هل كان المَشهد المُخيف الذي امتدّت فصولُه الساخنة من قلب بيروت إلى أطرافها وتَرَدَّدَ هديرُه بقاعاً وشمالاً وساحلاً «زوبعةً في فنجان»، أم أن «السبت الأسود» حَمَلَ رياحاً سبّاقة لعاصفةٍ آتية، قد تكون محدّدةَ الهدفِ ولكنها بالتأكيد لن تكون معروفة النتائج ولا… النهايات؟
سؤالٌ كبير حَضَرَ أمس في لبنان، غداة يوم الأعصاب المشدودة الذي حوّل البلاد «برميل بارود» بفتائل عدة اشتعل بعضها بـ«عود ثقاب» طائفي وبعضُها الآخَر بـ«نار» مذْهبية، وكل ذلك على خلفياتٍ سياسيةٍ غير خفيّة نجحتْ في «استثمار» الانهيار المالي – الاقتصادي والبؤس الاجتماعي – المعيشي لتوجيه رسائل بالشارع وإليه كما إلى الداخل والخارج الذي يعاين عن كثب الواقع اللبناني بأزماته المحلية التي تتداخل في جوانب كثيرة منها مع التطاحن في المنطقة.
ومن خلف غبار إحياء خط التماس الطائفي (المسيحي – المُسْلِم) الذي ارتبط بالشرارة الأولى للحرب الأهلية (العام 1975) أي عين الرمانة – الشياح، وإخراج جمْر التوتّر السني – الشيعي إلى فوق الرماد على محور طريق الجديدة – بربور في كورنيش المزرعة، برزتْ مخاوف كبرى من أن يكون لبنان أمام «وليمة نار»، مكوّناتها انكشافٌ كامل على الصراع الإقليمي وعلى دخول المواجهة الأميركية مع إيران و«حزب الله» وحلفائها مرحلة مفصلية عبر «قانون قيصر»، وسقوطُ الهيكل المالي – الاقتصادي، وانفجارٌ اجتماعي يلوح في الأفق ويجِد في «ثورة 17 اكتوبر» التي حاولت تجديد نفسها يوم السبت، فسحةً لرفْع صوتِ الوجع بإزاء الجوع الزاحف والتقاط «قشة» أملٍ بإمكان إحداث تغيير في الطبقة السياسية وآليات الحُكم وضرْب منظومة نهش الدولة ومواردها.
وفي حين ستكون الساعات المقبلة مفصلية على صعيد تَكَشُّف الخيط الأبيض من الأسود في خفايا «السبت الساخن» إلى جانب كيفية تلقُّف الانتفاضة هذه «الصدمة» وإذا كانت ستفرمل اندفاعتها وفق أدبياتها التي كانت انطلقت على أساسها (حكومة اختصاصيين مستقلين وقانون انتخاب جديد وانتخابات مبكرة وقضاء مستقل وغيرها)، فإنّ يوم أمس شهد مجموعة مواقف عكستْ حراجة «القطوع» الذي مرّ به لبنان.
فرئيس الجمهورية ميشال عون دان «أي تعرض للرموز الدينية لأي مكوّن من مكوّنات العائلة اللبنانية وما تبع ذلك من أعمال عنف وردود فعل حصلت في مناطق عدة، وكانت سبقتها اعتداءات على متاجر ومؤسسات وعلى القوى العسكرية والأمنية التي كانت تقوم بواجبها»، متوجهاً «إلى ضمير كل مسؤول سياسي أو روحي، والى الحكماء من اللبنانيين الذين عايشوا أحداث العامين 1975-1976 التي ما زالت ماثلة امامنا، القيام بما يتوجب عليهم من أجل وأد أي شكل من أشكال الفتنة، وليكن ما جرى جرس إنذار للجميع».
وفيما قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي «إنها الفتنة مجدداً تطلّ برأسها، والتطاول أو الإساءة للمقدسات والرموز والحرمات الاسلامية والمسيحية مدان ومستنكر فكيف إذا طالت زوجة نبي الرحمة ومتمم مكارم الاخلاق الرسول الاكرم محمد (ص) السيدة عائشة (رض)»، كان لافتاً تأكيد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أن «نظامنا الحالي يولّد الأزمات وتطويره واجب وتبقى الدولة المدنية هي الخلاص».
وأعلنت قيادة الجيش «أنه بتاريخ السبت، وأثناء قيام وحدات الجيش بتنفيذ مهامها وفتح الطرق التي قطعها محتجون، ومنْع التعدي على الأملاك العامة والخاصة، تعرّض العناصر إلى رشق بالحجارة والمفرقعات الكبيرة ما أدى إلى إصابة 25 عنصراً بجروح، إصابة أحدهم بليغة في العين»، كاشفة عن توقيف «أربعة أشخاص (سوري وفلسطيني وسودانيين) لقيامهم بأعمال شغب وتكسير خلال تحركات السبت»، ومعتبرة «أن البلاد اجتازت قطوعاً كان من شأنه أن يجرنا إلى منزلق خطير، إذ ان ما حصل كاد يطيح بالوحدة الوطنية ويمزّق السلم الأهلي»، ومنبّهة إلى أنها» لن تتهاون مع أي مخلٍ بالأمن أو عابث بالاستقرار».