باتت الأسابيع «الاختباريةُ» مُلازِمةً للواقع اللبناني المحكومِ بما يشبه «سباق البَدَل» بين امتحاناتٍ تتوالى على تخوم الأزمات المتشابكة في السياسة والمال والاقتصاد والصحة والتي تتقاطع خلفيات غالبيتها كما مآلاتها مع مساراتٍ إقليمية «اشتباكية».
وفي هذا الإطار تتجه الأنظار إلى 3 محاور يَجْري رصْد «اتجاهات الريح» فيها:
• الأول «كورونا» مع استعادة لبنان ابتداءً من اليوم دورة الحياة العادية في مختلف قطاعاته مع استثناءاتٍ قليلة، وذلك للمرة الأولى منذ نحو 3 أشهر حين اقتحم الفيروس البلاد مسجّلاً إصابات ما زالت تتزايد ولكن بوتيرةٍ وبسياقاتٍ تعتبرها السلطات قابلة للضبط والترصُّد بما شجّعها على اعتماد خيار «مناعة القطيع الناعمة» أي اكتساب مناعة مجتمعية بشكل تدريجي. علماً أن «صمود» هذا الخيار يبقى رهناً باستمرار عدّاد الحالات الإيجابية اليومي منضبطاً وقلّة عدد مَن يحتاجون لعلاج في المسشتفيات ولغرف العناية الفائقة (فقط 3 حالات خطرة).
وقبل أسبوع على موعد انتهاء الجولة الجديدة من «التعبئة العامة» (7 حزيران الجاري)، وفيما أُعلن أمس تسجيل 29 إصابة (27 للبنانيين وافدين و2 لمقيمين) رفعتْ العدد الإجمالي إلى 1220 (بينها 711 حالة شفاء)، وحالة وفاة جديدة (صار عدد الوفيات 27)، أصدرت وزارة الداخلية مذكّرة تحت سقف استراتيجية الفتْح المتدرّج لكل القطاعات التي فُكّت عملياً القيود عن غالبيتها مع مراعاة ضوابط الأمن الصحي، وأبرزها المراكز التجارية (المولات) التي تستعيد حركتها للمرة الأولى منذ إعلان «الطوارئ الصحية» (حتى منتصف الليل)، وكذلك كازينو لبنان، وتمديد فتْح المطاعم والمقاهي أبوابها (بقدرة استيعابية 50 في المئة) حتى التوقيت نفسه الذي بات الموعد اليومي الذي يبدأ فيها حظر تجوّل الخمس ساعات (حتى الخامسة فجراً بعدما كان يبدأ السابعة مساءً).
وإذ أبقت المذكرة على تقييد حركة السيارات وفق أرقامها (مفرد – مزدوج على أن يكون الأحد مفتوحاً لكل اللوحات)، سمحت بفتْح الشواطئ البحرية «بحسب القوانين المرعية الإجراء» (لتنضم إلى أحواض السباحة الداخلية والخارجية المزودة بالكلور) وكذلك الكورنيش البحري، ليقتصر استثناء الفتْح على دور الحضانة والمدارس والنوادي الرياضية والملاهي الليلية ودور السينما والمسارح والحدائق العامة والـ Kids zone في المولات وخارجها ومراكز ألعاب الإنترنت وصالات المناسبات.
وستشكّل الأيام المقبلة محكاً فعلياً لمدى التزام اللبنانيين بشروط الوقاية وفي الوقت نفسه قدرة السلطات على فرْض التكيف مع موجبات الأمان الصحي، في الوقت الذي يُنتظر تحديد مرحلة رابعة من عملية إجلاء المنتشرين، ووسط استبعاد معاودة فتْح مطار رفيق الحريري الدولي قبل نهاية الشهر الجاري بحال لم تبرز مفاجآت سلبية غير محسوبة.
• والمحور الثاني المفاوضات المستمرة بين لبنان وصندوق النقد الدولي حول برنامج تمويلي (حتى 2024) استناداً إلى خطة التعافي التي وضعتْها الحكومة، وهي المفاوضات العالقة في مهبّ خاصرتيْن رخوييْن:
– الأداء الحكومي المرتبك الذي أوحى بأن أولوية صون التضامن بين مكوّنات الائتلاف الحاكم والتوفيق بين تضارُب الحسابات السُلطوية تعلو حتى على الصورة التي يتعيّن على الحكومة تظهيرها قولاً وفعلاً لإثبات جديتها في الوعود الإصلاحية، وهو ما عبّر عنه التخبّط بملف خطة الكهرباء، الذي يُعتبر المعيار الأبرز الذي يعتمده صندوق النقد والمجتمع الدولي لمدّ يد المساعدة للبنان، وتحديداً لجهة معاودة إدراج ملف سلعاتا من ضمن «تَلازُم في الأولويات» مع معمليْ الزهراني ودير عمار وفق ما أصرّ عليه «التيار الوطني الحر» ودعَمَه فيه رئيس الجمهورية ميشال عون. ناهيك عن المضي بعدم الإفراج عن التشكيلات القضائية ولا إجراء التعيينات المالية نتيجة خلافات على الحصص.
– «الحمولة الزائدة» على المفاوضات مع الـIMF التي بات يشكّلها استمرار التضارب في الأرقام حول الخسائر المالية بين الوفد اللبناني وتحديداً ممثلي الحكومة ومصرف لبنان والقطاع المصرفي، وهو ما اعتبره رئيس لجنة المال البرلمانية إبراهيم كنعان أمس سبباً «للتفاوض غير المنتج حتى الآن»، مشيراً إلى أن الوفد اللبناني شبه معطّل بوجود فارق مئة ألف مليار ليرة بين أرقام طرفيْه، وواصفاً «ترْك الانقسام بالأرقام والتباين بالخياراتط بأنه «جريمة ويؤدي الى الانتحار».
وتتقاطع هذه المفاوضات مع محاولة جديدة لفرْملة انهيار الليرة (تجاوز سعر صرفها 4100 ليرة لكل دولار) وتوفير «دولار مدعوم» من مصرف لبنان لزوم استيراد سلع أساسية ومواد أولية لصناعات محلية (بسعر 3200 ليرة) وهو المسار الذي يفترض أن ينطلق الأربعاء مع عودة نقابة الصيارفة إلى العمل ليتبيّن معه الأثر الفعلي لهذه المحاولة «الأخيرة» لوقف السقوط الحرّ للعملة الوطنية والتي تترافق مع استعادة الشارع مظاهر الاحتجاجات في ظل تحرّكات «سبّاقة» تشي بانفلاشٍ متدحْرج.
• أما المحور الثالث فهو الاهتزازت المتتالية داخل البيت الحكومي الذي لم يكد أن «يفلت» من اضطراب العلاقة بين فريق عون وبين رئيس الحكومة والمكوّنات الأخرى على خلفية ملف الكهرباء، حتى عاجلتْه هزّة على تخوم قضية تعيين قائد جديد لوحدة الشرطة القضائية (خلَفاً للعميد أسامة عبدالملك الذي كان أحيل على التقاعد) التي فجّرت خلافاً درزياً – درزياً ينذر بتشظيات في قلب الحكومة مع رفْع النائب طلال أرسلان «بطاقة صفراء» بوجه تعيين اسمٍ غير العميد ماهر الحلبي (الضابط الدرزي الأعلى رتبة وأقدمية) الذي لا يتحمّس له الزعيم الدرزي وليد جنبلاط (من قوى المعارضة)، وذلك بعدما كانت هذه القضية أثيرت خلال زيارة الأخير لعون قبل نحو 3 أسابيع من ضمن ملف مجمل التعيينات (إلى جانب مركزيْ نائب حاكم مصرف لبنان وعضو هيئة الأسواق المالية) حيث أن لجنبلاط أسماء مقترحة لهذه المراكز.
وفي ردّ ضمني على المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي كان نعى الصيغة اللبنانية وميثاق 1943 ومرتكزاته وجمهورية الطائف، أعلن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «أن خصوصية الدولة المدنية في لبنان هي نظامه الديموقراطي، وميثاقه الوطني للعيش معاً، مسيحيين ومسلمين، بالولاء الكامل والاستئثاري للوطن اللبناني».
وأكد «نرفض أن تتحول عملية تطوير النظام اللبناني ذريعة للقضاء على لبنان، هذا الخيار التاريخي بخصوصياته. إن لبنان الدولة المدنية والشراكة والرسالة موجود منذ مئة سنة (…) ولذا يدعونا الواجب للدفاع عن هذا الكيان. وقد نذرنا أنفسنا للبنان حراً وللبنانيين أحراراً معاً يعيشون، ومعاً يقاومون كل احتلال وتعدّ، بقيادة الدولة وشرعيتها وجيشها».