«… لا يمكن للبلد أو الشعب تَحمُّل أكثر». عبارة أطلقها المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش.
ورغم أن كوبيش، الذي يكاد أن يتحوّل «الناظر» الدولي للواقع اللبناني، أطلق موقفه من بوابة التحذير من سلوكٍ «يُضعِف موقف لبنان في المناقشات مع صندوق النقد الدولي» مُنْتَقِداً «الأرقامَ المختلفة التي قدّمتها كل من الحكومة ومصرف لبنان حول الخسائر المالية بالإضافة الى عدم إحراز تَقَدُّم في التعيينات القضائية وغيرها من التعيينات والتأخير في إصلاح قطاع الكهرباء»، فإن «التوبيخَ» الأممي الجديد، سرعان ما صارتْ له مبرّراتٌ أكبر مع تطوراتٍ تدافعتْ على مساريْن متداخليْن وعززت الخشية من سيناريوهات قاتمة ترتسم في «الأفق المقفل».
في هذا الإطار، وفيما كان «كورونا» يواصل حصْدَ الإصابات التي سجّلت أمس 21 حالة (16 لمقيمين و5 لعائدين في عملية الإجلاء) رفعتْ العدد الإجمالي إلى 1161 (بينها 692 حالة شفاء و26 وفاة)، مضى المشهدُ السياسي نحو حقل اضطراباتٍ بدأت تثير غباراً كثيفاً حول «قطبها المخفية»، وهو ما عبّر عنه أمران:
* الأول استمرار الالتباسات المحيطة بخلفيات وضْع النظام السياسي على الطاولة في هذا التوقيت، من خلال خروج طروحاتٍ قديمة – جديدة حول الفيديرالية أو صيغ منقّحة بعنوان اللامركزية الإدارية والمالية، وصولاً إلى نسْف المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان مرتكزات ميثاق 1943 وجمهورية الطائف.
وفي حين تعاطى البعض مع كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في إطلالته التلفزيونية ليل الثلاثاء، حول أنه «إذا أجمع اللبنانيون على إعطائنا فرصة لحكم البلد فسنردّ عليها بالقول: مشكورون، لا نريد حكم البلد» على أنها تقطع الطريق على تفسيراتٍ أعطيتْ لكلام قبلان بوصْفه إشارة انطلاق مسار الارتداد المعلن على نظام الطائف في اتجاه نظامٍ يترجم فائض قوة المكّون الشيعي، فإن أوساطاً سياسية لم تُسقِط من الحساب إمكان أن يكون «تكبير الحجر» بإعلان «موت» الطائف والدعوة إلى صيغة متفلّتة من ضوابطه، هو في إطار التصويب على هدف «حقيقي» آخَر هو إشعال فتيل تعديل نظام الطائف تحت مسمى تطويره الذي يتلاقى فيه علناً «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر»، وإن كان الأخير ذهب في اتجاهٍ «تصغيري» (لا مركزية إدارية ومالية) فيما الحزب يحبّذ خيارات «ماكرو» تلائم حجمه الداخلي والإقليمي المتكئ على وهْج السلاح.
وفي هذا السياق، استوقف الأوساط كلام نصرالله عن أن «دعوته لمؤتمر تأسيسي، كانت لتطوير اتفاق الطائف، ولكن قامت القيامة»، مؤكداً أن «البلد بحاجة إلى تطوير، ولكن ليس على قاعدة، انسفوا وبعدها يكون البناء»، وان «نسف النظام الحالي كلياً غير منطقي ولكن يمكن الجلوس والبحث في تطوير الطائف».
* والثاني، لم يكن عابراً تولي الرئيس ميشال عون دعْم موقف «التيار الوطني الحر» عبر ردّه قرار مجلس الوزراء حول خطة الكهرباء طالباً من الحكومة إعادة النظر فيه، وسط رصْد دقيق لجلسة مجلس الوزراء غداً.
وإذ رأت الأوساط السياسية أن التباينات الحكومية حول ملف الكهرباء ستنعكس سلباً على صورة لبنان أمام صندوق النقد، استوقفها بلورة نصرالله مناخه التشكيكي بالمفاوضات بتأكيده «لم نذهب إلى صندوق النقد ولكن فتحنا الباب بحيث إذا أرادت الحكومة أن تذهب فلتذهب وتكون أمام التجربة (…)»، مكرراً دعوة الحكومة «للذهاب شرقاً والحكومة العراقية جاهزة لاتفاقات مع لبنان حول تصريف الإنتاج ولذلك يجب إعادة العلاقات مع سورية (…) وهناك مَن يرفض بغية الذهاب الى صندوق النقد الدولي كي يملي الأميركي شروطه لإذلال لبنان».
في موازاة ذلك، كان رئيس الحكومة حسان دياب يطّل من مقر قوة «اليونيفيل» في الناقورة (في الذكرى 42 على إنشائها) على مهمتها والقرار 1701، رافضاً المساس بمهمّتها، ومؤكداً ان «لبنان متمسك بتطبيق هذا القرار، ونطالب الأمم المتحدة بفرض تطبيقه على العدو الإسرائيلي»، لافتاً إلى ان «الحاجة لليونيفيل لا تزال ضرورية وملحة في ظل المحاولات الإسرائيلية لزعزعة الاستقرار».
وجاء موقف دياب غداة إعلان نصرالله على وهج إشكالات متجددة بين أهالي عددٍ من بلدات الجنوب و«اليونيفيل» أنه «درجت العادة عند الأميركي والإسرائيلي لدى كل تمديد لليونيفيل أن يهددوا بوقف التمويل، وتغيير مهمة هذه القوات، ولكن هذا موضوع سيادي»، مضيفاً: «إذا أردتم إنقاص العدد، أو إذا أرادوا الذهاب، فلا يعنينا الأمر، من دون أن يعني ذلك أننا لا نرغب بعلاقة جيدة معهم، ولكننا نراقب تغيير مهمة هذه القوات».