كشفت المعلومات ان حركة لقاءات ومواقف سیاسیة أحدثت جوا من البلبلة حول وضع الحكومة، وأوحت بأن مصیرھا مطروح علىب ساط البحث، وبأن ثمة قرار قد إتُخذ بإطاحتھا: اللقاء المطول في عین التینة بین بري وباسیل، بالتزامن مع لقاءا لحریري ـ الفرزلي الذي ناشد الرئیس حسان دیاب ومن بیت الوسط بتسھیل أمر إیجاد حكومة بدیلة تساعد على إیجادا لحلول، وتلاه موقف للرئیس الحریري الذي أكد أن شروطه للعودة الى رئاسة الحكومة معروفة ونقطة على السطر،ك اشفا عن رغبة دفینة لدیھ بإعادة فتح باب التفاوض حول الملف الحكومي... في ھذا الوقت، كان النائب آلان عونی تحدث عن "إنھیار أسرع من وتیرة عمل الحكومة". وكان الوزیر السابق وئام وھاب یعطي دیاب نصیحة بأن یستقیلق بل أن یقیلوه ویسقطوه في الشارع، متحدثا عن "مفاوضات تدور في المجالس المغلقة لتشكیل حكومة، والخلاف علىب عض التفاصیل".
الحكومة تُضرب من بیت أبیھا ولسان حال رئیسھا حسان دیاب یقول "اللھم إحمني من أصدقائي، وأما أعدائي فأنا
كفیل بھم"... الحكومة، بأدائھا المتردد والمتعثر والغارق في إجتماعات كثیرة وقرارات قلیلة، أعطت خصومھا
والمتربصین بھا مادة للھجوم، وحیث تتحین الطبقة السیاسیة من داخل الحكومة وخارجھا فرصة الإنقضاض علیھا والنیل منھا. الخصوم سارعوا الى تحریك ورقة الشارع، والحلفاء عمدوا الى التلویح بورقة سحب "الودائع" الوزاریة وتحریك حدیث الإستقالات... الحكومة في وضع صعب جدا وفي حال "حصار وعزلة": الأبواب الدولیة والعربیة موصدة في وجھھا، المعارضة متربصة بھا، الشارع یغلي وقابل للإنفجار، حتى الرأي العام الذي أعطاھا فرصة وكان یأمل منا خیرا وشیئا، تخلى عن رھانه وعن إنطباعه الأولي، في وقت صارت اللعبة الداخلیة جزءا من أدوات الضغط الخارجي بشقیه المالي والسیاسي، وھذا ما یفسر تلمیحات بعض الوزراء وتھویلھم بالقفز بدورھم من مركب الحكومة. وكثیرة ھذه المؤشرات والأدلة التي ترفع من منسوب الشكوك في أذھان المدافعین عن الحكومة حول میاه تجري من تحت أقدامھا وتھدف الى إغراق خطتھا الإصلاحیة وتطویعھا...
المشھد السیاسي یعطي إنطباعا أن حزب الله ھو وحده المدافع عن الحكومة والمتمسك بھا حتى إشعار آخر. فرغم
وجود تحفظات على أداء حكومة دیاب وإنتاجیتھا وخبرتھا السیاسیة، إلا أن بقاءھا و"على علاّتھا" أفضل بكثیر من
ذھابھا ومن الفراغ الذي سینشأ عن إستقالتھا، ووجود حكومة تمارس مسؤولیاتھا بالحد الأدنى أفضل بكثیر من عدم وجود حكومة، إذ لیس ھناك من بدائل عنھا ومن إمكانیة لتشكیل حكومة جدیدة، خصوصا وأن الضغوط التي تُمارس باتجاه إسقاط الحكومة ھي جزء من حملة ضغوط اقتصادیة وأمنیة وسیاسیة جاریة لكسر المعادلة القائمة في البلاد...
وحزب الله، كما تفید مصادره، لن یقبل بحصول ذلك، وبأن تتحقق الخطة الأمیركیة الساعیة الى تبدیل الوقائع اللبنانیة
على الطریقة العراقیة، حیث یبدأ أول الغیث مع حكومة یرأسھا شخص ّ مقرب من واشنطن ولا یكون فیھا حزب الله،
وبعدھا تكّر سبحة التنازلات لتصل الى المسائل الاستراتیجیة (السلاح وترسیم الحدود). لبنان لیس العراق والسیناریو
الذي حدث ھناك لن یتكرر ھنا، ولن تنفع الضغوط في حمل حزب الله على تقدیم تنازلات جدیدة... وإذا كانت حكومة دیاب شكلت خیار أفضل الممكن، فإنھا تشكل الحد الأقصى للتنازل، بعدما ارتضى الحزب الخروج المباشر من الحكومة
وتسمیة وزراء أصدقاء محسوبین علیھ. كما وافق على تولي دیاب رئاسة الحكومة فقط لأنھ لا یشكل إستفزازا له،
ولكنھ لم یكن الخیار المنشود والمفضل...
صحیح أن لحزب الله حسابات داخلیة في مقاربته للملف الحكومي، وأولھا مراعاة موقف الرئیس میشال عون
والأخذ في الإعتبار علاقته المقطوعة مع الحریري، وحیث ما زالت شروط الطرفین على حالھا لجھة ان الحریري لا
یرغب في شراكة جدیدة مع باسیل، فیما عون متمسك بمعادلة "یعود الحریري وباسیل معا الى الحكومة أو یبقیان معا خارجھا"... ولكن الصحیح أیضا أن مقاربة الحزب للملف الحكومي تأتي من ضمن نظرة إقلیمیة شاملة، وتعتبر أن
الأمیركیین أدخلوا الساحة اللبنانیة في صلب الكباش الدائر مع إیران في المنطقة وما عادوا ملتزمین بتحیید لبنان عن
"الحلبة الإقلیمیة" والامیركیون یلعبون آخر أوراقھم عبر الضغط الاقتصادي قبل خلط الأوراق والذھاب الى طاولة
المفاوضات بشروط جدیدة... وفي ظل الوضع الراھن حیث لا مفاوضات ولا تسویة قریبة، لا یبقى أمام لبنان الداخل في
صلب الصراع، الواقف امام حائط مسدود إلا تمریر المرحلة وتقطیع الوقت بأقل الخسائر الممكنة، ریثما تتضح ظروف
المفاوضات والتسویة، وھذا یتطلب أولا التمسك بالحكومة وحمایتھا من السقوط لتلافي الدخول في الفراغ والفوضى
ولإسقاط الرغبة الأمیركیة بتعدیل موازین القوى الداخلیة وترجمتھا سیاسیا وفق النموذج العراقي.