لم تحجب زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان للبنان الاهتمام عن الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه البلد، على وقع حياة سياسية عليلة وعجز سياسي وحكومي عن إيجاد المعالجات التي تنتشل البلد من الهوّة التي وقع فيها، فيما سجّل عداد الاصابات بوباء كورونا رقماً صادماً بلغ 156 مصاباً، ما أشاع أجواء من الهلع والخوف من تفشّي الوباء على نطاق واسع في قابل الايام، على رغم الاجراءات الوقائية المتخذة في مختلف القطاعات. وقد جاءت مواقف الضيف الفرنسي تكراراً لقوله للبنانيين قبَيل توجّهه الى بيروت “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”، ما يعني انّ فرنسا وكل المجتمع الدولي كان ولا يزال يعتبر أنّ المسؤولية الاولى عن الازمة تقع على عاتق اللبنانيين اولاً، وانّ عليهم ان يبادروا أولاً حتى يبادر الآخرون لمساعدتهم، ما يعني انّ المنظومة الدولية التي تتعاطى الشأن اللبناني تعزف كلها على وتر واحد وهو ان لا مساعدات للبنان لتمكينه من التعافي إذا لم تبادر الحكومة الى إجراء الاصلاحات المطلوبة منه اولاً، وهو ما شدّد عليه لودريان في كل لقاءاته أمس التي توزّعت بين القصر الجمهوري وعين التينة والسرايا الحكومية ووزارة الخارجية والديمان، على أن تستكمل اليوم.
الجملة المفتاح التي تشكل خلاصة زيارة وزير الخارجية الفرنسية لودريان هي “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”، ما يعني أنّ كل الرهانات على انّ هذه الزيارة ستفكّ عزلة الحكومة ليست في محلها، حيث اعتقد البعض انّ زيارة رئيس الديبلوماسية الفرنسية الذي يُمثّل، الى بلاده، المجموعة الدولية، ستشكّل خرقاً للحصار المفروض على لبنان، وستفتح ابواب المساعدات، فإذا بهذه الجملة المفتاح تؤكد ما أكدته مصادر فرنسية قبل ذلك وصندوق النقد الدولي وكل المواقف الدولية لجهة ان لا مساعدات في حال لم يبادر لبنان الى إجراء الاصلاحات المطلوبة. ولذلك عود على بدء، عودة الجهد الذي على الحكومة ان تبذله بإقدامها على إصلاحات عملية وواقعية وسريعة وإلّا لن يكون هنالك اي مساعدات.
وفي هذا الوقت ما زالت الحكومة تتخبّط بأرقامها ولا برنامج واضحاً لطريقة خروجها من هذا الواقع. ولا شك في أنّ زيارة لودريان يفترض ان تشكّل دافعاً للبنان، وتأكيداً لأن لا حصار عليه إنما هو من يفرض حصاراً على نفسه. وبالتالي، يفترض ان تشكّل دافعاً للاقدام والاسراع نحو خطوات عملية، لأنّ المجتمع الدولي لا يريد انهيار لبنان بدليل زيارة وزير الخارجية الفرنسي، ولكن المجتمع الدولي في الوقت نفسه لا يريد مساعدة لبنان مجاناً أي لمجرد مساعدته، وفي حال اراد لبنان أن يساعده المجتمع الدولي عليه ان يبادر الى إصلاحات فورية في الملفات المشكو منها، وتبدأ بالكهرباء ولا تنتهي بالحدود وضبطها من التهريب، وهذا ما قاله لودريان، وهذه هي الاجندة الدولية التي لم تتبدّل قبل الزيارة ولن تتبدّل بعدها. ولذا، تبقى الامور على عاتق الحكومة فهل تبادر؟ وهنا يبقى السؤال.
وكان لودريان حَضّ، في ختام محادثاته مع المراجع اللبنانية المسؤولة، السلطات اللبنانية على الإسراع في تنفيذ إصلاحات “طال انتظارها”. وقال لودريان في مؤتمر صحافي، بعد لقائه نظيره اللبناني ناصيف حتي: “هناك أفعال ملموسة طال انتظارها”، وأضاف: “من الملح والضروري اليوم السير عملياً على درب الإصلاحات، هذه الرسالة التي جئت أحملها لكل السلطات اللبنانية ومجمل القوى السياسية”. وأوضح أنّ “فرنسا مستعدة للتحرك بنحو كامل وأن تحشد كافة شركائها، لكن يجب تنفيذ إجراءات تصحيح جدية وذات صدقية”. وكرر ما كان قاله سابقاً هذا الشهر “ساعدونا لكي نساعدكم”، قائلاً “هذا هو شعار الزيارة إلى بيروت”.
وأكد أن “ليس هناك حل بديل لبرنامج صندوق النقد الدولي للسماح للبنان للخروج من الأزمة، خصوصاً عبر التنفيذ الفعلي للتدقيق في مصرف لبنان”، مشدداً على ضرورة إعادة إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد، التي شهدت تباينات بين المفاوضين اللبنانيين أنفسهم، إن كان على حجم الخسائر المالية أو إصلاح القطاع المصرفي.
وتطرّق لودريان بشكل أساسي إلى قطاع الكهرباء، الذي كَبّد خزينة الدولة اللبنانية أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). وقال: “أقولها بوضوح، ما تمّ حتى الآن في هذا المجال ليس مشجّعاً”.
من جهته، قال دياب خلال لقائه لودريان: “واجَهنا عقبات خلال المفاوضات مع صندوق النقد واليوم اجتزناها إلى المربّع الثاني”، مضيفاً: “نحن مصممون على مواصلة التفاوض، ونتمنى على فرنسا المساعدة في تسريعه، لأنّ الوضع المالي في لبنان لا يتحمّل التأخير”. وقال: “لبنان ينظر إلى فرنسا كصديق تاريخي، وهو على ثقة أنها لن تتخلى عنه اليوم، ونتمنى مساعدة فرنسا له على عدة أصعدة”، مشيراً بالتحديد إلى قطاع الكهرباء. وشدد على أنّ الحكومة “مستمرة في مسيرة الإصلاح”.
وقد بحث دياب أيضاً، خلال اتصال عبر “سكايب “مع الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط جيمس كليفرلي، في “إصلاحات الحكومة والمساعدة التي يمكن أن تقدّمها بريطانيا إلى لبنان”.
وأبلغت مصادر وزارية الى”الجمهورية” انّ زيارة وزير الخارجية الفرنسي “شكّلت من الناحية المعنوية أمراً إيجابياً كونها خرقت جدار الحصار على لبنان، لكنها في الجوهر لم تحمل نتائج فورية”.
واشارت المصادر إلى أنّ لودريان “حَض المسؤولين على تنفيذ الإصلاحات، في اعتبارها مدخلاً للحصول على دعم من الصندوق النقد الدولي، والنأي بلبنان عن نزاعات المنطقة، رابطاً مساعدات مؤتمر “سيدر” بما ستتوصّل اليه المفاوضات مع الصندوق”.
ولفتَ احد الوزراء الى انّ “حكومتنا، وخلافاً للاتهامات التي توجّه اليها، باشَرت في تنفيذ الإصلاحات، ومن بينها تعيين مجلس إدارة الكهرباء وإقرار التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وهما إجراءان مفصليان واساسيان، كذلك هناك إجراءات أخرى يجري تحضيرها إلّا انه لا يمكن الحكومة ان تعالج خلال 5 أشهر فقط كل التراكمات التي أفرزتها عقود من الفساد والهدر”.
من جهة ثانية، تلقّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتصالاً هاتفياً مساء اليوم من الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس استطلع خلاله عن الاوضاع في لبنان، مؤكداً “تضامن الامم المتحدة مع لبنان في الظروف التي يمر بها”، ومتمنياً الخير للبنانيين، ومشيراً الى “دعم المنظمة الدولية كل ما من شأنه تحقيق معافاة لبنان وتجاوزه المرحلة الدقيقة التي يعيشها”.
وشكر الرئيس عون لغوتيريس عاطفته، مؤكداً “العمل على تجاوز المحنة الراهنة بما يعود بالخير على لبنان واللبنانيين، ويمكّنهم من استعادة الدور الذي طالما أدّاه لبنان في محيطه والعالم”.
فيما تتواصل الاجتماعات المكثفة في وزارة المال مع الاطراف المعنية في محاولة لتوحيد الارقام والخروج بصيغة موحدة تحظى بموافقة “لازار” التي تشارك في المحادثات، تشهد السوق السوداء “تهدئة” نسبية على مستوى أسعار الصرف. وقد سجّل سعر الدولار مزيداً من التراجع الى مستويات تراوحت بين 7400 و7600 ليرة. وقد فسّر المراقبون هذا التراجع النسبي بأمرين أساسيين: أولاً، استمرار تدفّق الدولارات من خلال اللبنانيين العائدين يومياً عبر المطار. وثانياً، بفِعل بدء تطبيق مشروع دعم لائحة السلع الاستهلاكية، والتي أخرجت التجار الكبار والمستوردين من السوق السوداء، ونقلتهم الى التعاطي مع المصارف. مع الاشارة الى انّ كلفة هذا الدعم كبيرة ومؤذية للاحتياطي النقدي الموجود في مصرف لبنان، بدليل التراجع الذي أصاب هذا الاحتياطي، وفق التقرير الاخير عن اوضاع مصرف لبنان المركزي.
وأبعد من ذلك، يشير كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس ايراديان، الى انّ جزءاً كبيراً من تلك السلع التي يدعمها مصرف لبنان، ولا سيما منها الوقود، “يتمّ تهريبها إلى سوريا، ما يَستنزف احتياطات النقد الأجنبي المتضائلة في مصرف لبنان، ويسخّر احتياطي البنك المركزي لدعم الاقتصاد السوري”.
خرج الخلاف بين جمعية المصارف وشركة «لازار» الى العلن امس، ولمحت المصارف الى احتمال مقاطعة المفاوضات التي تجري في وزارة المال في محاولة لتوحيد الارقام والمقاربات للخروج بموقف موحد ضمن الخطة التي سيتم تقديمها الى صندوق النقد الدولي. وبعد لغط وأخذ ورد، أصدرت جمعية المصارف بيانا ليليا أبدت فيه، «أسفها واستهجانها لكون الأجواء التي سادت اجتماع اليوم (امس) في وزارة المالية قد أعادت الأمور الى نقطة الصفر بحيث أنها لا تشجّع على المضي قدماً نحو تفاهم الأطراف المعنيّة على تصوّر موحّد وناجع للمخارج الممكنة من الأزمة الراهنة. وعليه، فإن عدم متابعة المفاوضات من قبل جمعية المصارف احتمال وارد». وفي المعلومات، ان المصارف تعترض على اصرار «لازار» على اعتماد مبدأ الهيركات بما يهدد الودائع. وتصر المصارف على عدم المساس بالودائع كشرط اساسي للموافقة على اي مقاربة في الخطة.
وتقول مصادر مصرفية ان تصرفات «لازار» بدأت تثير الريبة لديها، في شأن اهدافها بسبب اصرارها على مقاربات تضرب القطاع المالي، وتمسّ ودائع الناس، وهذا خط احمر لن يقبل به القطاع المصرفي.
الى ذلك، وتحت عنوان “لبنان.. الهبوط نحو الجحيم” كتبت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، أنّ لبنان قَوّضه الإفلاس والأسعار المرتفعة، وبات اليوم على حافة الانهيار.
وعلى صعيد وباء كورونا حصلت أمس انتكاسة جديدة، حيث أعلنت وزارة الصحة تسجيل 156 إصابة جديدة بالفيروس (124 من المقيمين و32 من الوافدين)، ليبلغ العدد التراكمي للمصابين في البلاد إلى 3260.