن التوصل لتفاهم سياسي يوقف الاستقالات النيابية، التي قال رئيس حزب القوات اللبنانية إنه يريد لها الوصول لمرحلة التمهيد لانتخابات مبكرة، بينما لا يبدو الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط على درجة الحماس القواتي لها، خصوصاً في ظل خشية من أن تحمل الانتخابات المبكرة نتائج سلبية على أحجام تمثيل الفريقين، وما يدركانه من أن السعي لتقصير ولاية مجلس النواب من دون توافق سياسي وطائفي يمثل إسقاطاً لإحدى ركائز اتفاق الطائف، ويفتح الباب لفراغ دستوري وسياسي، بينما الرهان على الاتصالات التي ترعاها فرنسا هو بلوغ درجة من التوافق تنطلق من اتفاق الطائف، ولو مثلت رغبة بتعديل بعض بنوده أو توضيحها كمضمون لما قاله الرئيس ماكرون عن عقد سياسي جديد.
استقالة حكومة الرئيس حسان دياب التي جاءت في جانب منها إفساحاً في المجال للتشاور السياسي نحو فرصة تسوية سياسية جديدة بدت متعذرة قبل تسعة شهور، بعد استقالة الرئيس سعد الحريري وحكومته، وفي جانب آخر تفادياً لمواجهة المجلس النيابي حيث بدا أن جلسة الخميس ستتحوّل الى جلسة لسحب الثقة من الحكومة وإسقاطها في المجلس، وتحميلها مسؤولية تفجير مرفأ بيروت من الذين شكلوا وفقاً لكلمة الرئيس دياب عناوين للفساد، وكانت عنابرهم الفاسدة تنتشر في كل مفاصل الدولة وتنخر عظامها، ويريدون رمي مسؤولية ما تسبّبوا به على الحكومة التي ناصبوها العداء، لأنها رفضت دخول لعبة الفساد وتقديم الحماية للفاسدين.
بعد استقالة الحكومة طُرحت سيناريوهات عدة للحكومة الجديدة، لكنها بقيت في دائرة التحليلات والرغبات. فالمعلومات تؤكد مسار تشاور داخلي وخارجي لن يكون سريعاً، بحيث ترتبط تسمية رئيس الحكومة الجديدة بعدد من الملفات، أبرزها قياس مستوى القبول الشعبي لطبيعة الحكومة وشخص رئيسها، ومعرفة برنامج الحكومة خصوصاً لجهة الانتخابات النيابية المبكرة التي يطرحها بعض الأطراف، والأهم حجم الدعم المالي الذي يمكن للحكومة توقعه، وهو أمر يرتبط بالنظرة السياسية الغربية لمستقبل توازنات أبعد من لبنان أشارت مواقف فرنسا لتبدّل معين حولها، لكن الاختبار الحقيقي هو في مشاورات تشكيل الحكومة التي تنتظر بالتوازي مسارات ترسيم الحدود التي سيديرها المبعوث الأميركي ديفيد هيل الذي يصل الجمعة الى بيروت، وسواها من الملفات المعقدة.
وبعد سلسلة من الأحداث الأمنية والسياسية التي توالت كان آخرها استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، يبدو أن لبنان دخل في نفق مجهول من الفراغ السياسي والدستوري والفوضى الأمنية وبالتالي أزمة نظام سياسي، بحسب مصادر سياسية متابعة.
وبحسب معلومات «البناء» فإن مخطط اسقاط الحكومة بدأ منذ أشهر عبر عدة محاور: مفاقمة الأزمات الاقتصادية والمالية واختلاق أخرى كرفع سعر صرف الدولار والمواد الغذائية واحتكار المواد والسلع الاساسية كالمازوت والبنزين والتقنين العشوائي للتيار الكهربائي، هجمات سياسية واعلامية تحمل الحكومة مسؤولية تردي الاوضاع الاقتصادية، التصويب على الحكومة من داخلها عبر مواقف معرقلة لبعض الوزراء للبرنامج الاصلاحي والخطة المالية وتلويح بالاستقالات، الحصار المالي الخارجي الاميركي الاوروبي الخليجي وسياسة العقوبات».
وعلمت «البناء» أن عدداً من الوزراء «تعرّضوا لضغوط خارجية – داخلية للاستقالة كما تعرضوا لتهديدات من قبل جماعات في الشارع، ولم يستطيعوا الصمود أمام الحملة السياسية الإعلامية الشعبية على الوزراء والحكومة وتحميلهم مسؤولية الدم والدمار الذي سقط في الشارع فسارعوا الى تقديم استقالاتهم تباعاً الى رئيس الحكومة». كما علمت أن «رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب حاول ثني الوزراء عن الاستقالة وإعطاء فرصة للحكومة لتفعيل عملها والمتابعة في معالجة تداعيات كارثة مرفأ بيروت والاستمرار بإنجاز الإصلاحات، لكن الوزراء رفضوا ذلك وأمهلوا دياب حتى عصر أمس، بأنهم سيتجهون الى الاستقالة اذا لم تستقل الحكومة». إلا أن المعلومات تشير الى أن «رئيس الحكومة المستقيل استبق استقالة الوزراء وجلسة نزع الثقة في المجلس النيابي الخميس المقبل وقدم استقالة الحكومة بتوافق الوزراء بعد جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أمس في السراي الحكومي.
وكانت المساعي للملمة الحكومة تواصلت منذ أمس الأول حتى الأمس على محور السرايا – بعبدا – عين التينة والضاحية، وتولى جزءاً منها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي رصد متنقلاً بين السراي وعين التينة وبعبدا في محاولة للبحث عن مخرج لمد عمر الحكومة فترة معينة، وأحد الحلول كان أن يؤجل رئيس المجلس النيابي نبيه بري الجلسة النيابية لمساءلة الحكومة عن حادثة المرفأ، مقابل أن يتراجع الرئيس دياب عن مطلب الانتخابات النيابية المبكّرة، لكن الرئيس بري «أصرّ على موعد الجلسة كما رفض الوزراء حضور الجلسة لتحميلهم مسؤولية الانفجار وفضلوا الاستقالة قبيل الخميس كي لا تتم مساءلتهم وإقالتهم في المجلس النيابي». كما أدار حزب الله جزءاً من هذه الوساطات إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، وخصوصاً بعد الرسالة الاخيرة التي حملها وزير المال غازي وزني الى دياب من الرئيس بري الممثلة بكتاب استقالته ما رفع عدد الوزراء المهددين بالاستقالة الى 3 وهم ماري كلود نجم وراوول نعمة ووزني ما يعني ثلث أعضاء الحكومة الى جانب الوزيرة المستقيلة منال عبد الصمد والوزير المستقيل دميانوس قطار.
وكانت كلمة الرئيس دياب منذ يومين أثارت امتعاض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس بري وحزب الله، بحسب ما علمت «البناء»، لا سيما كلام دياب عن الانتخابات النيابية المبكّرة من دون التنسيق والتشاور مع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، ولهذا السبب نقلت جلسة مجلس الوزراء من بعبدا الى السرايا الحكومية بعد رفض الرئيس عون طرح موضوع الانتخابات النيابية في الجلسة وحينها قرر الرئيس دياب اجتماع مجلس الوزراء في بعبدا لإحالة تفجير المرفأ الى المجلس العدلي ثم إعلان استقالة الحكومة بعد الجلسة.
وبعد ساعتين من الجلسة أعلن دياب استقالة الحكومة. وأشار في كلمة له من السرايا الحكومية الى أننا «ما نزال نعيش هول المأساة التي ضربت لبنان. هذه الكارثة التي أصابت اللبنانيين في الصميم، والتي حصلت نتيجة فساد مزمن في السياسة والإدارة والدولة». واعتبر أن «منظومة الفساد متجذّرة في كل مفاصل الدولة، لكني اكتشفت أن منظومة الفساد أكبر من الدولة، وأن الدولة مكبّلة بهذه المنظومة ولا تستطيع مواجهتها أو التخلص منها».
وقال دياب: «انفجر أحد نماذج الفساد في مرفأ بيروت، وحلت المصيبة على لبنان، لكن نماذج الفساد منتشرة في جغرافيا البلد السياسية والإدارية، والخطر كبير جداً من مصائب أخرى مختبئة في عقولٍ وعنابر كثيرة بحماية الطبقة التي تتحكّم بمصير البلد وتهدد حياة الناس، وتزوّر الحقائق، وتعيش على الفتن وتتاجر بدماء الناس في ساعات التخلي التي تتكرر بحسب المصالح والأهواء والحسابات والارتهانات المتقلبة».
واضاف: «قاتلنا بشراسة وشرف، لكن هذه المعركة ليس فيها تكافؤ. كنا وحدنا، وكانوا مجتمعين ضدنا. استعملوا كل أسلحتهم، شوهوا الحقائق، زوّروا الوقائع، أطلقوا الشائعات، كذبوا على الناس، ارتكبوا الكبائر والصغائر. كانوا يعرفون أننا نشكل تهديداً لهم، وأن نجاح هذه الحكومة يعني التغيير الحقيقي في هذه الطبقة التي حكمت دهراً حتى اختنق البلد من روائح فسادها».
ثم توجّه الرئيس دياب الى بعبدا وسلم رئيس الجمهورية استقالته الخطية. وخلال اللقاء الذي استمر قرابة النصف ساعة، عرض الرئيس عون مع الرئيس دياب الأوضاع العامة في البلد، وتطورات الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في الرابع من آب الحالي، كما طلب من الرئيس دياب والوزراء الاستمرار في تصريف الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة. ولدى مغادرته القصر الجمهوري، اكتفى الرئيس دياب بالقول للصحافيين: «الله يحمي لبنان، هذا ما يمكنني قوله».
وفي غضون ذلك من المتوقع أن تنطلق جولة اتصالات ومشاورات سياسية داخلية خارجية لتأليف حكومة جديدة الأمر الذي لا يزال بعيد المنال في الوقت الراهن، بحسب ما أكد اكثر من مصدر سياسي لـ»البناء» فلا مؤشرات على تسوية داخلية او خارجية ناضجة رغم الحديث عن مفاوضات إيرانية أميركية في البحرين واتصالات دائمة إيرانية فرنسية، إلا أن لا مؤشرات على اتفاق حتى الآن.
وفيما أفيد أن الرئيس سعد الحريري قد يكون هو المرشح المحتمل لقيادة هذه المرحلة بعد تأمين التفاهم الداخلي والمناخ الدولي الإقليمي الذي من الممكن أن تتولاه فرنسا، اشارت مصادر اخرى الى أن التسوية شبه ناضجة خارجياً ويجري تصريفها داخلية وكل ما نشهده من أحداث تصب في هذا السياق. وجرى التداول أمس بمرشحين محتملين مثل نواف سلام ومحمد بعاصيري، الا ان معلومات «البناء» اشارت الى أنه «لم يتم الحديث في المرشحين ولا في أي اتفاق»، مضيفة أن «استقالة الحكومة هي بداية النفق المظلم ومقدّمة لمسلسل طويل من الأحداث سينتقل الى مجلس النواب في محاولة لدفعه للاستقالة في الشارع أو عبر استقالات جماعية لكتل القوات والمستقبل والاشتراكي لكن أياً من هذه الكتل لم يقدم على الاستقالة لحسابات عدة سياسية وانتخابية». ولفتت أوساط بيت الوسط الى أنه «من بعد هذه الاستقالة يجب ان تنطلق عملية التفاهم الوطني حول أسس الحكومة المقبلة».
ووسط الحديث عن عودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة دخل شقيقه بهاء الحريري على الخط في بداية جديدة للصراع بين الشقيقين على الساحة السنية، وفيما أشارت مصادر «البناء» الى رفض الحريري الاستقالة من مجلس النواب ورفض خيار انتخابات نيابية مبكرة لعدم تيقنه من الحفاظ على عدد نواب كتلته حالياً، طالب بهاء الحريري بضرورة العمل على قانون انتخابي جديد يرضي طموحات اللبنانيين الذين يتظاهرون منذ نحو سنة. وقال: «نحن نؤمن بالنظام الديمقراطي ونريد انتخابات عادلة يشعر من خلالها اللبنانيون أنّ مجلساً نيابياً جديداً قد تشكّل».
اما في المواقف الدولية فعلقت الخارجية الفرنسية على استقالة حكومة دياب بالقول «إن الأولوية الآن لتشكيل حكومة جديدة بسرعة».
وشددت على أن «الإصلاحات وإعادة إعمار بيروت أبرز تحديات الحكومة التي ستشكل بلبنان»، منبهة من أن «لبنان من دون إصلاحات سيتجه نحو الانهيار». وختمت مؤكدة «اننا نقف بجانب لبنان في هذه اللحظات الصعبة كما فعلنا دائماً».
وقال مسؤول في الخارجية الأميركية: «اطلعنا على التقارير حول استقالة رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب ونتابع هذا الأمر عن كثب».
الى ذلك، عمت الاحتفالات في وسط بيروت باستقالة الحكومة مع المطالبة بضرورة أن تأتي استقالة مجلس النواب بعدها، إلا أن الاحتجاجات سرعان ما تحوّلت إلى مواجهات بين القوى الأمنية والمحتجين الذين بدأوا برشق العناصر بالحجارة، ما اضطر العناصر إلى إلقاء القنابل المسيلة للدموع. وحاول المحتجون اختراق الحاجز الأمني والبلوكات الاسمنتية في محاولة للوصول إلى ساحة النجمة إلا أن قوى مكافحة الشغب واقفة لهم بالمرصاد.
وكان مجلس الوزراء قبل استقالة الحكومة قرر إحالة تفجير مرفأ بيروت الى المجلس العدلي نظراً لأن قراراته مبرمة ولا تقبل أي شكل من أشكال الطعن. وكانت التحقيقات في القضية تواصلت امس، في الشرطة العسكرية في الريحانية بإشراف مدعي عام التمييز غسان عويدات، واستجوب امس مدير عام امن الدولة اللواء طوني صليبا.
وكشف قبطان سفينة روسوس بوريس بروكوشيف الروسي أنه لم يقم أحد بالكشف عن السفينة في مرفأ بيروت، كما ولم يعلم لماذا تخلفت السفينة عن دفع الرسوم في بيروت، لكنه يعتقد أن الأموال لم تنفذ وهذا ليس السبب.
وأضاف في حديث صحافي: «استلمت السفينة من قبطان أوصلها من باتومي إلى مرفأ في تركيا وكنت على علاقة صداقة به، لكن اتضح أنه شخص سيئ». وختم: «شاري السفينة هو «شبح» لأن أحداً لم يسأل عن هويته أو مكانه، وإذا كان الشاري قد استغنى عن بضاعة قيمتها ملايين الدولارات فهذا يعني أن وجهة استخدامها لم تكن زراعية».
الى ذلك، أفادت معلومات أن «مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات أوصى برفع مواد خطيرة موجودة في معمل الزوق الحراري وتلفها بطرق علمية بعدما تمّ الكشف عليها وتحوي المضبوطات حوالي 3974 كلغ من المواد الخطرة».
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 295 إصابة جديدة بفيروس كورونا و4 وفيات خلال الساعات الـ24 الأخيرة، وارتفع عدد الإصابات في لبنان إلى 6812، والوفيات إلى 80.