تحوّلت ليلة القبض على التشريع إلى ما يشبه سهريات التحضير، انتشرت في غير منطقة، ولدى أكثر من كتلة، وسط استقطاب انقسامي، بلباس طائفي حيناً، واعتبارات تاريخية، تختلف حول النظرة إلى العميل أو الخائن، على الرغم من وضوح المفاهيم الوطنية المجمع عليها بعد وثيقة الوفاق الوطني، التي أقرّت في الطائف عام 1989، وشكلت الأساس لإعادة بناء مؤسسات الدولة وبناها الدستورية، وهو الأمر الذي شدّد عليه رؤساء الحكومات السابقون، لجهة العلاقة العريقة بين المسيحيين والمسلمين القائمة على سمو الفكرة الجامعة للعيش المشترك.
ومع ذلك، بدت الاجتماعات النيابية، غارقة بالاستعداد للفيتوات، في الجلسة التشريعية لمجلس النواب، وهي الثانية، منذ التعبئة العامة، التي تعقد في قصر الأونيسكو، ويحرص الرئيس نبيه برّي على ان تكون جامعة، ولا تغرق في متاهات الخلافات، التي طغت على السطح من طروحات الفيدرالية إلى إسقاط الصيغة المعمول بها.
ومع ان الرئيس برّي انصرف لجمع المعطيات المحيطة بالمجلس، ومواقف الكتل، فإن حجم المخاوف من وقوع توترات، قبل الجلسة، وخلالها وبعدها ما تزال قائمة، ومن شأن النتائج التي ستسفر عنها ان ترسم مسار الوضع السياسي، لا سيما في الشق المتعلق بعمل الحكومة، سواء في ما خص التعيينات، أو اتخاذ القرارات ضمن الصلاحيات التي نص عليها الدستور، في ما يتعلق برئيسي الجمهورية والحكومة ومؤسسة مجلس الوزراء.
وهكذا اتجهت الأنظار إلى هذه الجلسة، التي على جدول أعمالها 37 بنداً، بينها 27 بنداً اقتراحات قوانين معجلة مكررة، ترجح الاوساط النيابية سقوط صفة العجلة عن معظمها وإحالتها الى اللجان النيابية، لا سيما اقتراحات: «وضع ضوابط إستثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية (الكابيتال كونترول)، و استرداد الأموال النقدية والمحافظ المالية المحولة الى الخارج بعد تاريخ 17/10/2020 المقدم من نواب تكتل لبنان القوي، وخفض عدد نواب حاكم مصرف لبنان وتعديل مدة ولاية حاكم مصرف لبنان المقدمين من النائب فؤاد مخزومي. اما اقتراح قانون رفع السرية المصرفية فلم يرد بصفة معجل مكرر وقد يأخذ مداه من النقاش ولا يعرف احد مصيره هل يُقر ام لا.
ولئن كان اقتراح قانون العفو معرّضاً لعدم الإقرار اليوم، من زاوية رفض التوازن بين الموقوفين بتهم متباينة، سواء متعلقة بالارهاب أو العمالة لإسرائيل، أو حتى الاتجار بالمخدرات، في ظل الاصطفاف الحاصل، فعند السابعة مساء عقد اجتماع بين كتل الجمهورية القوية (القوات اللبنانية)، لبنان القوي (التيار الوطني الحر)، وحزب الكتائب، حضره النائبان الشماليان: شامل روكز وميشال معوض..
وموضوع البحث كان: الموقف المسيحي من قانون العفو، المطروح على الجلسة النيابية اليوم.
واجمع نواب «اللقاء التشاوري» (السنة المستقلون) على التصويت ضد المادة 8 من اقتراح قانون العفو العام جملة وتفصيلاً، والتي تنص على السماح بعودة اللبنانيين الذين لجأوا الى فلسطين المحلتة وفقاً للقانون 2011/194.
وهذا الموقف، تدعمه ضمناً كتلتا التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة (أي كتلتا الثنائي الشيعي).
وعشية الجلسة، قطعت القوى الأمنية الطريق في الطرقات المؤدية إلى قصر الأونيسكو، لتأمين الأمن للجلسة النيابية، ولمنع مجموعات الحراك من الاقتراب أو التجمع في المكان، أو الطرقات المؤدية من فردان وكورنيش المزرعة إلى قصر الأونيسكو.
مجلس الوزراء
ونظراً لما تضمنته الجلسة النيابية من اقتراحات قوانين تتعلق بتجديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الإدارات العامة، وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة بالإضافة إلى تعديل عدد نواب حاكم مصرف لبنان، فإن الاتجاه لتأجيل بعض البنود في جلسة الحكومة غداً لا سيما بند التعيينات، والذي جاء تحت رقم 11، وفيها تعيينات تشمل:
– محافظ مدينة بيروت.
– رئيس مجلس الخدمة المدنية.
– مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة.
– مدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه.
و قالت مصادر وزارية لصحيفة «اللواء» انه بات محسوما ان لا تعيينات مالية في جلسة مجلس الوزراء المقبلة مشيرة الى انه في الأصل تشكل التعيينات الإدارية المرتقبة اختبارا للحكومة لجهة معيار التعبين واسماء المرشحين مؤكدة ان لا مانع من قيام تصويت اذا اضطر الأمر ذلك. وفهم ان مسألة رواتب نواب الحاكم وعددهم تنتظر على الارجح ما قد يبته مجلس النواب اليوم.
والبند الثاني على جدول أعمال الجلسة، طلب وزارة الخارجية والمغتربين تمديد ولاية قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في الجنوب «اليونيفيل» لمدة سنة تنتهي بتاريخ 31/8/2021.
وفي تطور متعلق بطلب رئيس الجمهورية وفق حقه الدستوري من مجلس الوزراء اعادة النظر بقراره تأجيل انشاء معمل سلعاتا لتوليد الكهرباء الى مرحلة لاحقة بعد انشاء معملي الزهراني ودير عمار، افيد عن اتصالات جرت بين الرئيسين نبيه بري ورئيس التيار الحر النائب جبران باسيل، اسهم في منع الوصول الى اعادة التصويت في جلسة مجلس الوزراء غدا الجمعة على قرار الحكومة فلم يُدرج على جدول الاعمال لكن الرئيس عون قد يطرحه من خارج جدول الاعمال، حيث ان تمسك الحكومة بالقرار يعني نفاذه حكماً بعد نفاذ مهلة الخمسة عشر يوماً المتاحة دستورياً. وهو امر يُحرج رئيس الجمهورية وقد يسبب مشكلة بين رئيسي الجمهورية والحكومة.
وحسب المعلومات فإن المخرج المقترح يقضي بطرحه من خارج جدول الاعمال ولا يتم التصويت عليه، على ان يترافق طرح عون مع تلازم بناء المعامل الثلاثة ويبقى سلعاتا قائما لكن تنفيذه يتم حال توافر الامكانات المالية له، فلا يعارضه مجلس الوزراء بل يأخذ علماً به.
وعشية الجلسة، تأكيداً لما انفردت «اللواء» بنشره في عددها الصادر أمس (الأربعاء)، فقد زار الرئيس دياب مقر قوّات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفل» في الناقورة، ترافقه نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع زينة عكر عدرة وقائد الجيش العماد جوزف عون. وكان في الاستقبال القائد العام لقوّات «اليونيفل» اللواء ستيفانو ديل كول. وحملت هذه الزيارة الكثير من الرسائل والدلالات في توقيتها ومضمونها، فهي:
– الأولى لرئيس الحكومة إلى الجنوب منذ تشكليها، وأوّل نشاط له بعد عطلة عيد الفطر.
– تزامناً مع احتفالات الجنوب بالذكرى الـ20 للتحرير من الاحتلال الإسرائيلي، الذي ما زال يُمارس اعتداءاته وخروقاته للقرار 1701.
– مع اقتراب التجديد لقوّات الطوارئ الدولية لولاية عام جديد، في ظل ارتفاع وتيرة الحديث عن مُحاولات إسرائيلية مدعومة من الولايات المُتّحدة الأميركية بتغيير مهامها، والذي يتلاقى مع مواقف بعض القوى اللبنانية.
وأشار رئيس الحكومة إلى أنّ «وجود «اليونيفل» في لبنان ليس بإرادة دولية فقط وإنّما برغبة لبنانية، وباحتضان من أهالي الجنوب»، مُعتبراً أنّ «استمرار الاحتلال يمنع تثبيت الاستقرار، ونحن لن نتنازل عن حبة تراب من وطننا».
وأكد دياب أنّ «لبنان مُتمسّك بتطبيق القرار 1701 وبدور «اليونيفل» والمُحافظة على مُهمتها وعديدها دون تعديل لأنّ الحاجة إليها لا تزال ضرورة مُلحّة في ظل مُحاولات «إسرائيل» المُستمرة لزعزعة الاستقرار»، مُشدداً على «أهمية أنْ تستمر «اليونيفل» بالتنسيق مع الجيش اللبناني منعاً لأي التباس مما يُسهّل من مهماتها ويُعزز الثقة مع أبناء الجنوب».
المفاوضات مع الصندوق
والأبرز، خلال الجولة السابعة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، التي عقدت أمس برئاسة وزير المال غازي وزني، وحضرها حاكم مصرف لبنان، ومدير عام وزارة المال آلان بيفاني، والمستشار في رئاسة الجمهورية الدكتور شربل قرداحي والمستشار في رئاسة الحكومة جورج شلهوب، والمستشار المستعان به بول مرقص، النقاش الذي دار حول مشروع قانون الكابيتال كونترول، حيث أبدى وفد الصندوق ملاحظات على الصيغة المقترحة، لجهة ان السماح بتحويل 50 ألف دولار أميركي سنوياً من الحسابات إلى الخارج، يفقد المصارف ما لديها من ملاءة مالية، ويضعف رصيدها.. واقترح وفد الصندوق إعادة النظر حفاظاً على احتياطات المصارف الأخرى، على ان تتابع الاجتماعات اليوم الخميس.
وقال متحدث باسم صندوق النقد ان المحادثات مع لبنان تشمل مجالات كثيرة، من بينها ضوابط رأسمالية وإعادة هيكلة القطاع المالي واصلاحات هيكلية لتحفيز النمو.
ونقل عن المتحدثة باسم الصندوق، ان المحادثات التي تجري بنّاءة، بشأن خطة الحكومة للاصلاح الاقتصادي.
وكان المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، قال في تغريدة على حسابه عبر «تويتر»، انّ «الارقام المختلفة التي قدمتها كل من الحكومة ومصرف لبنان حول الخسائر بالإضافة الى عدم احراز تقدم في التعيينات القضائية وغيرها من التعيينات والتأخير في إصلاح قطاع الكهرباء».
ووفق كوبيتش، فإنّ كل هذه العوامل تُضعف موقف لبنان في المناقشات مع صندوق النقد الدولي».
وختم، مُشدّدًا على أنّه «لا يمكن للبلد او الشعب تحمل ذلك اكثر».
فيما كان رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان يتحدث عن سعي لتوحيد الأرقام بين الحكومة والمصرف المركزي.وفي شأن مالي متصل، وفي تعميمين اصدرهما لهذه الغاية انفاذاً للاتفاق بين الرئيس دياب والحاكم رياض سلامة، قال مصرف لبنان المركزي أمس إنه سيلبي 90 في المئة من الحاجات الدولارية للشركات الصناعية التي تحتاج إلى استيراد مواد خام، وذلك في إطار خطوات لمحاولة تخفيف نقص حاد في الدولارات.
ولم يحدد تعميم من مصرف لبنان السعر الذي قد يشتري به أصحاب المصانع الدولارات. وكان قال في السابق إنه سيخصص دولارات بسعر قدره 3200 ليرة للواردات لكبح أسعار السلع الغذائية المتزايدة.
رؤساء الحكومات
سياسياً، طالبت رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، سعد الحريري، وتمام سلام، بعد اجتماع عقد عصر أمس في بيت الوسط، الحكومة الشروع فوراً بإقرار الإصلاحات التي يمكن ان تساعد على استعادة الثقة بالدولة اللبنانية، بما يمكنها من الحصول على الدعم الذي يحتاجه لبنان لعبور المآزق المتكاثرة، بعدم دخول الدولة في مفاوضات مع مؤسسات دولية، سواء باصدار التشكيلات القضائية وإقرار المشاريع المرتبطة بمؤتمر «سيدر».
واعتبر رؤساء الحكومات أن المطلوب الآن وأكثر من أي وقت مضى التمسك بدستور الطائف والعمل على وضع قانون انتخاب جديد يتجاوز سلبيات القانون الحالي الذي أدخل البلاد في أجواء من الشحن والتوتر المذهبي والطائفي.
عودة التحركات
وعادت التحركات الاحتجاجية إلى الشارع، تحت شعار «الثورة تتجه نحو بيوت النواب – القرار لنا»، نظم عدد من المحتجين رافعين الاعلام اللبنانية، ومرددين هتافات الإدانة بمكبرات الصوت لما آلت إليه الأوضاع المعيشية والمالية والإقتصادية في البلاد، وقفة أمام منزل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو وأمام منزل الرئيس نجيب ميقاتي في شارع بلس، وكذلك أمام منزل النائب جميل السيد في الجناح.
وتعليقا، غرّد السيد على حسابه على «تويتر» قائلا: «قيل لنا ان موكباً مرّ امام منزلنا في بيروت اليوم وتوقفوا لبرهة وأطلقوا هتافات زعران ثورجية، وقيل لنا أنهم ربما من الحزب الشيوعي، أيّاً يكُن، من جاؤوا الى هنا جاهلون بنا وبتاريخنا وحاضرنا، فليجرؤ حزبهم، ولنا معه حساب».
وفي تغريدة أخرى، قال السيد: «أكدت لنا مصادر صديقة أنّ لا علاقة لعناصر من الحزب الشيوعي بهذه المجموعة، فإقتضى التنويه».
كما نظمت مجموعة من الحراك اعتصاما رمزيا امام مقر المحكمة العسكرية في بيروت، احتجاجا على استدعاء الناشطين امام الاجهزة الامنية. ثم انتقل المعتصمون في مسيرة الى امام وزارة العدل لمطالبة القضاة بمكافحة الفاسدين.
وفي بيروت، قطع محتجون الطريق عند تقاطع المدينة الرياضية، ثم ما لبث ان نجحت القوى الأمنية في إعادة فتحها، في حين كان محتجون يقفون امام منازل عدد من النواب منددين بالفساد..
وفي الشمال قطع العشرات من المحتجين ساحة النور في طرابلس بالسيارات والعوائق احتجاجاً على ارتفاع الأسعار والغلاء.. مرددين شعارات منددة بالفساد والتجار مطالبين الحكومة باستعادة الأموال المنهوبة، وكذلك في محلة الجية بين بيروت والجنوب.
وعلى الرغم من هذه الأجواء المتعلقة برصد حالات الإصابة بـcovid-19، عقدت اللجنة الوزارية المعنية بعودة اللبنانيين من الخارج برئاسة الرئيس دياب، تحضيراً للمرحلة الرابعة.