عمد أمین عام حزب الله السید حسن نصرالله الى تكییف خطابه السیاسي ومخاطبته المنتظمة والمنھجیة للرأي العام
بما یتناسب مع طبیعة المرحلة والأوضاع
والتغییرات العمیقة التي أصابتھا، بحیث بات الاقتصاد متقدماً على السیاسة،
وصار لزاماً علیه أن یغوص في عالم الاقتصاد
ویلمّ بالتفاصیل والأرقام المالیة، ویبذل جھداً لإقناع اللبنانیین بنظریاته
الاقتصادیة والخیارات البدیلة... من دون
أن یجد حرجاً في وضع معادلة "الشعب والجیش والمقاومة" جانباً، مكتفیا في
المسألة والمسؤولیات الاقتصادیة بمعادلة
"الدولة والشعب".
في إطلالته لیل أمس التي اتسمت بالھدوء
وضبط النفس والإنفعالات مقارنة بما كان علیه الحال في الإطلالة
السابقة، وجّه السید نصرالله رسائل في عدة
إتجاھات وأعلن جملة مواقف لم تقدم إجابات شافیة على أسئلة كثیرة، ولم
تكن كافیة لرسم خارطة طریق الخروج من "الأزمة
و المأزق... وبالإجمال یمكن الخروج بثلاثة إستنتاجات أساسیة:
أولاً: أراد نصرالله، وھذا كان ھدفا أساسیا
لإطلالته، تصویب وتوضیح ما أعلنه سابقا بشأن خیار "التوجه شرقا"
الذي أحدث ضجة وعاصفة من الردود والتعلیقات
المعترضة والمتحفظة وغیر المرحّبة، ومن جھتي الحلفاء والخصوم،
كما من جانب المجتمع الدولي الذي لم یستسغ
التغییر في وجه لبنان ووجھته... وقال نصرلله بطریقة أوحت بوجود
تراجع أو تلیین في الموقف بأن طرح موضوع
"التوّجه شرقا" لا یعني إدارة الظھر للغرب، مع التأكید على وجوب
الإنفتاح على الجمیع (باستثناء إسرائیل)
وحتى في موضوع أمیركا... وعلى عدم إمكانیة تطبیق النموذج الإیراني في
لبنان... وما أراد نصرلله قوله في تبریر
دعوته الى التوجّه شرقا ھو أن ھذه الدعوة جاءت كردة فعل على الحصار
الأمیركي الذي یدفع لبنان نحو الشرق...
ثانیاً: إطلاق الدعوة الى "الاقتصاد
المقاوم"، الى المقاومة الصناعیة والزراعیة أو "الجھاد الصناعي
والزراعي"، أو "المقاومة الشعبیة
الإنتاجیة"... التسمیة غیر مھمة المضمون ھو الأھم وما یعنیه لجھة:
- أن لبنان
مقبل على سنوات عجاف وعلى "فقر وعوز وجوع" ولا یمكنه الإكتفاء على"الإنتظار
السلبي"، بما في
ذلك إنتظار صندوق النقد الدولي، وإنما
علیه المبادرة والإتكال على نفسه وتأمین إكتفاء ذاتي.
- أن "لبنان
السیاحة والخدمات" والاقتصاد الریعي لم یعد متناسبا مع مقتضیات المرحلة التي تفرض
قیام "لبنان
الزراعة والصناعة" والاقتصاد الإنتاجي.
- الإقرار
الضمني بالعجز عن إدارة الأزمة المالیة والإنھیار الاقتصادي، وعدم وجود طرق مواجھة
إلا بالصمود
الإجتماعي وبالعودة الى الأرضوالزراعة،
والى الصناعات الیدویة...
ثالثا: وجود إنزعاج قوي لدى حزب الله من
حركة ومواقف السفیرة الأمیركیة دوروثي شیا، مع إقرار ضمني بأن
ھذه الحركة بدأت تؤثر وتؤتي ثمارھا. لم
یسبق لأمین عام حزب لله أن استھدف السفیرة الأمیركیة وخاطبھا بھذه
الطریقة المباشرة والعنیفة، الى حد القول
لھا: "إحترمي حالك ووقفي عند حدّك"، متھما إیاھا على "التدخل السافر
في
الشؤون الداخلیة، بالحكومة والتعیینات
المالیة والوضع الاقتصادي/ تحریض اللبنانیین على بعضھم البعض وعلى
الإقتتال والفتنة والحرب الأھلیة/ تألیب اللبنانیین على المقاومة وتألیب بیئة المقاومة علیھا...
إستنتاجات ثلاثة أمكن إستخلاصھا من ھذه
الإطلالة التي تضمنت "على الھامش" ثلاث "رسائل طلبات":
-الأولى
الى الحكومة للطلب إلیھا إرسال وفد الى العراق لمتابعة وإكمال ما بدأه الوفد العراقي
الحكومي في بیروت.
- الثانیة
الى وزارة العدل والقضاء اللبناني لرد الإعتبار الى القاضي محمد مازح الوطني الشجاع
وإعادة النظر بردة
الفعل تجاھه والتصرف معھ بنفس مستوى الوطنیة
الذي عبر عنه.
- الثالثة
الى وزارة الخارجیة لاستدعاء السفیرة الأمیركیة ومطالبتھا بالإلتزام بالإتفاقیات الدولیة...
وكتلة الوفاء
للمقاومة في صدد التقدم بعریضة بھذا المعنى
الى وزارة الخارجیة، مع العلم أن الوزارة إستدعت السفیرة شیا قبل
أسبوع، ولكن یبدو أنھ كان إستدعاء للإعتذار
ولیس للتوبيخ...