مع ان الساعات الأخيرة شهدت عودة مثيرة للقلق والمخاوف المتجدّدة من ارتفاع كبير في عدد المصابين المحليين والوافدين من الخارج بفيروس كورونا بما حيّد الاهتمامات عن المشهد السياسي والمالي والاقتصادي المأزوم، فإن “الاختراق” الوبائي لم يحجب الدلالات البارزة للحركة التي شهدتها بكركي في ظل ما استقطبته المواقف الاخيرة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من ملفات حياد لبنان وتحرير القرار الرسمي للدولة من تأييد سياسي. واذا كانت بكركي استأثرت بحركة سياسية شبه يتيمة في ظل تصاعد الاختناقات المالية والاقتصادية والاجتماعية، فإن المفارقة السلبية اللافتة تمركزت عند امعان رئيس الوزراء حسان دياب في نهج الهجمات المتواصلة على معارضي الحكومة والرد على كل ما يطلقونه من مواقف وانتقادات بما أضحى بمثابة عرف ثابت يواكب جلسات مجلس الوزراء أياً تكن طبيعة التحديات التي تواجهها الحكومة.
وفي حين كان الرئيس سعد الحريري يطلق من بكركي تحذيره من محاولات “تأميم النظام”، تجاهلت الحكومة ورئيسها التحذيرات المماثلة والمثيرة للقلق التي صدرت عن وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان والتي أعلنها قبل يومين أمام مجلس الشيوخ الفرنسي معرباً عن قلقه وحزنه للوضع في لبنان ومؤكداً أن “فرنسا لا يمكنها القيام بأي شيء إذ لم يتخذ اللبنانيون أنفسهم المبادرة الضرورية للنهوض ببلدهم”، وتوجه الى السلطات اللبنانية التي سيلتقيها في الأيام المقبلة قائلاً: “حقاً، اننا جاهزون لمساعدتكم، ولكن ساعدونا لمساعدتكم”.
ونقل مراسل “النهار” في باريس سمير تويني في هذا السياق عن أوساط ديبلوماسية فرنسية في الاليزيه وفي الخارجية الفرنسية، إعرابها “عن يأسها” من التعامل مع السلطات اللبنانية والحكومة التي لم تقم حتى الآن بالانجازات التي وعدت المجتمع الدولي بالقيام بها. كما انتقدت تعامل الحكومة مع صندوق النقد الدولي الذي يشكل اليوم المنفذ الوحيد لمدّ لبنان بالأموال اللازمة لدفع المستحقات المالية، واطلاق العجلة الاقتصادية، واعادة بناء البنية التحتية واعادة الثقة بلبنان. ولفتت الى انه لا اشارة ايجابية حقيقية حتى الآن من الحكومة اللبنانية وداعميها إلى استجابة متطلبات حل الأزمة التي تزداد تفاقماً ولم تعد تتحمل أي تأجيل، بل يعمد الداعمون للحكومة إلى تأجيل الاصلاحات التي لا تتوافق مع مصالحهم الحزبية أو الشخصية أو تعطيلها، ويعملون على تثبيت الوضع القائم من دون أي سعي للقيام بهذه الاصلاحات. وهذا ما يعوق تقديم المساعدات.
وبدا لافتاً ان هذه الاوساط انتقدت اداء الحكومة “التي تهتم بالمحاصصة وتعيين قريبين منها في الوظائف العامة من دون أي شفافية، بينما ليس هناك أي اهتمام ملموس بحل الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تهم الشعب اللبناني”.
أما الرئيس الحريري، فقد حذّر بعد لقائه البطريرك الراعي من “أن هناك مشروعاً لتأميم البلد ودمج المصارف في مصرفين أو ثلاثة، حتى يصبح شبيهاً باقتصادات إقليمية يحبّذها البعض كالاقتصاد الإيراني”. واعتبر ان “لبنان يمر اليوم بأسوأ وضع اقتصادي يمكن أن نشهده تاريخياً، وهناك تفكير في هذه الحكومة وهذا العهد في تغيير النظام الاقتصادي اللبناني الحر إلى نظام آخر. البعض يقول: كلا نحن لا نريد أن نغيّر النظام، ولكن كل الأفعال والتنظيرات التي نراها اليوم في الإعلام في ما يتعلق بالاقتصاد، هي لتغيير النظام الاقتصادي الحر”. وقال عن بكركي: “نحن “نعتبر هذا الصرح صرحاً للحوار والاعتدال في لبنان، والعلاقة بين بيتنا وبكركي كانت دائماً وطيدة وأنا متمسك دائماً بها، لأن لبنان في حاجة الى أن يكون فيه حوار بنّاء لمصلحة اللبنانيين”. كما تميزت الحركة في بكركي بقيام الرئيس فؤاد السنيورة مع وفد لجنة متابعة “اعلان الأزهر” بزيارة في اليوم نفسه واعلانه تأييد المواقف الأخيرة للبطريرك الراعي، مشدداً على الالتفاف حول الدستور ووثيقة الوفاق الوطني والتمسك بالشرعيتين العربية والدولية.
وفيما عقد اجتماع مالي مساء أمس في السرايا عقب الجلسة العادية لمجلس الوزراء، في محاولة متجددة للاتفاق على الأرقام المالية، علمت “النهار” ان المفاوضات المجمدة بين لبنان وصندوق النقد الدولي ستعاود على خطين متوازيين، أولهما على صعيد الاصلاحات التي يطالب بها الصندوق ولا سيما في مجال الكهرباء، حيث ستعقد جلسة اليوم بمشاركة وزير الطاقة ريمون غجر ليقدم شرحاً حول خطة الكهرباء المدرجة في الخطة الحكومية والتي سبق لمجلس الوزراء ان أقرها في حكومة الرئيس سعد الحريري. أما الخط الثاني فيتمثل بالعمل الجاري بتكتم شديد داخل الحكومة من اجل اعادة النظر في الارقام المدرجة في الخطة الحكومية من خلال اعتماد مقاربات جديدة تتيح توحيد الموقف اللبناني في هذا الشأن. وتجهد الحكومة في هذا السياق للاستجابة للضغوط الدولية المتنامية ضدها من أجل تنفيذ سلة إصلاحات علها تعطي من خلالها إشارات إيجابية تحرك الدعم الدولي.
وسط هذه الأجواء، جاءت الانتكاسة المقلقة في اعداد الاصابات بفيروس كورونا لتوسع المخاوف من إمكان تفلت الامور نحو انزلاق وبائي واسع النطاق، خصوصاً بعدما تبين ان السبب الاساسي لتصاعد اعداد المصابين يتصل بفتح مطار رفيق الحريري الدولي وعودة ألوف اللبنانيين، فيما برز انتشار المصابين على معظم المناطق اللبنانية وعدم حصرها بمناطق معينة.
وسجل عدّاد كورونا في لبنان رقماً مرتفعاً أمس وصفه وزير الصحة حمد حسن بأنه صادم، ما أثار قلقاً ومخاوف من موجة ثانية لتفشي الفيروس، خصوصاً أن المعطيات تشير إلى عدم قدرة السلطات المعنية على السيطرة على تحركات بعض المغتربين الوافدين واختلاطهم وهم الذين أظهرت فحوصهم أنهم مصابون بالفيروس. ويتبين وفق المعلومات التي تتابعها وزارة الصحة أن عدم التزام الإجراءات الوقائية من وضع الكمامات إلى التباعد الاجتماعي، خصوصاً بعد عودة الحياة الى طبيعتها ومعاودة القطاعات الاقتصادية أعمالها، إلى فتح مطار رفيق الحريري الدولي، قد يؤدي إلى كارثة تتمثل في ارتفاع أعداد الحالات ما يزيد الأزمات يعانيها البلد والناس.
وبعد استقرار في أعداد الإصابات خلال الأيام الأخيرة، والتي راوحت بين 12 و36 إصابة من مقيمين ووافدين، جرى تداول أرقام كبيرة تتجاوز المئة إلى أن حسمتها وزارة الصحة العامة في تقريرها اليومي بأن العدد المسجل أمس للحالات هو 66. وأوضح التقرير أن الإصابات توزعت بين 44 في صفوف المقيمين (33 من المخالطين) و22 بين الوافدين في المطار. وقال حسن إن مغترباً اختلط مع محيطه وحضر عرسًا وذهب الى المسبح ولم يتخذ الاحتياطات اللازمة او يلتزم الحجر بعد عودته. وأعلن أمس عن إصابة طالبة في كلية الإعلام – الفرع الأول في الجامعة اللبنانية، ما أثار حالة من الهلع والخوف من احتمال انتقال العدوى إلى عدد من الطلاب، خصوصاً أن الطالبة حضرت الى قاعة امتحانات نهاية السنة في الفرع بوجود طلاب ومراقبين وخالطت بعض الموجودين. الى ذلك، أجرى فريق طبي من وزارة الصحة فحوصاً لـ 230 مواطنا من بلدات جدايل والريحانة والمنصف وشيخان في جبيل بعد اصابة أحد الكهنة في المنطقة ومخالطته العديد من أبناء القرى في المنطقة.