هل يُرحَّل ملف التشكيلات القضائية العالق منذ أكثر من شهرين في أدراج الوزراء إلى ما بعد العطلة القضائية في الخريف المقبل؟ وكيف تستقيم مطالبة المشاركين بالحكومة بشعار استقلالية القضاء فيما لا سبب طوال هذه المدة لكل هذا التسويف والتأخير في بت التشكيلات؟ وما حقيقة الخلاف حول هذا الملف؟
مصادر قضائية كشفت في اتصال مع “الأنباء” انه عندما طُرح اسم القاضي سهيل عبود لرئاسة مجلس القضاء الأعلى الذي ترافق مع تسويق إعلامي لافت في حينه لِما يتميز به عبود من سمعة طيبة وضمير مهني وشفافية في العمل القضائي، مع ما يملك أيضاً من مناقبية وأخلاق، فإنّ من دفع إلى تعيينه لم يكن هدفه بريئا، ولم يكن المقصد من تسميته في هذا المنصب الشروع في ورشة الإصلاحات انطلاقا من إصلاح القضاء بشكل عام ورفع يد السياسيين عنه والانتقال الى محاربة الفساد ووضع حد للاهتراء الحاصل في الادارة العامة والممارسات المعتمدة، بل كانت الخطة الفعلية يومها تقوم على المجيء بقاض نظيف الكف الى رئاسة مجلس القضاء الأعلى ثم العمل على تكبيله وشل حركته دون السماح له بالقيام بأي إصلاح.
لكن وبحسب المصادر القضائية، فإن “هذه المحاولة فشلت مع إصدار القاضي عبود لأول مرة بتاريخ لبنان أول تشكيلات قضائية بهذه الشفافية، لأنه عكف منذ اليوم الأول له على إجراء دراسة دقيقة لملفات القضاة الذين شملتهم التشكيلات من أصحاب النزاهة والكفاءة وظيفياً وسلوكيًا، فكان ما جرى من تعطيل للتشكيلات وتجزئتها وذلك أسوة بكل الملفات الأخرى التي يتم تعطيلها من قبل الفريق السياسي نفسه”.
المصادر نقلت عن القاضي عبود إصراره على إصدار ملف التشكيلات كما هو، لكن يبدو ان دوائر في الحكم لديها تحفظات وتحاول بشتى الطرق أن تسقط بعض الأسماء ضمن هذه التشكيلات، لكنها تواجه برفض شديد من عبود الذي تقول مصادره “إما ان تصدر التشكيلات كما صدرت من مجلس القضاء الأعلى من دون اية تعديلات، أو أن المسألة لن تمر”.
وبناء عليه، فإن حال المراوحة في هذا الملف، خاصة وأن البلد على أبواب عطلة قضائية، قد تستمر حتى افتتاح السنة القضائية، أي الى ما بعد العاشر من تشرين الأول.
وشددت مصادر متابعة عبر “الأنباء” على ضرورة “عدم كسر كلمة مجلس القضاء الاعلى كمنطلق اساسي لصون استقلالية القضاء، التي تشكل مدخلا اساسيا وحقيقيا للإصلاح اذا ما كانت النوايا الاصلاحية صادقة بمحاربة الفساد، ومتى تم تحصين القضاء وإقرار قانون استقلالية القضاء وترجمته قولا وفعلا حينها فقط يمكن القول إن الاصلاح بات على السكة الصحيحة”. المصادر أكدت أن “لا خلاص للبنان من حالة الاهتراء الاداري التي يعيشها في ظل محميات الفساد والصفقات إلا باصلاح القضاء لإعادة هيبة الدولة”.
وفي هذا الاطار قال عضو كتلة الكتائب اللبنانية النائب الياس حنكش في حديث مع “الأنباء” ان حزبه يصر على إصدار التشكيلات القضائية اليوم قبل الغد وقبل العطلة القضائية، كاشفا انه بصدد مساءلة الحكومة عن تعيينات مجلس القضاء الأعلى. وقال: “مهما تحايلوا وغاصوا في المحاصصة، لا يمكنهم في النهاية الا الموافقة على صدور التشكيلات القضائية من دون اية تعديلات عليها”.
مصادر “التيار الوطني الحر” رفضت عبر “الأنباء” اتهامها بعرقلة ملف التشكيلات القضائية، معتبرة أنها “أحرص ما يكون على القضاء بوصفه الجزء الأساسي من مقومات الدولة”، متوقعة صدور التشكيلات القضائية قريباً وقبل دخول البلد في العطلة القضائية. وقالت: “من حق العهد التعاون مع قضاء نزيه مشهود له بالسمعة والكفاءة وهذا لا يشكل انتقاصًا من القضاء ولا تدخلا بشؤونه”.
من جهتها، مصادر “حزب الله” أملت عبر “الأنباء” ان تصدر التشكيلات في أقرب وقت “لأن لا مبرر للتأخير في البت بها وذلك من أجل ان يقوم القضاة بدورهم على أكمل وجه”، مشيرة الى أن “الحزب مع استقلالية القضاء وضرورة رفع يد السياسة عنه ليبقى منزها عن كل شيء”.
من جهته، عضو تكتل الجمهورية القوية النائب أنيس نصار رأى في حديث مع “الأنباء” أن ملف التشكيلات القضائية “جرى تنويمه مغناطيسيا ليتماشى مع سياسة المحاصصة المعتمدة لدى بعض القوى السياسية المعروفة”. وقال: “اذا كان لديهم ذرة من الحس بالوطنية يجب ان تصدر التشكيلات في جلسة الاثنين، خاصة وأنها قد أنجزت بطريقة جدا شفافة ومدروسة، لكنهم يريدونها على طريقتهم وبأسلوبهم الرخيص باستبدال هذا القاضي بذاك، وهذا لن يمر مع مجلس القضاء الاعلى”.
في مجال آخر أشار نصار الى معلومات حول احتمال ان يقوم رئيس الجمهورية ميشال عون برد قانون الية التعيينات الذي أقره مجلس النواب، مستغربا كيف يمكن لذلك ان يحصل اذا ما جرى.