تحت العنوان اعلاه، كتبت صحيفة الاخبار في افتتاحيتها:
لم يعد محتملاً حجم المآسي المتلاحقة. أزمة فيول أودت بالتغذية بالتيار الكهربائي، وعمّمت العتمة. أزمة بنزين رفعت على إثرها معظم المحطات خراطيمها. ومجدّداً إغلاق عام بعدما خرج كورونا عن السيطرة. ثم أخيراً، انقطاع تام للتيار الكهربائي وفي كل المناطق. لكن هذه المرة السبب حريق في محوّل معمل الجية، نجم عن «عطل في قاطع (Disjoncteur) المجموعة الثالثة في معمل الجية الحراري»، على ما أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان. العطل أدى إلى ارتفاع الترددات من ٥٠ هيرتز إلى نحو ٥٢ هيرتز، وهو ما ساهم سريعاً في انفصال خطَّي الجية – بصاليم الرقم 1 و2 (150 ك.ف.) الأمر الذي أدى بدوره إلى إطفاء كل المعامل (بمجرد ارتفاع الترددات تطفأ المعامل تلقائياً، لحمايتها). بالنتيجة، انخفض الإنتاج من نحو ١٣٠٠ ميغاواط (لم يكن قد وصل إلى الحد الأقصى بسبب التحوط من احتمال تأخر شحنات الفيول) إلى ٥٠ ميغاواط صباح أمس، قبل أن يرتفع مجدداً إلى ٢٠٠ ميغاواط مساءً، بعد البدء بإصلاح العطل وتشغيل معمل دير عمار تدريجياً، ثم يرتفع مجدداً ليلاً بعد إعادة تشغيل الزهراني. وبالنتيجة، ستتحسن التغذية خلال يومين، على ما تؤكد مصادر معنية. إذ تعمل غرفة التحكم في كهرباء لبنان على تنسيق وضع المعامل والمجموعات على الشبكة. لكن، هل يمكن الاطمئنان إلى وضع الإنتاج؟ ذلك على الأرجح صار من الماضي. الأزمات لن تنتهي قريباً، وقد يصاف إليها قريباً أزمة نفايات.
تزداد سرعة انحدار البلاد في الهاوية، فيما أعطاب النظام تظهر يوماً بعد آخر. آخرها ما عبّر عنه رئيس الحكومة حسان دياب، الذي تحدّث أمس كما لو أنه ليس صاحب القرار، لا هو ولا حكومته، فاعتبر أنه «يجب التعامل بحزم مع المافيات التي تلعب بمصير البلد وتبتز الدولة والمواطنين. المازوت متوفر في البلد، وكذلك المواد الغذائية التي تكفي البلد 6 أشهر، لكن هناك من يخفيها حتى يبيعها في السوق السوداء بسعر أعلى. وبعض التجار يحاولون إلغاء مفعول السلة المدعومة». ورأى أن «ما يحصل في كل القطاعات غير مقبول لناحية الفجور الذي يمارس على الدولة من المحروقات إلى الكسارات إلى أسعار المواد الغذائية والاستشفاء والتعليم وغيرها. الأمر غير طبيعي، ويشير إلى وجود مافيات قد تكون سياسية أو تجارية تتحكم بالدولة». ولفت الى أن «الاستثمار السياسي والمالي، وضعف المتابعة الرقابية والقضائية والأمنية كلها تساهم في التفلت الحاصل، ويجب اتخاذ إجراءات حازمة ضد ظواهر الابتزاز والاحتكار التجاري والاستثمار السياسي التي تتلاعب كلها بلقمة عيش الناس، ومن هنا تنطلق عملية الإصلاح».
وبعدما محا دياب التغريدة التي «طالب» فيها بـ«التعامل بحزم» مع المافيات، أتى الرد، غير المباشر، عليه في مجلس الوزراء على لسان نائبته وزيرة الدفاع زينة عكر التي سألت: «لمن نشكو؟ نحن الحكومة والقرار عندنا والمسؤولية علينا». وأضافت «نحن الحكومة التي تأخذ القرارات، فلماذا لا يتمّ التنفيذ بشكل سريع؟».
من جهة أخرى، قال دياب أمس، في جلسة مجلس الوزراء، ما لا يُقال عادة من قبل المسؤولين اللبنانيين. فقد رد رئيس الحكومة على «تنظيرات» وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان و«تهديداته»، فأشار إلى أن الأخير «لم يحمِل معه أي جديد، وأن لدى لو دريان نقصاً في المعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية، وربطه أي مساعدة للبنان بتحقيق إصلاحات وضرورة المرور عبر صندوق النقد الدولي، ما يؤكد أن القرار هو عدم مساعدة لبنان حتى الآن». كلام دياب يُعد تصريحاً رسمياً يؤكد ما جرى تداوله في الأسابيع السابقة عن عدم وجود نية لدى ما يُسمى «المجتمع الدولي» في انتشال لبنان من أزمته، وأهميته أنه أتى على لسان رأس الحكومة.
في المقابل، أتى كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مُخالفاً لدياب، إذ نقل عن لو دريان «ترحيبه باعتماد التدقيق المالي الجنائي، معتبراً إياه بداية فعلية لبناء الدولة»، ونوّه «بعمل الأجهزة الأمنية والإدارية التي نفذت مداهمات لبعض المخازن التي تحتوي مواد فاسدة أو منتهية الصلاحية»، طالباً من الإدارات المعنيّة «تتبّع توزيع هذه المواد واتخاذ تدابير صارمة بحق المخالفين».
وكان مجلس الوزراء قد قرر أمس في جلسته تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، احتجاجاً على الاعتداء الإسرائيلي على الجنوب يوم الإثنين الماضي، كما كلف وزير المال غازي وزني بتوقيع العقد مع كل من شركتي «Kpmg» و«Oliver wyman» للتدقيق المحاسبي في مصرف لبنان، وعقد «alvarez and marsal» للتدقيق الجنائي بعد الاطلاع على رأي هيئة التشريع والاستشارات. وقد وافق المجلس على طلب وزير الداخلية محمد فهمي الإعفاء من رسوم الميكانيك والغرامات المرتبطة بها لعامَي 2020 و2021 باستثناء اللوحات المميزة. وكلّف مجلس الوزراء وزير المال بدراسة إمكان زيادة الأجور، كما أقرّ بنوداً أخرى عادية.
من جهة أخرى، وفيما يرمي تاريخ ٧ آب بثقله على البلاد، حيث من المنتظر صدور حكم المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يبدو أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ملتزم عدم التوتير في الشارع. وقد شدّد أمس أنه «لا يريد استباق إعلان الحكم في 7 آب، فالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تفرض عليّ شخصياً، وعلى تيار المستقبل وجمهور رفيق الحريري، وكل العائلات التي أصابها مسلسل الاغتيالات، انتظار الحكم والبناء عليه، فإننا في تيار المستقبل نتطلّع إلى السابع من آب ليكون يوماً للحقيقة والعدالة من أجل لبنان».