الباب اللبناني مشرّع امام سلسلة احتمالات وتطوّرات؛ مصير الحكومة يتأرجح بين هبّة تغيير وهبّة تأجيل لهذا التغيير، والأزمة الاقتصادية والمالية بات مسلّما، في غياب المعالجات الفورية والجذرية، انّها ستشهد تسارعاً اكبر في حدّة الانهيار. وعلى الخط الموازي، يتبدّى ما هو اخطر، مع تراكم المؤشرات الخارجية التي تُنذر بتعقيدات لبنانية خطيرة، كترجمة للتصعيد الأميركي ضد “حزب الله”.
وإذا كانت الاجواء المحيطة بـ”حزب الله” تعكس انتقال الحزب الى وضع احترازي في الآونة الأخيرة، في موازاة ارتفاع وتيرة التهديدات بفرض ضغوط عليه، وصفتها واشنطن بأنّها خانقة له، فإنّ ما تشي به الحركة الديبلوماسيّة الغربية المتزايدة في هذه الفترة، يعكس تحذيراً للمستويات الرسمية في لبنان، من انّ عمليات الضغط ستتسارع حتى لا يتمكن “حزب الله” من احتواء الصدمات التي يتعرّض لها.
وجديد هذه الحركة الديبلوماسية، ما جرى إبلاغه إلى مسؤولين لبنانيين، بأنّ الغرب وواشنطن يرصدان بشكل مباشر وحثيث ردّ فعل “حزب الله”، في الداخل اللبناني، وعلى الحدود مع اسرائيل، في ظلّ معلومات بأنّ الحزب قد دخل في حال استنفار في تلك المنطقة”.
ولعلّ اللافت للإنتباه في هذا السياق، هو الحضور الأميركي شبه اليومي على خط الأزمة اللبنانية، عبر المواقف المتتالية لكبار المسؤولين في الادارة الاميركية، وصولاً الى السفيرة في بيروت، وهذا يؤشّر الى أنّ واشنطن حدّدت لبنان كنقطة حيوية لها في هذه المرحلة، على حدّ تعبير أحد كبار المسؤولين، الذي ابلغ الى “الجمهورية” قوله، إنّه “توقف مليّاً عند الإعلان الاميركي الأخير، الذي عبّرت عنه المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الاميركية، والذي يؤشر الى خطوات معيّنة قد توجّهها الادارة الاميركية في اتجاه لبنان”.
وعلمت “الجمهورية”، أنّ احد مستشاري مسؤول سياسي تواصل في الفترة الاخيرة مع العديد من الديبلوماسيين العرب والأجانب في بيروت، واستفسر صراحة عمّا اذا كان الضغط على لبنان مقدّمة الى حرب.
وبحسب المعلومات، فإنّ سفير دولة كبرى معنية بالشأن اللبناني، كشف للمستشار المذكور، بأنّ الادارة الاميركية بدأت تلمس انّ “حزب الله” بات قلقاً من الضغوط الخارجية، ومن الضغط المتزايد عليه في الداخل اللبناني بشكل عام، وفي بيئته بشكل خاص، وهذا ما قد يدفع واشنطن الى ممارسة المزيد من الضغوط والعقوبات لتحقيق هدفها المعلن بعزل الحزب وخنقه بشكل كامل.
واكّد المستشار المذكور لـ”الجمهورية”، انّ “الجامع بين الديبلوماسيين العاملين في لبنان أمران، الأول، هو النظرة اليائسة من الحكومة التي باتت تشبه امرأة عاقر غير قادرة على الإنجاب، والثاني هو انّ الاميركيين وغيرهم من الاسرائيليين وغير الاسرائيليين، يريدون نصراً كاملاً وسريعاً على “حزب الله”، وهذا الامر ليس متاحاً، وهذا معناه انّ فرضيّة الحرب مستبعدة، ذلك انّ الإدارة الاميركية تتحضّر للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، فهل يمكن أن تُشغل نفسها في حرب سواء عبر الولايات المتحدة الاميركية مباشرة او عبر إعطائها الضوء الأخضر لحرب قد لا تحقق لها ما ترجوه من نتائج منها؟ إنّ التوصيف الدقيق لما يجري في لبنان هو انّ اطراف النزاع الدوليين يخوضون في هذه المرحلة معركة “عضّ أصابع”.
في الجانب الحكومي، يُمكن القول إنّ الحكومة دخلت في فترة “اطمئنان مؤقت” على مصيرها، لعدم توفّر بديل جاهز لترؤس حكومة جديدة. وهذه الفترة، وعلى ما يؤكّد مشاركون في حركة الاتصالات التي تناولت مصير الحكومة خلال الايام الاخيرة، تُعتبر فرصة متجدّدة لحكومة حسان دياب، لأن تخرج من حقل التجارب العالقة فيه منذ نيلها الثقة وتدخل مضمار العمل المجدي والإنجاز.
وعلى هذا الانتقال من حقل التجارب الى الإنجاز، على ما يجزم هؤلاء لـ”الجمهورية”، سيتحدّد ما اذا كان عمر الحكومة سيطول أم سيقصر، ولكن اما وانّ البديل المفترض، اي الرئيس سعد الحريري، ليس جاهزاً لترؤس الحكومة الجديدة، فعلى الحكومة ان تطمئن.
وتبعاً لذلك، نُقل عن مسؤول كبير قوله، عندما سُئل عن احتمالات تغيير الحكومة: “لو أنا قادر على تغيير الحكومة، ما كنت خلّيتها ولا دقيقة”، ولو كان البديل متوفراً الآن، فلن تبقى الحكومة الحالية، وان تمّ تطييرها الآن فسنكون في أزمة ونصبح في ازمة اكبر، ذلك اننا سنقع في فراغ حكومي أقلّه حتى الانتخابات النيابية المقبلة، وربما حتى نهاية العهد، يعني سنوات من الفراغ، وفي هذه الحالة من يعلم ماذا يصيب البلد”.
ويضيف المسؤول: “الحكومة موضع شكوى منها من حلفائها قبل معارضيها، ولكن طالما انّ لا بديل، فلا تغيير، ولا سبيل امامنا سوى التسليم بالامر الواقع، ومحاولة دفع الحكومة الى الانجاز”.
وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّ فكرة متداولة في اوساط الحاضنة السياسية للحكومة، ترمي الى الذهاب نحو خيار التبديل بقصد تفعيل الحكومة، وذلك عبر اخراج بعض الوزراء الذين ثبت انّهم غير مؤهّلين لتولّي المنصب الوزاري، واستبدالهم بوجوه جديدة توحي بالثقة.
وفيما لم تُحدّد مصادر المعلومات الجهات المرشحة لاستبدال وزرائها، اشارت الى انّ عين التبديل، إن تمّ السير بهذه الفكرة، مركّزة على 5 وزراء على الاقل، ومن بينهم من سبق له ان كتب كتاب استقالته عند تشكيل الحكومة.
من جهة ثانية، وفي موازاة مبادرة الحكومة الى طرق الباب الصيني والعراقي، تلمّساً لمساعدات من شأنها ان تسهم في تخفيف وطأة الازمة الداخلية، عبّرت اوساط ديبلوماسية عربية عن استيائها من الخطاب الهجومي الذي شنّه رئيس الحكومة حسان دياب في اتجاهات داخلية وخارجية مختلفة، والذي لم يفرّق فيه بين صديق وشقيق للبنان، وخصوصاً الاشقاء الذين يضعون لبنان الشقيق في عين الرعاية الدائمة.
وعلمت “الجمهورية”، انّ سفير دولة عربية كبرى معنية بالشأن اللبناني، اجرى بعد خطاب دياب، سلسلة اتصالات مع العديد من الشخصيات اللبنانية، معبّرا عن امتعاض شديد من اتهامات رئيس الحكومة، التي انطوت على نكران فاضح لما يقدّمه اشقاء لبنان، وعلى دعوة مباشرة لأشقاء لبنان واصدقائه الى اغلاق الباب أمام أي مبادرات من قبلهم تجاه لبنان.
من جهة أخرى، وفي الشق المالي، علمت “الجمهورية” انّ موضوع خسائر لبنان المُختلف عليها بين الحكومة ومصرف لبنان، قد وُضعت مجدداً على نار حامية، سعياً لوصول الطرفين الى قاسم مشترك حول هذه الارقام، يطوي صفحة الاختلاف بينهما، وبالتالي يذهبان معاً بأرقام موحّدة الى التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي سبق ان طلب من طرفي الخلاف اللبناني: “اذهبوا واتفقوا في ما بينكم على ارقامكم، ومن ثم عودوا لنكمل النقاش معكم بشكل جدّي ووفق ارقام واضحة”.
وبحسب المعلومات الموثوقة، فإنّ هذا الامر يفترض ان يتمّ حسمه في وقت قريب جداً، حيث بوشرت النقاشات فعلاً بين الحكومة ومصرف لبنان حول الارقام، على ان تصل هذه النقاشات الى الخواتيم التفاهمية على ارقام موحّدة قبل نهاية الاسبوع الجاري او بداية الاسبوع المقبل على أبعد تقدير.
وتشير المعلومات، الى انّه بالتوازي مع توحيد الارقام، سينصبّ الجهد النيابي في الايام المقبلة، وتحديداً من قِبل لجنة المال والموازنة، على دراسة اقتراح قانون “الكابيتال كونترول”، وتحضيره لإقراره في اول جلسة تشريعية تعقدها الهيئة العامة لمجلس النواب، باعتبار انّ “الكابيتال كونترول” هو احد الشروط الاساسية التي يطلبها صندوق النقد الدولي ربطاً ببرنامج المساعدات الموعود للبنان.
الاّ انّ مصادر معنية بصندوق النقد الدولي تلفت الانتباه، الى انّه “حتى ولو تمّ الاتفاق على ارقام موحّدة بين الحكومة ومصرف لبنان، وحتى لو تمّ اعداد مشروع “كابيتال كونترول” يلبّي كل متطلبات صندوق النقد، الّا انّ العقدة الاساس امام اي برنامج من صندوق النقد حيال لبنان، تبقى الاصلاحات التي يطالب بها الداخل والمجتمع الدولي، وكذلك صندوق النقد الدولي”.
وعلمت “الجمهورية”، انّه في الجلسات الاخيرة للتفاوض بين لبنان وصندوق النقد الدولي، كان رئيس وفد الصندوق في منتهى الصراحة، حينما تلقّى سؤالاً من الجانب اللبناني: هل سيكون هناك برنامج لصندوق النقد الدولي تجاه لبنان، إن لم تكن هناك اصلاحات؟ فأجاب بما حرفيّته:” أبداً، لن يكون هناك اتفاق على برنامج مع لبنان، ونحن نستغرب ونتساءل لماذا لم تباشر الحكومة اللبنانية بالإصلاحات، ولماذا لم تبادر الى القيام بأي اشارة تعكس فيها انها تملك توجّها اصلاحياً”؟
واذا كان اللبنانيون على اختلافهم مسلّمين بأنّ العلّة هي في الحكومة، وهذا ما يقرّ به مشاركون في الحكومة، الذين يصرّون على “انّ مسارها القديم مآله الفشل الحتمي ومفاقمة الازمة اكثر، ومثل هذا الكلام قيل للقيّمين على الحكومة، مقروناً بالدعوة المباشرة الى اعادة تقييم الاداء والاستفادة من مسلسل الاخطاء التي ارتُكبت منذ تأليف الحكومة وحتى اليوم”.
لكن العلّة الاكبر في رأي هؤلاء المشاركين في الحكومة، تكمن في من “كسر” هذه الحكومة وفشّلها نهائياً، في الوقت التي كانت تتلقّى فيه سيلاً من المطالبات الداخلية والخارجية بتقديم انجازات واصلاحات.
فالحكومة، وكما يقول هؤلاء المشاركون، ضُربت على رأسها يوم كُسِر قرارها في موضوع سلعاتا، فهي للمرة الاولى تتخذ قراراً معنوياً مهماً، وفعلياً صحيح، الّا انّ رئيس الجمهورية أجبرها على كسر قرارها، وفوق ذلك يتمّ تمرير قرار في مجلس الوزراء ويُربط بالمادة 52 من الدستور التي تحدّد صلاحية رئيس الجمهورية في التفاوض وابرام المعاهدات، هكذا بكل سهولة يتمّ ادخال الدستور بخطة الكهرباء. وها هو البلد يرزح في هذه الفترة تحت “فضيحة الكهرباء”، التي ركّعت كل اللبنانيين، وتقودهم الى العتمة. علماً انّ ملف الكهرباء كان ولا يزال الملف الأول الذي ينادي المجتمع الدولي وصندوق النقد وكل المؤسسات المالية الدولية بإصلاحه، ومع ذلك ثمة اصرار على ابقائه مهترئاً!
ويضيف هؤلاء، انّ الحكومة ضربت للمرة الثانية في كسر التشكيلات القضائية وتعطيلها نهائياً، كرمى لعيني بعض القضاة المحسوبين، في الوقت التي يُطالَب فيه لبنان باستقلالية القضاء التي تشكّل المعبر الالزامي والوحيد لمكافحة الفساد وخروج لبنان من ازمته، وضُربت للمرة الثالثة في تمييع التحقيقات القضائية في ملفات الفساد، وآخرها الفيول المغشوش، وصولاً الى التعيينات الأخيرة التي قدّمت للداخل وللمجتمع الدولي أسوأ صورة سلبية عن منحى المحاصصة وتقاسم الوظائف على حساب الكفاءة والجدارة.
ويخلص هؤلاء المشاركون في الحكومة الى القول: “الفشل واضح مئة في المئة، والحكومة تتحمّل نصف المسؤولية عن فشلها، واما النصف الثاني فيتحمّله حتماً من اعتمد سياسة الكسر حيالها. وبالتالي مع استمرار الحكومة على انتهاجها ذات المسلك، وكذلك مع استمرار سياسة الكسر هذه، فلن يكون هناك أمل مرتجى لا بإصلاح ولا إنقاذ، لا الآن ولا في أي وقت آخر”.
مالياً، مفاجأة الدولار جاءت امس من السوق السوداء، حيث سجّل سعره هبوطاً سريعاً، بعدما كان لامس الـ10 آلاف ليرة، لينخفض الى ما دون الـ8 آلاف في تداولات الامس، وخصوصا في فترة ما بعد الظهر.
وفي قراءة خلفيات هذا الهبوط، قدّم المحللون ثلاث نظريات هي:
أولاً- بدء عودة اللبنانيين عبر المطار ومعهم دولارات ارادوا تصريفها، إما للانفاق وإما لتسديد قروض مصرفية بالليرة، حيث الوقت مناسب بالنسبة لهم لتسديد القرض بمبلغ زهيد بالدولار.
ثانياً- الاعلان عن آلية لتزويد المصارف بدلاً من الصرافين بالدولارات، الامر الذي دفع التجار الذين يطلبون الدولار الى التريث.
وبذلك يكون العرض ارتفع، والطلب تراجع، وكان من البديهي ان يتراجع السعر. لكن لا ينبغي إستبعاد عامل ثالث يتعلق بـ”مافيا” تجارة الدولار، والتي قد تكون استفادت من هذا المناخ المستجد وأوقفت الطلب مؤقتا على الدولار للمساهمة بهبوطه اكثر، تمهيداً لجمعه على سعر منخفض من السوق.