بدت مفارقة لافتة للغاية ان تختار الحكومة توقيتا لانخراطها في مسارين تفاوضيين خارجيين يتصلان بسعيها الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وإحياء مقررات مؤتمر “سيدر” متزامنا مع إعادة فتح المؤسسات العامة والخاصة، كأنها ارادت المخاطرة دفعة واحدة ورصد أصداء مغامرتها ونتائجها سواء على صعيد تلقي ردود الفعل الدولية في شأن مد لبنان بالمساعدات، او على صعيد رصد التجربة الجديدة لفتح البلد ونتائجها سلبا اوايجابا في مسار احتواء الانتشار الوبائي لفيروس كورونا. واذا كانت نتائج فتح البلاد بمعظم مؤسساتها العامة والخاصة تنتظر هذه الايام الفاصلة عن نهاية الأسبوع الحالي حيث بداية أيام عيد الفطر، فان “الرصد” الأولي للمناخات الديبلوماسية المتصلة بفتح مسارات التفاوض مع ممثلي الدول المعنية بمؤتمر “سيدر” لم تفض الى تلك المفاجأة السارة التي كانت تتوخاها الحكومة ولو انها ستعوض عن هذه الحصيلة بزعم حصولها على تشجيع ممثلي دول معينة مثل فرنسا للخطة المالية التي وضعتها. ذلك ان الجولتين النهارية والمسائية من المفاوضات التي أجراها رئيس الحكومة حسان دياب مع فريق من الوزراء مع ممثلي الدول والمنظمات الدولية المعنية بمتابعة تنفيذ مؤتمر “سيدر” بعد سنتين ونيف من انعقاده في باريس ومن ثم الجولة الثانية من المفاوضات التي اجراها مساء الفريق اللبناني برئاسة وزير المال غازي وزني مع فريق صندوق النقد الدولي من خلال اجتماع إلكتروني، افضيا كما علمت “النهار” الى نتيجة أساسية بارزة بات على الحكومة ان تتصرف بهديها من دون أي لبس او اجتهاد حيال مواقف الدول والمنظمات المالية الدولية. هذه النتيجة مفادها ان أي تقدم يرجوه لبنان في السعي الى الحصول على مساعدات خارجية من أي مصدر كان، صار رهنا للمسار الأول الأساسي المتصل بمفاوضاته مع صندوق النقد الدولي. وحتى مقررات “سيدر” السابقة لانطلاق مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي بسنتين، صارت بدورها، وكما ثبت امس حتى من كلمتين مهمتين اكتسبتا ايحاءات واضحة لكل من السفير الفرنسي برونو فوشيه والسفير المكلف مواكبة تنفيذ مقررات “سيدر” بيار دوكان مرتبطة ارتباطا عضويا لا فكاك، بنتائج مفاوضات الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي بما يعني ان مقررات “سيدر” صارت مقطورة وراء قاطرة صندوق النقد الدولي وليس العكس. ولعل النتيجة البارزة الأخرى في هذا السياق ان كلام السفير الفرنسي خلال الاجتماع الذي عقد في السرايا عن أهمية رسم اطار اولي في الأسابيع المقبلة في ظل مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي يمكن على أساسه البحث في رزمة مشاريع تقررت في مؤتمر “سيدر” وتعتبر من الأولويات الملحة للبنان، يؤكد ما أوردته”النهار” امس من اتجاه الى خفض القيمة التمويلية للمشاريع الملحوظة في المؤتمر الى نحو خمسة مليارات دولار، ولو تحت شعار العمل على الأولويات الملحة أولا. وقد برزت في هذا السياق اشارة السفير فوشيه الى الوضع التفصيلي القاتم الذي يجتازه لبنان اذ لفت الى ان مؤتمر”سيدر” ما زال يشهد اشد المراحل تفاقما مع تسارع في انهيار الليرة اللبنانية كما في تطرقه الى التضخم والى الواقع المصرفي وإعادة تشديده مرات على الإصلاحات والشفافية. كما ان السفير دوكان الذي تحدث من باريس حذر من ان “كل تأخير في الإصلاحات ستكون له انعكاسات سلبية جدا على الواقع اللبناني” وركز على ثلاث نقاط أساسية هي التزام الجداول الزمنية لتنفيذ الإصلاحات واولها في قطاع الكهرباء، والشفافية والمباشرة في العمل على صعيد مكافحة الفساد، وضرورة الاستثمار في لبنان وقيام الأطراف الدوليين بالمساعدة من خلال توفير التمويل وإظهار الشفافية المطلقة في الأداء.
اما الجولة الثانية من المفاوضات بين الفريق اللبناني وفريق صندوق النقد الدولي فجرت مساء وشارك فيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى جانب وزير المال وفريق ممثلي رئاستي الجمهورية والحكومة والمستشارين. ووسط إحاطة هذه الجولة بكتمان حيال ما جرى خلالها، أفادت المعلومات القليلة التي تسربت عنها انها استمرت نحو ساعة ونصف الساعة وتركزت مناقشاتها وأبحاثها على الحسابات المتصلة بمصرف لبنان، وستعقد جولات التفاوض بشكل دوري بمعدل جولتين او ثلاث جولات أسبوعيا. وتحدثت المعلومات عن نشوء رابط بين المفاوضات الجارية بين لبنان وصندوق النقد الدولي ومسارات تفاوضية ومالية أخرى مثل مسار “سيدر” وكذلك مسار التفاوض بين لبنان ومجموعة الدائنين وحملة سندات الاوروبوند بما يؤكد تأثير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على المسارات الأخرى.
تعيين ام تريث؟
وعلى الصعيد السياسي الداخلي لم يعرف ما اذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب قد توافقا على طرح موضوع تعيين محافظ جديد لمدينة بيروت في جلسة مجلس الوزراء اليوم في ظل التفاهم على اختيار اسم من ثلاثة أسماء يفترض ان يطرحها وزير الداخلية ويجري اختيار واحد منها والا يغدو مرجحا ان توكل اعمال المحافظ موقتا الى محافظ آخر بالوكالة. وكان اجتماع لعدد من الشخصيات الوزارية والنيابية والسياسية الارثوذكسية عقد امس في مطرانية بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس لم يصدر عنه أي بيان بل تداول خلاله المجتمعون مسالة حقوق الطائفة وموضوع محافظ بيروت بناء على أجواء اللقاء الذي عقد قبل أيام بين رئيس الجمورية ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة. ولعل البارز في هذا السياق ان مستشارة رئيس الحكومة بترا خوري التي كان الرئيس حسان دياب متمسكا بتعيينها في منصب محافظ بيروت سارعت بعد الاجتماع الأرثوذكسي امس الى الإعلان انها زارت الرئيسين عون ودياب وأبلغتهما انها لا ترغب في في ان يتم تداول اسمها في ما خَص منصب محافظ بيروت.
اليوم الأول
وسط هذه الاجواء بدا التكهن صعبا بما ستؤول اليه تجربة تخفيف إجراءات التعبئة في ظل نتائج تجربة اليوم الأول من فتح البلد امس والتي لم تكن مشجعة ابدا لجهة احترام إجراءات الحماية الشخصية وقواعد التباعد الاجتماعي بدليل احتلال مشاهد التراصف الكثيف للمواطنين امام المصارف او بعض المؤسسات وخلال بعض الاعتصامات والتظاهرات التي حصلت امس. كما ان منسوب الإصابات بفيروس كورونا ارتفع على نحو ملحوظ اذ بلغ مجموع العدد التراكمي 931 حالة مع تسجيل 20 حالة جديدة بينها أصابتان لمقيمين تبين انها من جديدة القيطع و18 حالة لعمال بنغاليين يقيمون في مبنى واحد في رأس النبع وأثارت إصاباتهم ذعرا في المبنى ومحيطه.وقررت بلدية بيروت ان تنقلهم الى مبنى آخر لتمضية فترة الحجز الصحي فيه.