فجأة ظهر إلى السطح ما كان مستوراً، ويقدّم التفسير الوافي لكلّ التحريض والتصعيد والعبث والمقاطعة والشحن والتوتر واللعب بالدولار والنصائح الأميركية، وزارة الطاقة في كيان الاحتلال تعلن إطلاق مناقصة تلزيم بطريقة الـ (BOT)، للبلوك رقم 72 المسمّى مجدّداً ألون دي، والمحاذي للبلوك رقم 9 في المياه اللبنانية، بعدما وقع وزير الطاقة يوفال شتاينيتز أمر فتح المناقصة قبل خمسة أيام، محدّداً المهلة القصوى لتلقي العروض في الخامس من آب، وتفضّ العروض ويعلن الفائز في 23 آب، وتقدم الكفالات في مهلة قصوى في 23 أيلول ليبدأ العمل في 26 تشرين الأول في الموقع، وقالت مصادر نفطية إنّ تفادي وزارة طاقة الكيان ضمّ البلوك 71 الذي يعتبره لبنان جزءاً من البلوك 9 العائد بملكيته للبنان، لا يعني أنّ الأمور بخير، فعندما يكون فريق واحد يعمل في المياه، ولا يوجد من يراقب، لا يمكن الحديث عن فرص حقيقية لتدقيق الحدود، خصوصاً أنّ عرض المسافة المختلف عليها في منطقة البلوك رقم 9 التي يمثلها البلوك 71 في خريطة وزارة الكيان، يتراوح بين مئتي متر وكيلومتر واحد، وهي تمتدّ في عمق من 15 كلم إلى 45 كلم في عمق البحر، ولذلك يصعب التحدث عن أيّ التزام بعدم وضع اليد خلال عملية الاستثمار على الحقوق اللبنانية، هذا عدا أنّ خزانات الغاز التي يجري الحديث عنها هنا متداخلة تحت سطح الماء وهي بكميات وافرة، كما تقول التوقعات، المجمع عليها، ويسهل بالتالي سرقة الخزان اللبناني تحت المياه دون نصب معدات التنقيب في المياه المتنازع عليها، والتي يعتبرها لبنان مياهه الإقليمية.
مصادر متابعة للملف النفطي ربطت بين موعد كلام معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، وموعد توقيع وزير الطاقة في كيان الاحتلال على إطلاق المناقصة، ووضعت نصيحة شينكر للبنان بقبول خط الترسيم الذي اقترحته واشنطن، والذي يعطي كيان الاحتلال نصيباً وافراً من الحقوق اللبنانية، والمعروف بخط فريدريك هوف، في إطار الضغط لفتح باب التفاوض الذي يحتاجه كيان الاحتلال لضمان ترسيم الحدود تسهيلا لاجتذاب الشركات العالمية الكبرى، وربطت المصادر بين هذه الضغوط واللغة التشاؤمية التي أشاعها كلام رئيسة صندوق النقد الدولي حول مصير التفاوض مع الحكومة اللبنانية، خصوصاً أنّ بعض خبراء الصندوق يتحدثون عن الغاز الضامن للسداد، كجزء من عملية التفاوض حول قرض صندوق النقد للبنان، ما يعني وضع أولوية ترسيم حدود الغاز على حساب أولوية دعم لبنان بقروض الصندوق.
على المستوى الحكومي والسياسي، بدأت جولة مشاورات سريعة بين رئيس الحكومة ورئيسي الجمهورية ومجلس النواب لبلورة الموقف المناسب، بينما عكفت دوائر معنية بالملف في قيادة المقاومة على دراسة الوضع والفرضيات التي يحملها، على خلفية الموقف المبدئي الذي تلتزمه المقاومة منذ سنوات وفقاً لكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 15 شباط 2018 « إنّ «المعركة على البلوك رقم 9 هي معركة كل لبنان» محذرا «إسرائيل» من الاقتراب من موارد الطاقة في المياه الإقليمية اللبنانية، وأضاف نصر الله: «نحن تحت الأمر في حال اتخذ مجلس الدفاع الأعلى اللبناني قراراً بأنّ محطات الغاز والنفط الفلانية في البحر الفلسطيني ممنوع أن تعمل أنا أعدكم خلال ساعات قليلة ستتوقف عن العمل»، وقال السيد نصر الله يومها «إنّ المسؤولين اللبنانيين ينبغي ألا يخشوا قوة إسرائيل العسكرية لكن عليهم أن يحذروا المسؤولين الأميركيين من قوة حزب الله». وقال أيضاً «إن الولايات المتحدة ليست وسيطاً نزيهاً وإن المسؤولين اللبنانيين لا يجب أن ينخدعوا بوساطتها»، وأضاف «إذا أتى الأميركي يقول عليكم أن تسمعوا لي لأردّ إسرائيل قولوا له عليك أن تقبل مطالبنا لنردّ حزب الله عن إسرائيل… الثروة النفطية في جنوب لبنان اليوم هي للبنانيين جميعا وملكاً لهم».
وفيما انشغل لبنان الرسمي والشعبي بالملفات المعيشية، لا سيما أزمة الطحين والخبز، خطف قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح الأضواء، وقضى القرار بـ«منع أي وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية تعمل على الأراضي اللبنانية، سواء كانت مرئية أم مسموعة أم مكتوبة أم إلكترونية، من إجراء أي مقابلة مع السفيرة الأميركية أو إجراء أي حديث معها لمدة سنة».
وفي وقت أفيد بأنّ التفتيش القضائي سيستدعي القاضي مازح لاستجوابه حول قراره، أعلن مازح أنه سيقدم استقالته من منصبه، في حال تمّ استدعاؤه. وقال: «لن أقبل بالمثول أمام هيئة التفتيش القضائي»، مشيراً الى أنّ «بيان الاستقالة جاهز وسأعلنه فور إبلاغي بالمثول أمام هيئة التفتيش القضائي». إلا أنّ مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات نفى ذلك، موضحاً أنّ الأمر سيُبحث في مجلس القضاء الأعلى لاتخاذ الموقف المناسب.
وأشار القاضي مازح لـ»البناء» إلى أنّ القضية اتخذت أبعاداً أكثر مما تحتمل وأكثر من الهدف المرجو منها. ونفى مازح ما تمّ تداوله عن تسلُّمه كتاباً من التفتيش القضائي لاستدعائه بسبب قراره، وشدّد على أنّ «القرار قانوني ولا يشوبه أي خطأ»، وقال: «إنني لستُ ضدّ السفيرة الأميركية ولا ضدّ الشعب الأميركي، بل إنّ الموضوع قضائي بحت ولم أمنع السفيرة الأميركية من التصريح ولا يحقّ لي ذلك في القانون، بل منعت وسائل الاعلام من نقل أي مقابلة لها يمكن أن تؤدي إلى وقوع فتنة»، مضيفاً: «يحق لقاضي الأمور المستعجلة اتخاذ قرار أو تدبير درءاً للفتنة». وأوضح القاضي مازح أنّ «هذا القرار هو تدبير مؤقت وإذا توقّفت السفيرة الأميركية عن التصريح والتدخل في الشؤون اللبنانية، من الممكن الرجوع عن القرار». وقال: «لو أنّ أي سفير من طرف آخر أساء إلى السلم الأهلي سأتخذ القرار نفسه من منطلق وطني وقانوني».
وجاء قرار القاضي مازح بعد سلسلة من التصريحات الاستفزازية للسفيرة الأميركية التي شكلت تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية اللبنانية وخرقاً للسيادة. في حين أجرى مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي اتصالاً بالسفيرة الأميركية موضحاً لها أنّ القرار الصادر عن القاضي مازح قضائي وليس بإيعاز سياسي رسمي. وخلال الاتصال، أبلغ جريصاتي السفيرة الأميركية أنّ لبنان ملتزم معاهدة فيينا لسنة ١٩٦١ التي ترعى التبادل الدبلوماسي بين الدول، وأنّ أي قرار رسمي يُبلغ لأي سفير عبر وزير الخارجية والمغتربين، حسب الأصول الدبلوماسية المرعية في العلاقات بين الدول.
ولم تنفِ مصادر بعبدا أو تؤكد اتصال الوزير جريصاتي بشيا، مشيرة لـ»البناء» إلى أنه وإن حصل اتصال من الوزير جريصاتي والسفيرة الأميركية فيوضع في خانة التوضيح لها في موضوع قرار القاضي وليس من باب الاعتذار، لكن لم يصدر أي موقف رسمي من القصر الجمهوري حول هذا الأمر. ولفتت المصادر إلى أنّ «استيضاح السفيرة الأميركية من صلاحية وزارة الخارجية ضمن الأصول الدبلوماسية بين الدول، لكن هذا لا يمنع أن تكون هناك مبادرة من قصر بعبدا».
وفيما نفت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد أن تكون الحكومة قد اعتذرت من شيا وذلك بعد اتصالها برئيس الحكومة حسان دياب، كانت لافتة كثافة التصريحات الإعلامية للسفيرة الأميركية في لبنان بعد القرار القضائي بحقها، ما فُسِّر على أنه تحدٍّ للقضاء وللدولة اللبنانية. واعتبرت شيا في حديث تلفزيوني، أنّ وزيرة الإعلام لا تملك معلومات والسفارة ستدعو الحكومة لتتحدث عن نفسها»، مؤكدة أنها «تلقت اتصالاً هاتفياً من مسؤول رفيع المستوى في الحكومة اللبنانية، وقدم اعتذاراً عن الحكم غير الملائم، وأكدت أنّ الحكومة ستتخذ الخطوات المناسبة لإبطاله».
وقالت شيا: «عندما ذكرت في إحدى المقابلات التلفزيونية أنّ كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله تهديد غير لائق وهجومي ربما شعر الحزب أنه مهدّد لأنني سلطت الضوء على أفعاله التي أثّرت على لبنان».
وفي حين أعلنت وزارة الخارجية أنها ستسدعي شيا اليوم إلى وزارة الخارجية لاستيضاحها حول القضية، دعت مصادر نيابية وزير الخارجية إلى إبلاغ شيا رسالة إنذار لكي لا تكرّر تصريحاتها المستفزة بحقّ الشعب اللبناني وتدخلها الدائم في الشؤون اللبنانية». وأيّدت المصادر القرار القضائي، ولفتت لـ»البناء» إلى «أنّ السفراء لديهم حرية الحركة والتنقل في البلد المضيف لكن ضمن ضوابط حدود السيادة». وأوضحت «أنّ هذا التدخل الأميركي يثير نعرات طائفية وسياسية وتحريض فئات من الشعب على أخرى، ويشجع على أعمال العنف من خلال تحميل فريق لبناني سياسي مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلد».
واعتبرت المصادر عينها أنّ «قرار القاضي مازح لم يتجاوز حدوده، ولم يوجه إلى السفيرة الأميركية، بل هو محصور بالموضوع الإعلامي، لكي لا يكون الإعلام أداة للفتنة». وسألت المصادر «الذين يتحدثون عن استقلالية القضاء وهم يقاربون الموضوع في ظل المعايير المزدوجة».
وكان لافتاً تنطُّح الأدوات الأميركية في لبنان للدفاع عن شيا والهجوم على القرار القضائي، ما يفضح خضوع هؤلاء للإملاءات الأميركية، فيما يدّعون السيادة والاستقلال ليلاً نهاراً. كما برز موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي في الدفاع عن السفيرة الأميركية وانتقاد القرار القضائي، في حين لم ينطق ببنت شفة حيال خرق السفيرة السيادة اللبنانية!.
وعلى وقع التصعيد الأميركي الداخلي، برز الحديث عن محاولة اغتيال للرئيس سعد الحريري في البقاع، بحسب ما كشفت قناة «العربية» السعودية، حيث أشارت إلى انفجار وقع لدى مرور موكب الحريري في منطقة في البقاع الغربي الأسبوع الماضي خلال زيارته مفتي البقاع، وذكرت أنّ المعلومات الأولية كانت تشير إلى أنّ الأمر ناجم عن انفجار خزان وقود لطائرة مسيّرة كانت تحلق على مسافة من الموكب.
وذكرت المعلومات أنّ التحقيقات مستمرة منذ 10 أيام وأنّ نتائج حاسمة قد تعلن اليوم لجهة ما إذا كان الأمر خزان وقود للطائرة المسيّرة أم صاروخ، وما إذا كان هناك فعلا استهدافٌ لموكب الحريري.
وكشفت معلومات أخرى، أنّ شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، لم تتسلّم أي معطيات حول حادث أمني تعرض له موكب الحريري في البقاع، وقلّلت مصادر أمنية من شأن هذه المعلومات واستبعدت أن تكون هناك محاولة اغتيال للحريري، متسائلة: لماذا انتظروا عشرة أيام لإعلان الخبر؟ ودعت مخابرات الجيش إلى توضيح ما تملكه من معلومات حول الأمر. إنّ ما يثير التساؤلات هو توقيت إثارة هذا الحدث الأمني الدقيق والحساس مع تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفجُّر الأزمات، إضافة إلى تزامنها مع الخناق الأميركي على لبنان. فهل في إثارة محاولة اغتيال الحريري اليوم وفي منطقة البقاع تلميح إلى دور ما لحزب الله، وبالتالي تحريض شارع الحريري مذهبياً تمهيداً لفتنة ما؟
من ناحيته، أشار الحريري على «تويتر»: إلى أنّ «المعلومات التي وردت في التقرير صحيحة إجمالاً، إلا أنه ومنعاً للتأويل الجاري، خصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي، يهمّ المكتب الإعلامي أن يوضح ما يلي: «لقد تبلغ الرئيس الحريري من الأجهزة الأمنية المعنية بحصول انفجار في المنطقة في اليوم نفسه، إلا أنه بما أنّ الموكب لم يتعرض لأي اعتداء، ومنعاً لأي استغلال في ظلّ التشنج السائد، كان قراره التكتم على الأمر وانتظار نتائج تحقيقات الأجهزة الأمنية المختصة».
وأوضحت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان أنه «بتاريخ 17 الجاري، وتزامناً مع تواجد دولة الرئيس سعد الحريري في منطقة البقاع الأوسط، شاهد أحد المواطنين انفجار جسم غريب في الجو وسقوطه على الأرض فعمد إلى الإبلاغ عن ذلك.
وبناء عليه، تمّ اتخاذ الإجراءات العملانية المباشرة، بحيث بدأت شعبة المعلومات التحقيقات بإشراف القضاء المختص وبسرية تامة حرصاً على عدم استغلال الحادث بسبب الأوضاع السائدة في البلاد، كونه قد تبين أنّ موكب دولة الرئيس سعد الحريري لم يتعرض لأي حادث مباشر أثناء تواجده في المنطقة التي كان يقوم بزيارتها».
وأضاف البيان: «منذ تاريخ حصول الحادث لا تزال التحقيقات مستمرة وبسرية تامة توصلاً لبيان جميع المعطيات المحيطة بما جرى في المنطقة في ذلك الحين».
في هذا السياق، رأت مصادر سياسية لـ «البناء» أنه «في حال استمر الضغط والحصار على لبنان وبدأت مفاعيل قانون قيصر على لبنان واصطدمت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في حائط مسدود لن يبقى أمام لبنان سوى التوجه إلى سورية ودول الشرق».
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه لـ»البناء» تخوفه «من فتنة اجتماعية واقتصادية قريبة ولأجل ذلك دعم الحوار الوطني في بعبدا، ثم دعا لإعلان حالة طوارئ مالية». ولفت زوّار الرئيس بري إلى أنه «دائماً طليعي في تقديم المبادرات بهدف تعزيز الوحدة الوطنية، ويتابع اتصالاته لهذا الهدف». ولفت بري، بحسب الزوار، إلى أنّ قرارات الحكومة «جيدة لكنها لم تدرك بعد مستوى الأزمة بل تحتاج إلى تنفيذ ومتابعة القرارات التي تتخذها، لا سيما موضوع الدولار والسلع الغذائية».
ورأت المصادر أنّ تصريح رئيس صندوق النقد هو بمثابة نعي للمفاوضات، وفيه مزيد من الضغط وربط الملفات بحملة شروط سيادية.
ويعقد مجلس الوزراء بعد ظهر غدٍ جلسة في بعبدا لاستكمال بحث الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية ونتائج المفاوضات مع صندوق النقد.
ويأتي تصعيد صندوق النقد بالتزامن مع تطور خطير في موضوع الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، من خلال مصادقة حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» على التنقيب عن الغاز في «ألون دي» وهو البلوك 72 السابق، الأمر الذي من شأنه أن يشعل النزاع مع لبنان، وفق ما ذكر موقع «إسرائيل ديفنس» الصهيوني.