تتكشف الامور يوما بعد يوم ويتضح ان هناك سلطة تقليدية قابضة على مفاصل الدولة متمسكة بعدم اجراء اي اصلاح سوى على المنابر. فتحويل اقوال الوزراء الى افعال يصطدم دائما بأخطبوط الدولة العميقة التي تمسك بأذرعها المؤسسات بحذافيرها وبتفاصيلها وتحبط اي محاولة اصلاحية. فهل يمكن ان تنجح مفاوضات صندوق النقد الدولي مع الحكومة بوجود سلطة سياسية بالية؟ وهل من الممكن ان يسمح لصندوق النقد الدولي بأن يقوم بتدقيق في الحسابات على كل المستويات؟
في المقابل، تغوص الناس في الحزن والفقر واليأس والانتحار، ذلك ان المجاعة بدأت تطل برأسها في لبنان وفي مناطق لبنانية معينة ولن تنحصر بها، بل ستشمل كل لبنان اذا استمرت الدولة في عدم تطبيق الاصلاحات والتغيير الايجابي. اليوم لبنان يعيش احلك الظروف والمواطن هو من يدفع الثمن وفاتورة الازمة المالية.
ذلك ان الامن الغذائي اضحى مهددا، اولا لاختفاء مواد غذائية ولارتفاع الاسعار الجنونية التي تحرم المواطنين من شرائها نظرا لتراجع القدرة الشرائية بسبب التضخم السريع.
ويتزامن ذلك مع انقطاع الكهرباء الذي اصبح متكرراً وبشكل متزايد. وفي هذا المجال، تقول المعلومات ان الامدادات في ايدي المولدات الخاصة وعصابات الوقود. اضف الى ذلك، ارتفاع البطالة وقد زادت من نسبتها جائحة كورونا التي أرخت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد اللبناني.
اما القطاع الخاص فهو في حالة تراجع كبير، والامور تنذر ان الاحوال تزداد سوءا. وفي هذه الحال، وطالما ان القطاع الخاص يعاني من الكثير من العقبات والتعثر، سيكون من الصعب على الحكومة بناء ناتجها المحلي الاجمالي.
في المقابل، رأت اوساط سياسية، بعد تراجع الدولار في السوق السوداء الى 7000 ل.ل، ان ارتفاع الدولار فوق 4000 ل.ل. الى 10000 ل.ل. يدل بشكل واضح انه كان ارتفاعاً سياسياً للضغط على حكومة الرئيس حسان دياب ومحاولة اسقاطها، ولكن اظهرت الحكومة انها تمكنت من الصمود. وثانيا لفشل الطريقة التي اعتمدت بحصر تعامل الناس مع الصرافين عبر اعطائهم الدولار وتسيير امور المواطنين لدفع اقساط المدارس والجامعات والاستشفاء وغيرها من الامور. اضف الى ذلك، ان هذه الاوساط السياسية دانت دور الدولة في عدم فرملة ارتفاع الدولار، والسؤال الذي يطرح نفسه : «اين كان يذهب هذا الدولار؟».
واشارت هذه الاوساط الى ان انخفاض سعر الدولار الى 7000 ل.ل. جاء بعد قرار مصرف لبنان اعطاء المال للمصارف بدلا من الصرافين الى جانب فتح المطار وعودة عدد لا بأس به من المغتربين اللبنانيين الذي ادى الى تحريك السوق ولو بشكل بسيط. وكشفت هذه الاوساط انه ما ان لوح مصرف لبنان بإعطاء المال للمصارف للتعامل مع المواطن لدفع
الاقساط والاستشفاء وامور معيشية اساسية، حتى شعر الصرافون بالضغط، وبالتالي فرملوا ارتفاع الدولار لاستمالة الناس.
كذلك اعتبرت الاوساط السياسية ان العامل الخارجي، وهو الضغط الاميركي على لبنان وتضييق الخناق عليه، هو من رفع الدولار ووصل الى الذروة عندما لامس 10000 ل.ل. ولكن انخفاضه بسرعة يدل على ان واشنطن لا تريد ان تصل الامور الى الانفجار في لبنان.
هل القوات اللبنانية تقوم بدور الدولة؟
الى ذلك، اعتبرت مصادر سياسية بارزة ان لقاء السفراء العرب في معراب يشير الى ان القوات اللبنانية اقدمت على خطوة تعتبر بعض الشيء انتقاصا من دور الدولة. بيد ان الدولة اللبنانية هي الجهة التي تحاور سفراء الدول العربية وتبحث معهم الامور الداخلية في لبنان وليس حزباً لبنانياً خارج السلطة ولا يمثل لبنان الرسمي.
حكومة دياب: هل توحد الرؤية لاستئناف المفاوضات مع الصندوق؟
في غضون ذلك، بات اسقاط حكومة دياب او استبدالها امرا غير واقعي في هذه المرحلة الدقيقة والخطرة. وعليه بادرت الحكومة الى العمل لإيجاد مصادر وأبواب اخرى جديدة، اي بتوسيع مروحة التواصل من اجل انقاذ الاقتصاد اللبناني او اقله فرملة الانهيار المالي. كما تسعى هذه الحكومة الى اعادة تقويم ووضع لبنان مجددا على سكة التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي دعا الى تعليق المفاوضات لاجل غير محدد. ومن هنا تريد الحكومة التوصل الى رؤية موحدة لاستئناف المفاوضات مع الصندوق. وفي هذا الصدد، كان الاجتماع الذي عقد بين الرئيس نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مثمرا في تكثيف الجهود للاتفاق على مقاربة مشتركة لمعاودة التفاوض، ما أدى الى وضع الاصلاحات التي «عطلت» في الماضي على جدول جلسة مجلس الوزراء الاسبوع المقبل.
الحكومة جادة في التوجه شرقاً
للتوجه شرقاً، تؤكد مصادر 8 آذار ان هناك تقدماً بارزاً في هذا الملف، اذ مع الجانب العراقي الامور ممتازة، وقد تم الاتفاق على تعزيز الصادرات الزراعية مقابل الفيول. فمعلوم ان كل الكمية التي صدرت من الحامض اللبناني خلال الاشهر الاربعة الماضية قد صدرت الى العراق، لذلك ارتفع سعر الحامض في السوق اللبناني. وتشير الى ان الوفد العراقي باق في لبنان حتى اتمام كل الاتفاقات سريعاً.
اما الصينيون فتقول المصادر انهم جادون في المشاريع التي حكي عنها والتي تقدر بـ12 مليار دولار ونصف المليار تقريباً، والاجتماعات مستمرة بين الوزراء المعنيين بالطاقة والاشغال والسفير الصيني لإنجاز الاتفاقيات.
وعن التحذيرات للبعض في لبنان من عقوبات اميركية جديدة، تؤكد المصادر ان اي عقوبات اصبحت وراءنا، والحكومة تتصرف على انها باقية، ولا خيار امامها الا المضي قدماً في اتجاه تحقيق مصلحة لبنان. وتسأل المصادر: اي نوع من العقوبات لم تفرضه اميركا حتى الآن؟ لم يبق الا منع السفر ومنع نزول الطائرات اللبنانية في المطارات العالمية. وكذلك وضع لبنان والدولة والشعب على لائحة الارهاب.
الحدود بين لبنان وسوريا
سوريا، اي نقطتي العبودية والمصنع، تقول المصادر ان الامر تقني ومرتبط بملف الكورونا، والبلدان يتريثان حتى ما بعد منتصف تموز للبت في الامر وليس هناك ارتباط بملف «قيصر» او اي عقبات سياسية.
النائب كنعان: قمنا بعملنا والكرة اليوم في ملعب الحكومة
وفي هذا السياق، قال النائب ابراهيم كنعان، رئيس لجنة المال والموازنة، ان الهدف من عمل اللجنة هو توحيد الموقف اللبناني لتحريك المفاوضات الجارية ولكيلا تضيع فرصة التمويل من صندوق النقد الدولي. وشدد على ان التقرير الذي توصل اليه ينص على اربعة خيارات تجمع موقف مصرف لبنان مع الحكومة وتقلص الثغر لافتا الى ان هذا التقرير اصبح في عهدة المجلس والكرة اليوم عند الحكومة.
وتابع كنعان ان في هذا الموضوع، يجب على الحكومة حسم الرؤية والخطة التي تحمي المودعين من اي اقتطاع في وقت ان المجلس النيابي هو من يوافق على اي قرض يأتي الى لبنان، سواء من صندوق النقد الدولي او من اي جهة اخرى. واشار النائب كنعان الى ان المجلس النيابي حريص على اموال المودعين، ويرى انه يجب ان تكون هناك معالجة جدية للخسائر، ليس عبر صناديق غير قابلة للتحقيق طرحتها الحكومة.
من هنا، قال النائب كنعان ان صندوق النقد الدولي تكلم عن توحيد الموقف مع المجلس النيابي مشددا على ان الصندوق هو الملاذ الاخير لخلاص لبنان. وعليه، رأى كنعان ان لا لزوم لمزيد من التأخير، مضيفا : «فلنذهب باتجاه مشروع متكامل ليتم استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على هذا الاساس».
وفي نطاق متصل، قالت اوساط وزارية لـ «الديار» ان الاجوبة الاخيرة والنافرة والمتشددة من صندوق النقد الدولي تجاه الحكومة ومصرف لبنان والمصارف، تدفع بالحكومة والقطاع المصرفي الى الاسراع في ترتيب الاوضاع من اجل اعادة احياء التفاوض بأجواء أقل سلبية. وانطلاقا من ذلك، كيف يمكن ان تبدأ الحكومة بالتعاون مع المجلس النيابي في تطبيق الاصلاحات؟
في المقابل، الاجواء السياسية والمالية والاقتصادية لا تزال ضاغطة، وبالتالي تشكل هذه الاجواء تحدياً دائماً للحكومة وللعهد. والحال ان الاشتباك السياسي بين اطراف من المعارضة اللبنانية، ابرزها تيار المستقبل واشعال الشارع، الى جانب قيام محتجين مأجورين بمحاولة الاعتداء على الوفد الوزاري العراقي في زيتونة باي. ويذكر ان هذا الوفد الوزاري العراقي اجتمع مع رئيس الحكومة حسان دياب منذ ايام لبحث كيفية التعاون بين العراق ولبنان وحصول الدولة اللبنانية على الفيول من العراق. كما اجتمع الوفد العراقي مع عدد من الوزراء اللبنانيين المعنيين، سواء على مستوى الزراعة والطاقة والصناعة، وتباحثوا في طروحات تلبي حاجات البلدين.
لماذا تراجع الدولار بشكل غير مسبوق في السوق السوداء؟
من جهته، علل الخبير الاقتصادي سامي نادر انخفاض الدولار الى 7000 ل.ل. لعدة عوامل، ابرزها فتح المطار وتعليق الامال على عودة المغتربين اللبنانيين وضخ الدولار في السوق، الى جانب قيام المنظمات الدولية، على غرار اونروا، بدفع المساعدات المالية للاجئين وبالتالي هذه العوامل تؤثر بشكل ايجابي في سعر الصرف، خاصة عند سوق الصيرفة المحدود.
انما وفي الوقت ذاته، اعتبر نادر ان انخفاض الدولار موقت والمسار الانحداري للعملة الصعبة غير مستدام، ذلك ان مسار ضبط تدهور سعر الصرف والليرة اللبنانية يرتكز على عاملين اساسيين لا ثالث لهما. العامل الاول هو الحصول على سيولة من صندوق النقد الدولي على المدى القصير نظرا لحاجة لبنان للدولار. اما العامل الثاني فهو الشروع الى تنفيذ الاصلاحات بهدف تجليس الخلل في ميزان المدفوعات.
وتابع الخبير الاقتصادي سامي نادر ان تعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي هو امر سلبي وذلك يعني ان الحكومة تشهد ازمتين : ازمة فريق المفاوضات بعد استقالتي عضوين اساسيين فيها، وهما مدير عام وزارة المالية ألان بيفاني ومستشار وزير المالية هنري شاول. وأزمة خارطة طريق متصلة بخلفية سياسية.
وكشف نادر ان صندوق النقد الدولي اليوم اكثر من اي وقت مضى سيدقق في الحسابات لانه في بداية الامر اعلن ان ارقامه تتماشى مع ارقام الحكومة وليس مع ارقام القطاع المصرفي. وبعد ان حصلت تعديلات للارقام بات اليوم صندوق النقد يريد التدقيق لانه كصندوق نقد له نزعة في أن يكبر الخسائر. وفي هذا السياق، اعرب نادر عن خشيته من عدم تلقف الحكومة فرصة صندوق النقد الدولي الذي هو الفرصة الاخيرة امام لبنان لان الجميع لا يريد ضمنيا ان تنجح المفاوضات مع صندوق النقد وفقا للخبير الاقتصادي.
القوات اللبنانية : الانتخابات المبكرة بداية الحل لازمة لبنان
اكدت مصادر قواتية انه من المعروف ان القوات اللبنانية على علاقة وثيقة ومميزة واستراتيجية مع السعودية، وكذلك مع المجموعة العربية والدولية انطلاقا من قناعة القوات ان لبنان جزء لا يتجزأ من الشرعية العربية والدولية، وبالتالي على هاتين الشرعيتين تحمل مسؤوليتهما في توفير الحماية للبنان واستقلال لبنان وفقا للدستور. اما السفير السعودي، تشير الاوساط، فجد عليه امر طارئ حال دون مشاركته في لفاء السفراء العرب في معراب.
واشارت المصادر القواتية الى ان الهدف من هذا اللقاء الذي له طابع سياسي واجتماعي وغير رسمي من اجل التشاور لما يمكن عمله في الوقت الحاضر، فللاسف الحكومة الحالية والسابقة عندما كان وزير الخارجية جبران باسيل سعت وتسعى لابعاد لبنان عن اصدقائه العرب والغربيين. واضافت ان هجوم رئيس الحكومة حسان دياب الاخير على المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ما هو الا دليل لاخذ لبنان الى محور اخر. ولذلك الطروحات التي يتم تداولها في لبنان لا تتلاءم مع الجو العربي العام والجو اللبناني المطابق للدستور وللجو الغربي، من هنا، حصل هذا اللقاء للحرص على العلاقة مع الدول العربية بمواجهة المحور الشرقي الذي ينتهك سيادة لبنان، وفقا للمصادر القواتية التي لفتت الى انه تم طرح افكار لامكان انقاذ لبنان من هذه الازمة المالية الخانقة.
وفي سياق متصل، اعتبرت المصادر القواتية ان هناك طرفاً متمسكاً بعدم فعل اي اصلاح لتحسين الوضع المالي وقرار صندوق النقد الدولي تعليق المفاوضات مع لبنان بسبب تضارب الارقام وفشل اداري على مستوى الدولة. فكيف يمكن أن يتعامل صندوق النقد مع دولة عاجزة عن توحيد ارقامها؟ وكل هذا التذاكي لم يعد يمر على المجتمع الدولي، ولذلك اصبحت هناك شروط على لبنان ان ينفذها للحصول على اموال ومساعدات. وتابعت هذه المصادر ان حكومة دياب فشلت فشلا ذريعا مع كل الفريق الذي شكل هذه الحكومة، ولم تستفد من الفرصة التي اعطتها الاحزاب الداخلية كما الدول الخارجية حيث يواصل الدولار ارتفاعه والتراجع المخيف في الوضع المعيشي والبطالة تزداد والمواد الاستهلاكية تتناقص من السوق. وامام هذه الوقائع، طالبت المصادر القواتية برحيل هذه السلطة وحتى لو اتت حكومة جديدة على رأسها سعد الحريري ضمن شروط اصلاحية كما اعلن. ولكن ما نقوله كقوات لبنانية : «ما نفع اي حكومة ان تأتي طالما ان الاكثرية هي الممسكة بكل القرارات». ولذلك كل هذا الكلام المتداول هو مضيعة للوقت، والحل للازمة المالية يكمن في تغيير هذه السلطة التقليدية عبر انتخابات مبكرة. وشددت المصادر على ان القوات اللبنانية لن تشارك في اي حكومة لانها تعتبر ان الحكومة لهذه المرحلة يجب ان تكون من اختصاصيين مستقلين.
البنك الدولي : سنقدم 500 مليون دولار لمساعدة العائلات الاكثر فقراً
على صعيد اخر، أعلن البنك الدولي أنه ينوي تقديم 500 مليون دولار على الارجح في شهر آب ضمن مشروع شبكة امان اجتماعي لمدة عامين تطال العائلات الاكثر فقرا، أي حوالى 100,000 اسرة. ونظرا لارتفاع الشغب الاجتماعي والسرقة والعنف، اكد البنك الدولي ان هدفه تخفيف عواقب الازمة التي ادت الى اهتزاز الاستقرار الامني.