اذا كان الملف المالي المثقل بتعقيدات أزمة الخطة المالية للحكومة سيحط رحاله مجدداً اليوم في جلسة مجلس الوزراء، فإن ذلك لن يحجب الانشداد الى تداعيات بدأت تتخذ طابعاً مفتعلاً في سلبيته حيال طرح حياد لبنان الذي أطلقه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بعدما بدأ يستقطب مروحة واسعة وعابرة للطوائف من التأييد. وبدا واضحاً أن المؤشرات السلبية الأولية لمواقف بعض الفئات من هذا الطرح راحت تتطور في الساعات الأخيرة في اتجاه تصعيد الحملة على الراعي وطرحه، خصوصاً بعدما مضى البطريرك الماروني في تأكيد تمسّكه بهذا الطرح منادياً بالتعامل معه من منطلق مبدئي وتاريخي أولاً ومؤيداً بقوة فكرة إطلاق الحوار حوله.
لكن بعض التطورات التي سجّلت في الأيام الأخيرة على صعيد تنظيم حملات احتواء للطرح أولاً ومن ثم تصعيد حملات استهداف البطريرك شخصياً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ثانياً ومن ثم انبراء مرجعيات دينية معروفة للتصدّي المباشر وبمواقف حادة جداً للطرح كأنه استهداف لمذهب بعينه ثالثاً، كل هذه المؤشرات رسمت لوحة تصعيدية وسلبية يُخشى أن تتسبّب بمناخات انقسامية واسعة من شأنها أن تزيد متاعب البلاد.
في هذا السياق، اكتسب الموقف الهجومي الحاد الذي شنّه أمس المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان باسم “الشيعة كأكثرية مكوّنة” دلالات خطيرة إذ اتسم بنبرة مذهبية خالصة من دون تحفّظ، كما أوحى بأنه “الرد البديل” للفريق النافذ المعروف. ففي موقف أشدّ تصلباً من الدعوة البطريركية الى حياد لبنان، قال الشيخ أحمد قبلان، “إن الحقيقة الوحيدة التي نؤمن بها هي: لبنان بلد لأهله وناسه وكل مكوّنيه، لكنه بلد مقاوم لا يقبل أن يكون فريسة للصهاينة أو الأميركيين أو أقنعتهم”، معتبراً “أن المئة سنة الماضية لم تكن صحية للبنان واللبنانيين الذين كانوا يتوقون الى لبنان الوطن والدولة والمواطن، ولم ينفعنا في يوم من الأيام مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة، وخصوصاً عندما كنا نُقتل أمام أعينهم وأعينكم، فلا تتكلّفوا العناء في الذهاب والإياب”.
وأضاف: “ان هذا البلد لا يقبل البيع، وعلى البعض أن يدرك حقيقة أننا كشيعة، أكثرية مكوّنة في هذا الوطن، ثم الشريك الأول والرئيسي لكل من طرأ عليه، وتشاركنا معه الخبز والملح رغماً عن زيف ألاعيب العثماني والانتداب الفرنسي، كنا ولانزال ولن نقبل أي رشوة أو تهديد أو صفقة أو “لقاء” عنوانه بيع البلد أو تقديمه هدية سياسية تحت أي اسم كان، ونحن أمّ الصبي وتاريخنا من القرون الماضية من علمائنا وشهدائنا أكبر دليل على بذلنا في سبيل هذا البلد. ولذلك نحن مستعدّون أن ننحت من الصخر قوتاً ولن نمرّر صفقة بيع البلد. وعلى البعض أن يتذكر أن زمن عودة المارد للقمقم صار في خبر كان”.
وكان البطريرك الراعي قال أمس أمام زواره في الديمان إن “نظام الحياد أكبر ترجمة للكلام الوارد في مقدمة الدستور والذي يقول: لبنان وطن نهائي لكل أبنائه”. ولاحظ أن “دخولنا في أحلاف سبّب لنا عزلة تامّة والحياد وحده مصدر الاستقرار والازدهار ونظام الحياد الفاعل والناشط يعيد للبنان دور الجسر بين الشرق والغرب”. وشدد على “أننا لم نخترع شيئاً جديداً هذا تاريخنا وهذه ثقافتنا وحضارتنا وقد عشناها أربعين سنة، لبنان يعتمد الحياد ويلتزم القضايا العامة والسلام وحقوق الانسان وثقافة الحوار والحضارات”.
وأكدت مصادر معنية بالتحضيرات الجارية لزيارة وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان لبيروت أن اللقاء الذي سيجمعه والبطريرك الراعي سيتسم بأهمية خاصة نظراً الى توافق وجهات النظر تماماً بين فرنسا وبكركي في شأن تحييد لبنان أو نأيه بنفسه عن الصراعات الاقليمية كأحدى ركائز المعالجات الأكثر إلحاحاً للأزمة اللبنانية الخانقة. ومعلوم أن لودريان يصل غداً الى بيروت على أن يبدأ لقاءاته الرسمية الخميس في جولة على رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة ووزير الخارجية ناصيف حتي، كما يزور في اليوم التالي بكركي للقاء البطريرك الراعي الذي سينتقل من الديمان الى بكركي خصيصا لهذا الغرض. كما سيعقد وزير الخارجية الفرنسي مروحة من اللقاءات مع سياسيين ونواب وووجوه اقتصادية ومالية في قصر الصنوبر.
وفيما يرتقب أن يكون طرح الراعي موضع نقاش خلال زيارته للفاتيكان نهاية الشهر المقبل أو مطلع أيلول، اطلع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس من وزير الخارجية والمغتربين على نتائج زيارته لروما والفاتيكان والمحادثات التي أجراها مع المسؤولين في الحكومة الإيطالية وفي الكرسي الرسولي. وأوضح الوزير حتي أن “المسؤولين الذين التقاهم جدّدوا دعم لبنان ورغبتهم في مساعدته ومواكبة ما يقوم به من إصلاحات يعوّل عليها المجتمع الدولي كثيراً”، مشيراً الى أن “المسؤولين الايطاليين جددوا تأكيدهم دعم القوات الدولية العاملة في الجنوب مع المحافظة على دورها وعديدها والمهمات الموكولة اليها. أما في الفاتيكان، فقد أكد المسؤولون أهمية لبنان وما يمثله من تنوع ودور في محيطه والعالم وضرورة توفير كل أنواع الدعم ومواكبته للخروج من الأزمة الراهنة التي يمر بها. كما شدّد الكرسي الرسولي على الرغبة في دعم المدارس الكاثوليكية في لبنان وفق المبادرة التي أعلنت أخيراً”.
الخطة معدّلة
الى ذلك، يعود الملف المالي الى الواجهة اليوم من خلال إعادة طرح تعديلات على الخطة المالية للحكومة في جلسة مجلس الوزراء التي أدرج على جدول أعمالها عدد كبير من البنود المالية. ويفترض أن تتركز المحاولة الحكومية الجديدة على تثبيت أرقام الخسائر المالية كمدخل اضطراري لاعادة تحريك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي علما أن المواقف والتصريحات التي أدلى بها مسؤولون في صندوق النقد الدولي، كشفت عمق المأزق الذي تواجهه الحكومة في إحياء المفاوضات.
ومن المتوقع أن يصل وفد من شركة “لازار” الاستشارية إلى بيروت خلال الأسبوع الجاري للمساعدة في إمكان إعادة النظر في خطة الحكومة والاتفاق على أرقامها.
وفي تطور لافت يتصل ببعض الاتجاهات التي برزت في صدد توزيع الخسائر المالية ومنها توسيع هامش الخصخصة، رأس رئيس الوزراء حسان دياب أمس اجتماعا للمجلس الأعلى للخصخصة عرضت خلاله مع الوزراء المعنيين المشاريع التي أعدّها سابقا المجلس الأعلى للخصخصة، وجرى البحث في وضع آليات لتنفيذها ضمن الامكانات المالية المتاحة.
وعرض القيمون “المشاريع المجمدة وجدواها وتكاليفها والعقبات المالية والقانونية والإدارية والسياسية التي تعرقل تنفيذها”.
واستوضح دياب “رأي الوزراء المختصين في كل مشروع ضمن اختصاصه”. كما أعطى توجيهاته للوزراء المعنيين لوضع اقتراحات الحلول لتسهيل تنفيذ المشاريع الملحّة في قطاعات الرياضة والنقل والاتصالات، وأبرزها: المجمع الأولمبي الرياضي، مطار القليعات، وطرق وجسور تصل بيروت بالجنوب والشمال.
ويُشار في هذا السياق أن وزير الطاقة ريمون غجر وعد أمس ببدء تحسن التغذية بالتيار الكهربائي وعودة الأمور الى طبيعتها غداً الأربعاء. وفي المقابل شهدت معظم مراكز “أوجيرو” في المناطق امس اعتصامات وعمليات إقفال لهذه المراكز احتجاجاً على الأوضاع السائدة في قطاع الاتصالات.