استيقظ في الصباح الباكر سكان بناية كبيرة في حيينا، وركضوا مسرعين عند جارهم لانهم رأوا ان الدخان يتصاعد من نافذة احدى غرف شقته. عندما دخلوا الى بيته، وجدوه جالسا" على كرسيه في الصالون يقرأ الجريدة الصباحية، ولا تبدو على وجهه اي ملامح خوف او قلق. فهرعوا اليه قائلين: " ماذا تفعل يا جارنا العزيز؟ هنالك حريق كبير في الغرفة المجاورة، وانت جالس هنا غير مبالي، لا تفعل شيئا" لاخماده؟". فنظر اليهم بكل برودة اعصاب وقال: " انا حيادي، لان كل الحوادث التي تحصل في بيتي هي بعهدة " الجمعية العامة المتحدة للقاطنين في المنطقة".
هذه القصة تنتطبق تماما" على واقعنا الحالي في لبنان، خاصة" الفئات التي تنادي بالحياد من دون ان تحدد معناه، وامكانية تطبيقه في بلد صغير كلبنان يتعرض دائما" الى ازمات كيانية تهدد وجوده في بيئة اقليمية مشتعلة منذ السبعينات. هذا النوع من المناداة يبقى ناقصا"، لان لا قيمة لاي هدف بحد ذاته اذا لم يقترن بآلية لتنفيذه. اذا اردنا ان نكون حقيقة" فاعلين ومنتجين، يجب علينا ان نعرف ان الشعارات الطنانة والرنانة والفضفاضة، لا تقدم ولا تؤخر،، اذا تخلينا عن ارادة مقاربتها والتعامل معها.
هل نستطيع حقا" ان نكون حياديين تجاه النزوح المليوني السوري وهو يكلفنا ما يزيد عن عشرين مليار دولار سنويا"؟
هل نستطيع حقا" ان نكون حياديين تجاه توطين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في حالة فقر وتعتير؟
هل نستطيع حقا" ان نكون حياديين عندما نرى ان الحدود اللبنانية الجنوبية مرسومة باللون الاحمر بخطوط متقطعة على خارطة صفقة القرن الشهيرة؟
هل نستطيع حقا" ان نكون حياديين وطيران جارتنا في الجنوب يستبيح الاف المرات سيادتنا الجوية والبحرية؟
هل نستطيع ان نكون حياديين تجاه الحرب الاقتصادية التي تشن علينا من كل جهة وهي اكثر ايذاء" من الحروب العسكرية؟
هل نستطيع ان نكون حياديين تجاه طلب تخلينا الطوعي عن قسم من ثروتنا النفطية المحتملة في البلوك التاسع؟
هل نستطيع ان نكون حياديين تجاه عربدة بعض الاعلام الكاذب والتحريضي والفتنوي؟
هل نستطيع ان نكون حياديين تجاه معركتنا المستمرة لمحاربة الفساد حتى لو حوربت وتأخرت؟
واخيرا" هل انتم مقتنعون ان اعلان الامم المتحدة حياد لبنان سيضمن الاجابة عن كل هذه الاسئلة، ونحن اختبرنا كيف كان مصيره في المزبلة عندما نادى بانشاء الدولتين كحل للقضية الفلسطينية؟
ما قيمة الحياد اذا لم يأتينا بنتيجة؟ ما قيمته اذا بقي حبرا" على ورق؟ ما الجدوى منه اذا كان شعارا" فارغ المضمون يستعمله البعض لغايات سياسية، انتخابية، وشعبوية؟
فللنناقشه كخيار جدي، شرط ان يكون قادرا"، ليس فقط على انقاذنا مما نتخبط فيه، بل على الحفاظ على حقوقنا، وسيادتنا واستقلالنا. هذا ما فات البعض عندما تحمس ونادى به.