الملابسات التي رافقت بتعجيل جلسة مجلس الوزراء أمس، أظهرت هشاشة الحالة السياسية التي يمر بها لبنان، وصغرت في عيون اللبنانيين المشدوهين، حيال ما يجري على مستوى سلطتهم من تقاسم للمناصب وتحاصص لشاغليها، بصرف النظر عن مبدأ الموظف المناسب في المكان المناسب، وسط إصرار المسؤولين على التصرف كوكلاء تفليسة برسم التصفية لا كرجال دولة ومسؤولين مغلفين مصالحهم الذاتية والفئوية، بالغشاء الطائفي أو المذهبي المبرر للفساد.
المضحك المبكي، أن يصادف عيد مولد المعالج الفيزيائي محمد أبوحيدر، موعد الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء، ما زاد بعمره للوظيفة المطروحة له، وهي المديرية العامة لوزارة الاقتصاد والتجارة يوما واحدا، وبما انه ليس من اليسير تصغير عمره في قيود الأحوال الشخصية، استطاع وهذه تحسب له لا عليه، ان يقنع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ومعهما 18 وزيرا من أصل عشرين، تبعا لمقاطعة وزيري المرده للجلسة، الى تعديل موعد جلسة مجلس الوزراء برمته! فيما البلد غارق في العتمة، واقع في عين الجوع، في ظل حكومة تسعى «للإنقاذ» من خلال سياسة الفضاء على الدين العام، من خلال القضاء على الدائنين.
وأكثر من ذلك، ان مرسوم تعيين أبوحيدر المدرج ضمن حصة رئيس السلطة التشريعية نبيه بري، يتطلب اقراره حوالي 15 يوما، بسبب إلزامية مروره على مجلس الخدمة المدنية، بحيث جرى التلاعب بتاريخه ليسجل في اليوم الذي صدر فيه.
مقابل هذه الحصة الدسمة للرئيس بري يحصل التيار الوطني، ورئيس الجمهورية على حصة موازية وربما اكثر في التعيينات، متفردا بـ «الوظائف» المخصصة للمسيحيين، خصوصا بعد إعلان سليمان فرنجيه انسحاب وزيري المرده من جلسة التعيينات، «على الرغم من عرضهم حصة لنا».
بدورها حركة «أمل»، أصدرت بيانا ردت فيه علاقتها بالشخص (لم تسم ابو حيدر) بتقريب موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء، مشيرة الى أن هذا الأمر حصرا بيد رئيس الحكومة، وبالتنسيق مع رئيس الجمهورية، وان «أمل» لم تتدخل مع أحد ولم تطلب من أحد «وأكثر من ذلك، فقد تخطت حكومة الرئيس حسان دياب القانون الذي أقره مجلس النواب والذي ينظم آلية تعيينات الفئة الاولى، وأصرت على تجاوز هذا القانون بحجة انه لم ينشر بعد في الجريدة الرسمية، علما انه لم ينشر لأن الرئيس عون لم يوقعه، وبالتالي لم يرسله للنشر، لأنه يمنع المحاصصة السياسية للوظائف، العليا، حتى ان الوزير السابق جبران باسيل اعلن عزمه الطعن بهذا القانون أمام مجلس شورى الدولة في حال نشره، بداعي انه يكبل يدي الوزير ويقيد حريته في اختيار موظفي وزارته، وكأنه، أي باسيل، يريد الوزير في وزارته كـ «يوليوس قيصر».
وبالفعل تم تجاوز هذا القانون، قبل ان يجف حبره، برضى أطراف المحاصصة، بمن فيهم النواب الذين صوتوا عليه، ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي حمل القانون توقيعه. وتم تمرير سكة التعيينات المحاصصية، وعلى عينك يا تاجر! أما رئيس الحكومة دياب الذي رفض التعيينات عينها في نيسان/ ابريل الماضي، فقرر المسير بها أمس، وان ينضم الى نادي المحاصصين، بتعيين زوجته السيدة نوارة مولوي دياب، رئيسة لجنة تربوية شكلها لها وزير التربية طارق المجذوب.
وضمن سلة التعيينات، محافظ لمحافظة كسروان وجبيل «المستحدثة»، وتقول مصادر وزارية إن جدول أعمال الجلسة لم يلحظ مثل هذا التعيين، لكن رئيس الجمهورية يستطيع طرحه من خارج الجدول. والمطروح تعيين السيدة بولين ديب كأول محافظة لهذه المحافظة، لكن ذلك يشكل انتهاكا لقانون المحاسبة العمومية، وبالتالي يكون التعيين باطلا، في غياب وجود هذه الوظيفة في الملاك، كون المراسيم التطبيقية لقانون إنشاء هذه المحافظة لم تصدر، وبالتالي ليس لها اعتمادات مالية في موازنة 2020، يضاف الى كل ذلك ان هذا التعيين يخل بالمناصفة المتفاهم عليها بين كبار الموظفين، بحيث يصبح هناك 5 محافظين مسيحيين مقابل 4 مسلمين.
وتتجه قضية التشكيلات القضائية، التي رفض رئيس الجمهورية توقيعها، رغم حصولها على تواقيع رئيس الحكومة حسان دياب ووزيرتي العدل والدفاع ماري كلود نجم وزينة عكر، ما جعل رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود يلوح بالاستقالة، لكن القضاة والمحامين طلبوا منه المقاومة والصمود.
مصادر بيروتية متابعة قالت ان التشكيلات القضائية التي ردها الرئيس عون رغم توقيعها من قبل رئيس الحكومة ووزيرة العدل والتعيينات «الخنفشارية» التي جرت أو ستجري لاحقا، وفوقها تراخيص المصارف الجديدة التي ينوون إصدارها فيما البلد بحالة إفلاس، فضلا عن التسليم بضياع حقوق السنة في الإدارة الحكومية، كلها عوامل ستعجل في أجل حسان دياب وحكومته.
وقالت المصادر لـ «الأنباء» إن جبران باسيل رفض تعيين محافظ جبل لبنان محمد مكاوي، محافظا بالوكالة لبيروت، بعد إنهاء خدمات المحافظ السابق زياد شبيب، لأنه موقع مسيحي، في حين يصر الآن على اقتطاع قضائي جبيل وكسروان من محافظة جبل لبنان، حتى من دون مراسيم تنظيمية لهذه المحافظة المستحدثة، فيما رئيس الحكومة ومعه وزير الداخلية محمد فهمي، لا يحركان ساكنا.