الاهتزاز في صورة الإنجاز الحكومي في ملف كورونا، مع تصاعد أرقام الإصابات اليومية لليوم الثاني، تزامن مع علامات استفهام تطال قدرتها على مواصلة التقدم في مسارات منتجة في التفاوض مع صندوق النقد الدولي ومجموعة المانحين في مؤتمر سيدر، في ضوء ملامح أزمة حكوميّة برزت مع معلومات عن تعثر خطة الكهرباء عند عقدة تمسك رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر ووزير الطاقة بإعادة مناقشة القرار الذي سبق واتخذه مجلس الوزراء باعتماد الخطة، التي تنص على إقامة معمل في سلعاتا، ولكنها تعطي الأولوية لمعملي الزهراني ودير عمار نظراً للجهوزية المالية والإدارية فيهما، حيث لا استملاكات ولا نفقات. ووسط هذا الإصرار من رئيس الجمهورية، الذي يخوله الدستور حق طلب إعادة مناقشة أي قرار اتخذته الحكومة في غيابه، مقابل موقف رئيس الحكومة المتمسك بالقرار المتخذ، وما يقابل ذلك في الداخل من تمسّك لرئيس مجلس النواب بالقرار الحكومي السابق، وقلق دولي وفرنسي بوجه خاص من التمسك بمعمل سلعاتا، في ظل مكانة فرنسا في دفع الموقف الغربي لدعم الموقف اللبناني في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ودعوة واشنطن لفصل مساعي تعافي لبنان عن المواجهة الأميركية مع إيران، وبشكل خاص مع مسؤولية فرنسا المباشرة عن رعاية مؤتمر سيدر، قالت مصادر دبلوماسية إن السفير الفرنسي عبر عن خشية حكومته من تراجع الحماسة التي تعاملت من خلالها مع الحكومة، باعتبارها تدشيناً لمرحلة جديدة في التعامل مع الملفات الشائكة التي يتقدمها ملف الكهرباء في النظرة الدولية لمغادرة الحكومات اللبنانية حسابات حزبية وفئوية وعقلية محاصصة.
على هذه الخلفية جاءت كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري بمثابة رسالة، ترسم ما هو مطلوب، وتحذر من مطبات ما هو مرفوض، حيث أكد بري أن القضاء المستقل هو الضمانة، واضعاً ذلك كسقف لمكافحة الفساد خارج مخاطر الوقوع في الاستنسابية، أو توجيه الاتهامات للسلطات باستخدام شعار مواجهة الفساد بحسابات كيدية، باعتبار القضاء المستقل وحده يحصن مبدئية وقانونية وسلامة الهدف. والإشارة لا تخلو من رسالة تتصل بتأخّر صدور مراسيم التشكيلات القضائية، كما حذر بري من طروحات الفدرالية التي تظهر تحت عناوين من نوع التوزيع الطائفي للمشاريع، ودعوات مبالغ بها لحجم اللامركزية، وترسيم حدود كيانات الطوائف عبرها، ووضع بري سقفاً للعملية الإصلاحية هو قانون انتخابات غير طائفي يعتمد النسبية والدائرة الواحدة، وعلاقة تعاون متينة مع سورية، من دون نسيان التذكير الدائم لبري بقدسية الودائع المصرفية ورفض المساس بها، والحاجة لمواجهة العبث بسعر الصرف والتلاعب بالأسعار، والتذكير الدائم بالخط الأحمر الذي تمثله السيادة اللبنانية على ثروات النفط والغاز من بوابة ترسيم الحدود البحرية.
وكلمة بري التي جاءت لمناسبة يوم القدس وذكرى تحرير الجنوب في 25 أيار عام 2000، تلاقت في منطلقها ومضمون تأكيدها على خيار المقاومة، والتمسك بفلسطين، والتحالف مع سورية وإيران، مع الكلمة الشاملة التي تناول فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مناسبة يوم القدس العالمي، حاسماً خلالها بتراجع خطر الحروب في المنطقة، مؤكدا أن عناصر الضعف هي المسيطرة على الشريكين الأميركي والإسرائيلي رغم مسارات التطبيع وصفقة القرن وضم الأراضي، والعقوبات والحصار، وأنه بالتوازي فإن عناصر القوة هي الأبرز في حال قوى المقاومة، التي حققت انتصارات في كل من سوريا والعراق واليمن، وحققت الصمود في فلسطين وحققت التقدّم وتعزيز القدرات في إيران، وبنت المقدرات الرادعة في لبنان حيث تحوّلت المقاومة إلى مصدر قلق دائم على مستقبل كيان الاحتلال، مطمئناً إلى أن مشروع تحرير القدس يتقدّم، وقاعدته حرب استنزاف طويلة قطعت أشواطاً في طريق الوصول نحو الهدف.
وفيما بقيت كلمة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب أمس الأول طاغية على المشهد الداخلي السياسي الى جانب الجهود الدؤوبة التي يقودها الرئيس دياب على أكثر من جبهة ومحور اقتصادي ومالي ونقدي. خطفت المواقف السياسية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الأضواء حيث وصفتها مصادر مطلعة بالهامة جداً فيما برزت مواقف ذات طابع استراتيجي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والتي وصفها الخبراء بأنها بوصلة لمحور المقاومة في المرحلة المقبلة.
وشكلت مواقف الرئيس نبيه بري خريطة طريق سياسية لانتشال لبنان من أزماته المتراكمة منذ عقود لا سيما مشكلة الطائفية التي تقف سداً منيعاً أمام خلاص الوطن، ولفت بري في عيد المقاومة والتحرير الى أنه “لا يعقل في وطن امتلك ولا يزال يمتلك شجاعة إلحاق الهزيمة بأعتى قوة عنصرية في المنطقة الا يمتلك الجرأة والشجاعة لاتخاذ القرار الوطني والتاريخي في إعادة إنتاج الحياة السياسية، انطلاقاً من إقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي يؤمن الشراكة للجميع على قدم المساواة والارتكاز على قاعدة النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة وإنشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه كل الطوائف بعدل ومساواة، إنفاذاً لما نص عليه اتفاق الطائف، تمهيداً لدولة مدنية وتحرير القضاء وإنجاز استقلاليته من اي تبعية سياسية وتحرير قطاع الكهرباء من عقلية المحاصصة المذهبية والطائفية والمناطقية”، لافتاً الى ان “المطلوب من الحكومة ومن الوزراء كافة مغادرة محطة انتظار ما ستؤول اليه المفاوضات مع صندوق النقد والجهات الدولية المانحة والانطلاق بعمل محسوس يلمسه المواطن القلق على عيشه ومصيره في كل ما يتصل بحياته وحياة الوطن”.
ورأى أنه “آن الآوان للحكومة أن تنطلق بعمل ميداني بعيداً من الخطط والبرامج الورقية”، مؤكداً “ان ودائع اللبنانيين في المصارف هي من الأقداس وسيتم التصدي لأي محاولة ترمي للتصرف بها تحت أي عنوان من العناوين، وهي حق لأصحابها ونقطة على السطر”. وحذر من “الأصوات النشاز التي بدأت تعلو في لبنان منادية بالفيدرالية كحل للأزمات التي يئن تحت وطأتها لبنان واللبنانيين”، مشيراً الى ان “لا الجوع ولا اي عنوان آخر يمكن ان يجعلنا نستسلم لمشيئة المشاريع الصهيونية الهدامة”.
واستكمالاً للجهود التي يبذلها الرئيسان بري ودياب على صعيد إيجاد الحلول للأزمة المالية والنقدية والمفاوضات مع الجهات المانحة، سُجل لقاء بين بري ودياب في عين التينة، لم يدلِ بعده دياب بأي تصريح.
في موازاة ذلك، أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن المعركة الحقيقية كانت وما زالت هي مع الحكومات الأميركية المتعاقبة، والكيان “الإسرائيلي” هو في الجبهة الأماميّة، وشدد على أن “مَن يراهن أنه من خلال الحروب العسكرية أو الاغتيالات أو العقوبات والتجويع أن يغيّر في موقفنا فهو مخطئ ويجب أن ييأس من امكانية حصول ذلك”، وبيّن مواطن الاخفاقات والفشل التي أصابت المحور الأميركي الصهيوني في المنطقة وخصوصاً في وجه إيران.
وفيما أكد سماحته أننا ذاهبون الى وضع دولي وإقليمي جديد وقد تنشأ فيه تهديدات لم تكن موجودة في السابق، لفت إلى أن أركان صفقة القرن أي ترامب ونتنياهو وبن سلمان يعيشون أزمات مختلفة، وطمأن أن الأفق أمام محور المقاومة يدعو الى التفاؤل، وشدّد على أن المطلوب اليوم تعزيز الصمود واستكمال تعاظم القدرات في كل محور المقاومة.
وفي كلمة له لمناسبة يوم القدس العالمي، لفت إلى أن النكبة أسست لقيام هذا الكيان الشيطاني الغاصب والظالم ولكل تداعيات وجود هذا الكيان في المنطقة. وتوقف عند الذكرى العشرين للانتصار التاريخي في 25 أيار الذي كان انتصارًا كبيرًا جدًا على طريق القدس وعلى طريق تحرير فلسطين. ورأى أنه لا يحق لأي أحد أن يهب فلسطين للصهاينة، فهي ملك للشعب الفلسطيني ولا يوجد أحد لديه تفويض لذلك. وتابع: “القدس هي من مسؤولية الأمة، والمقاومة بكل أشكالها وحدها السبيل لتحرير الأرض والمقدّسات، بينما كل الطرق الأخرى مضيعة للوقت ولا تؤدي إلاّ إلى طريق مسدود”. وذكر السيد نصر الله الأسباب التي ستؤدي قطعاً إلى زوال كيان العدو، بدءًا من الاستنزاف الدائم والصراعات الداخلية التي نشهدها في كيان العدو اليوم والتي تتعاظم، وحالات الفساد وصولًا الى قمة الهرم، وتراجع دولة المركز أي “أميركا”. وأوضح أن “الإسرائيليين” يرون بترامب فرصة تاريخية لهم ويسعون للاستفادة من فرصة وجوده في البيت الأبيض. واعتبر أن من جملة الرهانات “الإسرائيلية” الفاشلة هو الرهان على حرب أميركية على إيران، حيث كان نتنياهو يدفع بقوة في هذا الاتجاه وفشل وباءت آماله والقادة الصهاينة بالخيبة. قال السيد نصر الله إنه “رغم التهويل ما زال الاعتقاد السائد أن أميركا وإيران أبعد ما يكونان عن الحرب، نتيجة قوة إيران وخوف أميركا من حرب غير معروفة النتائج”.
وعن الدعم الأميركي لـ “إسرائيل” أوضح السيد نصر الله أن أميركا تسخّر نفوذها وعلاقاتها الدولية وقوتها وكل ما تملك من أجل تفوق “إسرائيل” وتفرض ذلك على الحكومات والدول العربية.
وفي اليمن، أكد الفشل الأميركي – الإسرائيلي والسعودي في العدوان، بل بالعكس تعاظمت القوة اليمنيّة في محور المقاومة بحيث أصبح لديها دفاع جويّ وقوات عسكرية تستطيع من خلالها تحرير مساحات ضخمة بحجم دول. ورأى أن هذا الفشل في اليمن كانت له انعكاساته على صفقة القرن، إذ إن هزيمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هي ضربة أساسية لنجاح صفقة القرن.
وفي لبنان، أكد السيد نصر الله أن الكيان “الإسرائيلي” يتعاطى بشكل حذر ويخشى الذهاب الى حرب، كما يحسب ردات فعل المقاومة. وأشار إلى الرهان “الإسرائيلي” على التطورات الداخلية والاقتصادية والعقوبات الأميركية، وعلى انقلاب بيئة المقاومة عليها.
وتوقفت مصادر مطلعة عند الكلمات المتتالية لكن من رئيسي المجلس النيابي والحكومة والسيد نصرالله في أقل من 48 ساعة إضافة الى لقاء الرئيسين بري ودياب، مشيرة الى أن خطاب السيد نصرالله شكل خريطة طريق لمحور المقاومة في المرحلة المقبلة والخطيرة التي تعيشها المنطقة وأن الصراع مستمر بتوازنات جديدة وبعناوين محددة وهي العقوبات والحرب الاقتصادية والتجويع. اما كلمة الرئيس بري فكانت رسائل مشفّرة باتجاهات عدة، فهو أدرك بأن المواجهة الإعلامية والسجالات السياسية لن تؤدي الى نتيجة والأفضل العودة الى السياسة التي هي باطن الأزمات الحقيقي. فكانت دعوته الى مواجهة الاحتلال الطائفي المذهبي الذي يعشعش في جوهر النظام السياسي وهذه مقاربة متقدّمة من زعيم سياسي خبر الحياة السياسية في لبنان. والرسالة الثانية الى الحكومة بأن عليها البدء بالأفعال وليس البقاء بالأقوال، وشكلت دعوته لتصحيح العلاقات السورية اللبنانية والعودة الى العمق السوري الاستراتيجي بالنسبة للبنان المظلة السياسية للحكومة للتوجّه الى المحيط العربي لا سيما السوري وأهمية ذلك في إنقاذ اقتصاد لبنان وصولاً الى حد التكامل الاقتصادي والوجودي بين دول وشعوب المنطقة ما يمنحها مناعة وقدرة أكبر على الصمود بوجه الضغوط والحصار الخارجي.
ودعا الحزب السوري القومي الاجتماعي الى تحصين إنجاز التحرير، بتأكيد التمسك بعناصر قوة لبنان المرتكزة على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وبرفض الضغوط التي تمارس على لبنان بواسطة العقوبات الاقتصادية للدفع نحو مزيد من إشغال لبنان بالفوضى.
وفي بيان أصدرته عمدة الإعلام في الحزب لمناسبة عيد المقاومة والتحرير لفت الى أن تزامن عيد المقاومة والتحرير هذا العام مع مناسبة يوم القدس العالمي، إنما يعزز ثقافة المقاومة والتحرير، وخيار مقاومة الاحتلال ومواجهة التطبيع، ودعا الشعوب العربية إلى مواجهة الأنظمة التي تذهب صاغرة للتطبيع مع العدو، وإعادة الاعتبار للموقف المناصر للمسألة الفلسطينية، التي تتعرّض لخطر التصفية من جراء صفقة القرن المشؤومة وبتواطؤ من قبل أنظمة عربية معروفة.
ولفت الحزب الى أن “تحصين التحرير يتمّ عن طريق اعتماد اقتصاد الإنتاج، بديلاً عن اقتصاد الرشوة المسمّى اقتصاداً ريعياً. والمطلوب جرأة القرار بالسير على طريق المعالجات الإنقاذية، ونحن لا نرى إنقاذاً للبنان من تداعيات العقوبات الاقتصادية الأميركية، ومن التعسّف في الإجراءات التي تحول دون حصول لبنان على المساعدات دون شروط، إلا بقيام مجلس تعاون مشرقي للتآزر والتعاون والتساند الاقتصادي وعلى كلّ المستويات وأمام لبنان فرصة كي يذهب في هذا الاتجاه الصحيح كخيار إضافي أضمن للإنقاذ”.
في غضون ذلك، واصلت الحكومة أمس، مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي. كما تم تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق وتدقيق الأرقام الواردة في خطة الحكومة المالية والاقتصادية.
أما على صعيد إجراءات ضبط التهريب وإقفال المعابر غير الشرعية، فأوقفت وحدة من الجيش في منطقة الهرمل شخصين، وضبطت شاحنة وبيك آب محملين بمواد غذائية على الحدود اللبنانية – السورية الشمالية. كما تم توقيف شخص آخر أثناء تهريبه سيارة هيونداي إلى الأراضي السورية. كذلك ضبطت بيك آب بداخله سلاحان حربيان نوع كلاشينكوف. من جهة أخرى، تم إقفال 5 معابر غير شرعيّة تستعمل للتهريب، وذلك من خلال وضع بلوكات اسمنتية ورفع سواتر ترابية. وقد أُحيل الموقوفون مع المضبوطات إلى الجهات القضائية المختصة.
وتوقفت مصادر نيابية عند عمليات تهريب المازوت من لبنان الى سوريا بكميات كبيرة تقدر بآلاف الأطنان، متسائلة مَن يغطي مثل هذه العمليات الكبيرة التي يقدر ثمنها بملايين الدولارات؟
والتأمت هيئة مكتب المجلس النيابي برئاسة بري وناقشت جدول الأعمال للجلسة العامة المرتقبة في الأسبوع المقبل بعد عيد الفطر وقبل انتهاء العقد العادي للمجلس النيابي، ومن أبرز البنود موضوع العفو العام الذي درسته اللجان المشتركة.
وأشارت مصادر نيابية لـ”البناء” الى ان “المجلس النيابي سيبادر الى تشكيل لجان تحقيق برلمانية على ما أقدمت عليه لجنة الأشغال النيابية، بحيث تدرس كل لجنة الأخبار والاتهامات لعمليات هدر وفساد وترفع النتيجة الى الهيئة العامة للمجلس للفصل في الموضوع واتخاذ التدبير اللازم”.
وبقيت العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله بعد التوتر الذي ساد بينهما خلال الأيام القليلة الماضية محل اهتمام سياسي وسط قراءات متباينة حول تحليل أبعاد كلام رئيس التيار جبران باسيل ونائب التيار زياد اسود وانعكاساته على العلاقة بين الطرفين على المستويين القيادي والشعبي.
ولفتت أوساط مطلعة على صلة بالتيار والحزب الى أن العلاقة التي تجاوزت محطات صعبة تعاني من أزمة صامتة هذه الأيام، لكن العلاقة لن تتجاوز الخطوط الحمر في ظل وجود الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصر الله في سدة القيادة، رغم أن ما قاله أحد النواب خطير وسابقة في مواقف التيار منذ توقيع وثيقة مار مخايل بين عون ونصرالله.