مع انقضاء كل يوم تنجح الحكومة في تأكيد أنها حكومة اللاعمل. بل للأسف حكومة استمرار النزف، واستفحال العجز. ومع الوقت الذي كان يفترض بمروره أن تحقق الحكومة شيئاً ولو يسيراً مما وعد به رئيسها حين تشكيلها، أمعنت في مفاقمة أعباء الناس، الذين يحركهم الجوع وتآكل مداخيلهم وخوفهم على المصير، وأنهكت البلد وأوصلته إلى قعر الانهيار والإفلاس، وفشلت حتى اللحظة في تحقيق أي إصلاح فعلي، ولو بالحد الأدنى، يفتح كوة في جدار المعضلة المستفحلة، بدل تقاذف المسؤوليات.
وإزاء تقاعس الحكومة، التي رغم اجتماعها أمس على مرحلتين خرجت بعدهما بعناوين ووعود جديدة لوقف غلاء سعر صرف الدولار، كانت شوارع المدن والمناطق اللبنانية على موعد جديد مع قطع الطرقات والاحتجاجات الشعبية المختلفة. والخشية من ان تلقى الدولارات التي سيتم ضخها مصير ما سبقها من تهريب الى خارج البلاد.
وإذا كانت الحكومة قد أعلنت أنها طلبت من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ضخ دولار في السوق لخفض سعر الصرف، فإن المعضلة ليست في ضخ المزيد من العملة الخضراء، بل في تهريبها المتواصل من السوق اللبنانية الى خارج الحدود، شأنها بذلك شأن مختلف عمليات تهريب المواد المدعومة من مصرف لبنان الى سوريا، والتي تشكل النزف الأكبر في الإعتمادات المتوفرة من الدولار الأميركي.
الكاتب والمحلل الإقتصادي انطوان فرح أوضح لـ “الأنباء” أن ضخ الدولارات لدى الصيارفة هو لمنع ارتفاع سعر الصرف”، ولفت إلى أن الزيارة كانت مقررة “قبل ارتفاع النقمة الشعبية وقبل قرار مجلس الوزراء تثبيت سعر الصرف على 3200 ليرة. وفي أثناء ذلك كان المصرف المركزي قد حذر من تهريب الدولارات الى الخارج، لكن بعد صدور قانون قيصر إزداد الطلب على الدولار من قبل السوريين، وهو ما سرّع في ارتفاع صرفه”.
وإذ أبدى فرح اعتقاده ان “الضغط الشعبي أدى الى ضغط سياسي على الحاكم لضخ الدولار فوراً، وعلى ما يبدو فإنه غير مقتنع بهذه الفكرة”. وعن المبلغ المقرر ضخّه أسبوعيًا كشف فرح بحسب معلومات جمعية المصارف أن الأمر يتطلب ضخ 30 مليون دولار في الأسبوع، وهذا الرقم برأي الخبير فرح “مقبول شرط ضبط تهريبه الى خارج الحدود، وفي حال حدوث اي تجاوز يصبح هناك خوف من تحويله الى سوريا أو غيرها ما قد يؤدي الى نفاذ الإحتياط، وبدل أن يستخدم التحويلات من الخارج سيذهب الى اموال المودعين وبهذه العملية لا أحد يضمن تراجع سعر الصرف وفي نهاية المطاف فإن الضغط السياسي لا يشكل السقف المطلوب”.
وحول ما جرى لسلامه والحديث عن إقالته، إعتبر فرح أن هناك أطرافا سياسية كانت تستفيد من الوضع القائم، وأن التيار الوطني الحر وحزب الله ليسوا مرتاحين لوجود سلامه ويعتقدون أن الوقت مناسب للتخلص منه، لكن في اللحظة الأخيرة يبدو ان الحزب قرر عدم الذهاب الى المواجهة في هذا الوقت لاعتبارات عديدة وكذلك البطريرك الراعي والرئيس بري لا يريدان أن يكون سلامه كبش فداء لأن لا أحد منهما يريد ان يذهب البلد الى الفوضى ولذلك تقرر إبقاءه في منصبه، وعلى هذا الأساس وافق كل من الرئيسين عون ودياب وقد رأينا سلامه يقف الى جانبهما في القصر الجمهوري. ورأى فرح أن حاكم البنك المركزي ليس لديه مشكلة والتعاميم التي يصدرها تشير الى أن الوضع غير طبيعي.
القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش رأى أن “لا أحد يجرؤ على إقالة رياض سلامه”.
عضو تكتل الجمهورية القوية النائب وهبه قاطيشا عزا من جهته المطالبة بإقالة رياض سلامه الى “فشل الحكومة والطبقة الحاكمة بإدارة البلاد المالية، وكانوا يبحثون عن كبش فداء”. وقال لـ “الأنباء” ساعة يتهمون المصارف بسوء الأداء، وساعة البنك المركزي من أجل تمرير السياسة المالية التي يريدون”، جازما بأن سلامة لن يقوم بضخ الدولارات كما وعد لأنها ستذهب الى سورية.
ورأى قاطيشا أن هناك ارادة “دولية كبيرة تعتبر سلامه صمام أمان، وأن إقالة شخص مثله لا يتم بهذه الطرقة وما جرى كان عملية ابتزاز لا أكثر ولا أقل”.
مصادر عين التينة أكدت لـ “الأنباء” أنه “بعد الهرج والمرج وكل الشائعات من هنا وهناك أتى تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري في الوقت المناسب لحسم الأمور لصالح التهدئة وعدم دخول البلد في المجهول، خاصة في ما خص الجدل القائم بموضوع إقالة حاكم المصرف المركزي، لأن الوقت هو لمعالجة الأزمة وليس لخلق أزمات جديدة، وكما قال الرئيس بري البلد اليوم بحاجة للجميع”.
وأشارت المصادر الى انه “لا يجوز تحميل الأزمة لشخص معين في وقت الكل مسؤول بشكل أو بآخر، ولذلك كان يجب التصرف بحكمة وهذا ما فعله الرئيس بري على أمل أن تصدق الوعود وتعطي الثمار المرجوة”.
المصادر دعت الى الأخذ بنصيحة الرئيس بري والذهاب الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بورقة موحدة، والبدء أولا بورشة الإصلاح وخاصة في قطاع الكهرباء، فقد آن الأوان لإصلاح هذا القطاع وفي القضاء وفي الإدارة لكي نثبت للمجتمع الدولي أننا شعب قابل للحياة.