فيما بدأت مسيرة تشييع شهيد الانتفاضة الأميركية جورج فلويد، عبر مدن الانتفاضة، والتي ستستمر لمدة أسبوع، وبدأ الخطاب السياسي الأميركي يتحرك على إيقاع التسليم بأزمة وطنيّة كبرى، مرّر الرئيس دونالد ترامب إشارة لافتة عن فرضية تفاهم أميركي إيراني، في تعليقه على تبادل السجناء بين طهران وواشنطن، بينما لم ينف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف هذه الفرضية، ملقياً مسؤولية تخريب الاتفاق النووي على مرؤوسي ترامب، الذين تمّت إقالة معظمهم، قائلاً للرئيس ترامب، الأمر متروك لك لتقرّر ما يجب إصلاحه.
مصادر دبلوماسية لم تستبعد أن يكون الباب المغلق الذي يواجهه ترامب في الداخل الأميركي، والوقع المحدود لعملية تبادل السجناء التي كان يراهن عليها كعامل تقليدي يحسّن صورة الرئيس عشية طلب تجديد ولايته، سبباً للتفكير بأكثر من الصورة التذكارية مع سجين عائد إلى البلاد، خصوصاً انّ سقوط الرهان على استعمال الجيش في الداخل أسقط معه فرضية استعماله في الخارج، وبالتالي فرص حماقات قد تشعل حروباً مع إيران أو مع فنزويلا، في ظلّ معلومات عن توسّط أميركي مع روسيا للسعي لعدم تعرّض القوات الأميركية في شرق سورية لعمليات مقاومة رداً على دخول قانون قيصر للعقوبات على سورية موضع التنفيذ. وقالت المصادر إنّ جبل الانهيارات يتراكم مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي، في ظلّ أسوأ ما يمكن أن يواجهه مرشح رئاسي أو رئيس ساعٍ لتجديد ولايته، داخلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً، ما يجعل الحديث عن المعلومات حول سعي أميركي لوساطة روسية تعرض تجميد أي خطوات تصعيدية بوجه سورية، متزامناً مع الإشارات لفرضية فتح ملف التفاوض عبر طرف ثالث مع إيران، تعبيراً عن الاعتراف بالمأزق حيث صار الإنجاز السياسي وصفة أحادية لعودة ترامب إلى البيت الأبيض.
بالتوازي أميركا التي تهتزّ صورتها في الداخل الأميركي وعبر العالم وتفقد بريق تأثيرها، لا تزال تبدو بعيون أتباعها اللبنانيين خشبة خلاص ومرجعاً لتقديم المزيد من أوراق الاعتماد، لأدوار لن يتسنى لإدارة الرئيس ترامب أن تلعبها إلا في أحلام وأوهام ومراهنات بعض المراهقات اللبنانية المحفوفة بالمخاطر، حيث ينتظر لبنان اليوم مغامرة كتائبية جديدة، اختارت ذكرى الاجتياح الذي تعرّض له لبنان عام 82، وما رافقها من أوهام وأحلام ومراهنات كتائبية مشابهة، للتسلل تحت شعار الدفاع عن حقوق الناس التي خرجت في 17 تشرين الأوّل الماضي تنتفض ضدّ الفساد والسياسات المالية التي أدّت إلى انهيار الاقتصاد، لتنظيم تظاهرة تقودها دعوة حزب الكتائب وعدد من مجموعات تحمل لواء الحراك الشعبي، تحت عنوان يجمع بين الدعوة لسحب سلاح المقاومة وتطبيق القرار 1559، وبين الدعوة للانتخابات النيابية المبكرة، بذريعة ما يسمّونه “تجديد الثورة”، والدعوة الكتائبية ووجهت بإعلانات تبرّؤ ورفض للمشاركة من جماعات مؤسسة في حراك 17 تشرين الأول، وانسحابات لمجموعات كانت تنوي المشاركة، قبل انفضاح أغراض وشعارات التظاهرة، فيما خرجت جماعات الحراك في صيدا وطرابلس اعتراضاً على الدعوة وشعاراتها، وقالت بعض المجموعات المشاركة في الحراك إن لديها معلومات عن خطة لدى منظمي التظاهرة بالسعي لتثبيت سيطرتهم على ساحتي الشهداء ورياض الصلح، ونصب خيم فيهما، والحفاظ على وضع اليد بعد نهاية موعد التظاهر عبر إبقاء عشرات المشاركين في الخيم، لحرمان مجموعات الحراك الأخرى من التمركز في الساحات ورد الاعتبار لجماعات السفارة الأميركية التي سبق وتم طردها من الساحات وتم تفكيك خيمها.
الحزب السوري القومي الاجتماعي دعا كل الوطنيين لمقاطعة تظاهرة اليوم وفضح أهدافها، كمحاولة لسرقة وجع الناس ومطالبهم المشروعة، لرفع شعارات مشبوهة، مجدداً التمسك بثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، مندداً بالتوازي بقانون قيصر للعقوبات ضد سورية، داعياً الحكومة إلى إعلان رفضها الواضح للعقوبات الجديدة على سورية والانحياز لخيار السوق المشرقيّة كمدخل لمواجهة الأزمات الاقتصادية.
وكانت التحركات بدأت في بعض المناطق قبل موعدها المقرّر بعد ظهر اليوم، إلا أن الشارع المؤيد للمقاومة في ساحات التظاهر وعلى امتداد الوطن استبق تحرك المجموعات المشبوهة وأكد دعمه للمقاومة ولسلاحها ورفض أي دعوات وتظاهرات تحت عناوين تسيء للمقاومة. وقد رفضت كل من صيدا وطرابلس أي تظاهرات تنال من المقاومة.
وقال عضو كتلة التنمية والتحرير الدكتور قاسم هاشم لـ”البناء”: “اذا كان يدري بعض من يرفع شعار نزع سلاح المقاومة انه يختار تاريخ السادس من حزيران وما يعنيه في الذاكرة بأنه يوم بدء اجتياح العدو الإسرائيلي لأرض وطننا لفرض إرادته وسطوته ويستمرّ في طرحه وبإصرار، فهذا تأكيد على الدور المشبوه لمثل هذه الدعوات وأصحابها ولن تنفع سياسة التلطي وراء قضايا الناس الحياتية”، مضيفاً: “ولو لم يكن هذا السلاح المقاوم الذي واجه الاحتلال منذ اللحظة الأولى لعدوانه ما بقي لبنان ولا سيادة ولا مؤسسات ولن تنفع تظاهرات ولا مسيرات والأفضل في هذه الظروف أن يفتش البعض عن سبل خلاص الوطن وإنقاذه من الوضع الاقتصادي والمالي السيئ وليتركوا القضايا المصيرية في عهدة من عاهدوا الوطن في السر لا العلن ان يبقى السلاح قوة الردع لعدو طامع في وطننا ومحتل أرضنا”.
وبحسب ما علمت “البناء” فـ”ليس لحزب الله مخاوف أمنية جديّة من تطور التظاهرات في الساحات الى أحداث أمنية، رغم رفع بعض المجموعات شعارات استفزازية كالمطالبة بنزع سلاح المقاومة، فالقوى الأمنية من جيش ومخابرات وقوى أمن داخلي ومعلومات ستعمل تحت إشراف وزارتي الداخلية والدفاع على ضبط الوضع الأمني بحزم وحكمة، وفقاً للضوابط والشروط التي رسمها مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع في جلستيهما الخميس الماضي. لكن المؤشر الخطير بحسب المصادر هو محاولات بعض الجهات الخارجيّة لخلق بيئة اجتماعية شعبية داخلية تطالب بتسليم سلاح المقاومة وترافق ذلك مع إعلان قانون العقوبات الجديد قيصر وطلب تعديل القرار 1701 في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يشهدها لبنان، وأشارت المصادر الى أن لا إمكانية لأي قوة سياسيّة نزع سلاح المقاومة لذلك يجري تظهير إرادة شعبية تتولى ذلك وتطرح مسألة السلاح بشكل علني من جانب اجتماعي اقتصادي كتحميل السلاح مسؤولية كل الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة لتشكل مادة تتكئ عليها جهات دولية تسعى لتعديل قواعد عمل اليونيفل في الجنوب وتقييد سلاح ودور حزب الله في سورية والمنطقة”.
وعن قانون قيصر تشير المصادر الى إرباك حكومي في التعامل مع القانون، علماً ان مصادر وزارية أكدت لـ”البناء” أن قانون قيصر لن يؤثر على الحكومة وهي تجري دراسة للقانون من باب كيفية التعامل ومعه ومواجهة تداعياته.
وبحسب المصادر، فإن مجلس الوزراء وفي جلسته الأخيرة شكل لجنة وازرية للبحث في تفاصيل قانون “قيصر” وتأثيراته على لبنان، وتضم كلاً من: رئيس الحكومة حسان دياب ونائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عدرا، ووزراء الخارجية ناصيف حتّي والمال غازي وزني والاقتصاد والتجارة راوول نعمة والداخلية محمد فهمي، وآخرين معنيين. وستجتمع اللجنة يوم الاثنين المقبل في السراي الحكومي.
وأكد مصدر دبلوماسي رفيع أن “لبنان لم يتبلغ رسمياً بقانون “قيصر”، لكنه اطلع على جوانبه لكون القانون لا يعنيه مباشرة بل يتعلق بسورية”.
وأشارت أوساط مطلعة لـ”البناء” الى أن “القانون سيعيق الانفتاح على سورية ويعرقل اي توجه حكومي لزيارة سورية وعقد اتفاقات اقتصادية وتجارية معها”. ولفتت الى أنه “في حال استمر الضغط الأميركي عبر هذا القانون وغيره، فإن البيئة الشعبية المرابضة على محاذاة الجغرافيا السورية من جانبي الحدود ستقوم بكسر الحواجز والحظر من خلال القيام بعمليات تبادل تجاري مع السوريين لأن الهدف من العقوبات الجديدة هو خنق البلدين وتجويع شعبيهما”.
وعن الوضع الاقتصادي لفتت الى أن “الوضع مضبوط على خطوط حمر لا يمكن تجاوزها لكن الرسائل الأميركية خطيرة لجهة الاستمرار في العقوبات والضغط المالي على لبنان”، لكن المصادر لفتت الى أن “استمرار هذا الضغط ومفاعيله على الوضع اللبناني مرتبط بالوضع الأميركي المستجد بعد التظاهرات”.
في غضون ذلك وفيما تنعقد خلية الازمة المالية الاثنين المقبل لمتابعة الملفات المالية والاقتصادية الملحة، استمرت المفاوضات بين الوفد اللبناني ووفد صندوق النقد الدولي أمس، وذلك بعد توجيهات رئيسي الجمهورية والحكومة للوفد اللبناني في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة.
واعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ان “اول خطوة لإنقاذ لبنان تكون بمكافحة الفساد عبر نص القوانين والتشريعات التي تسهل ملاحقة الفاسدين، أياً كانوا”، مجدداً دعوته الى “الإسراع في اعتماد الاقتصاد المنتج بدلاً من الريعي، لأنه لا يمكن دعم العملة الوطنية بالديون بل بالإنتاج”. وخلال استقباله وفد “الهيئة اللبنانية للإنقاذ”، أشار رئيس الجمهورية الى ان “ما يحصل اليوم هو بسبب تراكمات خط سياسي معين تمّ اعتماده وامتدّ الى نحو ثلاثة عقود من الزمن، ورغم وجودي خارج لبنان معظم هذا الوقت، نُحمَّل اليوم وزر هذا الخط ونتائجه ونتعرض للاتهامات والحملات والتي يجب ان توجه الى المسؤولين الفعليين عن تدهور الاوضاع في لبنان، فيما تم رفع شعار “كلن يعني كلن”، والتعتيم على كل الامور الإيجابية التي شهدها لبنان منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم، والتركيز فقط على الامور السلبية وتلفيق الأخبار وبث الشائعات”.
وفي مجال آخر وقع رئيس الحكومة مرسوم التشكيلات القضائية بعد وصوله الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
واعلن وزير الاتصالات طلال حواط أنّ الدولة على مشارف التسلّم الفعليّ لإدارة شركتي الخلوي. وقال في مؤتمر صحافي: “احتجنا الى بعض الوقت لاختيار مجالس الإدارة لشركتي الخلوي وفقاً لمعايير التوازنات اللبنانية وتريثت قبل اتخاذ قرار الاسترداد لأبحث في المعطيات القانونية ثم بدأنا في تحضير دفتر الشروط وقطعنا شوطاً كبيراً”. وقال: “لا نخفي أن هناك مشاكل في القطاع بسبب أزمة الدولار وستقوم وزارة الاتصالات بعرض عقد 2019 للصيانة والتشغيل على مجلس الوزراء للموافقة على تبليغه لهيئة “أوجيرو” شرط أن يكون الدفع مبنياً على نظام الفوترة من “أوجيرو” الى المديرية العامة للاستثمار والصيانة”.