قالت مصادر في وزارة الصحة إن منهجيّة التعامل مع التفشي المحدود والمعلوم السبب لوباء كورونا، تقوم على الحظر الجزئيّ والموضعيّ واعتماد الفحوصات الكاشفة للعينات لتحديد دوائر الملاحقة لحصر التفشي واحتوائه، خصوصاً بعدما تبين من مراقبة أيام الحظر العام والفحوصات المرافقة أن لامبررات للاستمرار فيه، وأن المتابعة المطلوبة في الحظر هي موضعيّة وجزئيّة، والمطلوب معها استمرار التقيد بالإجراءات الوقائية التي يجب التأقلم مع بقائها طويلاً، في ظل المعطيات المتوفرة من تقارير منظمة الصحة العالمية حول المواجهة مع الفيروس، التي تحمل جداولها أرقاماً توحي بتراجع التفشي في دول كانت أساسية في صعود الرقم العالمي كحال إسبانيا وفرنسا، لكنها تحمل تصاعداً موازياً في نسب الإصابات في دول ذات عدد سكان كبير كروسيا والهند والبرازيل، وهي لم تبلغ بعد قياساً بالمقارنة مع مثيلاتها الذروة التي تتيح القول بأننا نقترب من الخروج من دائرة الخطر.
رئيس الحكومة أعلن العودة عن إجراءات التشدد في الإقفال، مع التشدّد في إجراءات الوقاية، بعد اجتماع تقييمي للجنة مكافحة كورونا بعد الاستماع لتقرير وزيري الصحة والداخلية، بينما قرر وزير التربية طارق المجذوب التراجع عن خطته لمواصلة العام الدراسي في ضوء تكرار موجات الصعود والهبوط في مسارات الإغلاق والفتح بالتناسب مع عدم الاستقرار في الخط البياني للإصابات، معلناً عن إلغاء الامتحانات الرسمية لشهادة البكالوريا، بعدما كان قد ألغى سابقا الامتحانات الرسمية لشهادة البريفيه.
في قضية سعر صرف الدولار التي كانت محور الملاحقات القضائية التي طالت عدداً من الصرافين وبلغت ذروتها بتوقيف أحد كبار موظفي مصرف لبنان المعنيين بسوق الصرف مازن حمدان، تطوران بالتوازي يرسمان أفق التزامن، الأول الإفراج عن حمدان الذي سبق وقرّر المدعي العام المالي علي إبراهيم توقيفه بجرم التلاعب بسعر الصرف وشراء الدولار للمضاربة على الليرة اللبنانية، والثاني اتجاه تراجعي لسعر الدولار في السوق، حيث كسر السعر نزولاً عتبة الـ 4000 ليرة ليبلغ سعر الـ 3500 ليرة مع توقعات ببلوغه اليوم سعر الـ 3200، تطبيقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سابقاً برعاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، عبر ضخ كمية من الدولارات لتأمين استيراد السلع الاستهلاكية تعادل الكمية التي يحصل عليها مصرف لبنان من خلال وضع يده على التحويلات الآتية عبر شركات نقل الأموال وشرائها بسعر 3200 ليرة، والاتفاق الذي لم ينفذه مصرف لبنان، بل عمد للعمل بعكسه فبدلاً من قيامه بضخ المزيد من الدولارات قام بسحب الموجود منها بأسعار مرتفعة متسبباً بالموجة الأخيرة من ارتفاع سعر الصرف، يبدو أنه سيوضع موضع التطبيق من اليوم، بالتزامن مع تمويل عمليات الاستيراد المرخصة بموجبة إجازة استيراد من وزارة الاقتصاد، تتيح لاحقاً للوزارة مراقبة التقيد بأسعار المبيع للسلع الأساسية.
على الصعيد السياسي كانت مناسبة ذكرى اتفاق 17 أيار، عنواناً للمواقف السياسية للكثير من الأحزاب والشخصيات، التي استعادت المعاني والعبر لمرحلة الاحتلال، واتفاق الذل الذي قاومه وتصدّى له أصحاب السيادة الحقيقيون بالتعاون مع سورية التي ساندت نضال اللبنانيين بوجه الاحتلال، وتوقفت المواقف في الذكرى عند أهمية تأكيد التمسك بخيار المقاومة، والعلاقة الاستراتيجية مع سورية، كثنائية حققت للبنان الانتصار. وأصدر الحزب السوري القومي الاجتماعي موقفاً بالمناسبة دعا فيه إلى مواجهة أوهام الحياد والنأي بالنفس، والتمسك بخيار المقاومة، ورفض مشاريع التلاعب بالعلاقة بين لبنان وسورية عبر مشاريع نشر قوات دولية على الحدود.
إلى ذلك، أعلن رئيس الحكومة حسان دياب عن إعادة فتح البلد جزئيّاً على أن تعلن التفاصيل من قبل وزيري الداخلية والتربية.
ولفتت مصادر «البناء» الى أن «التقييم المشترك بين وزيري الصحة والداخلية لفترة الإقفال العام جاءت إيجابية نسبياً لجهة التزام المواطنين واتاحة المجال لوزارة الصحة والاجهزة الامنية لاحتواء صدمة انتشار الوباء نتيجة بعض حالات التفلت المجتمعي»، موضحة أن «وزارة الصحة تمكنت من تحديد الأشخاص المصابين والمناطق التي يتواجدون فيها والأشخاص الذين احتكوا معهم وبالتالي عملت على حجر هؤلاء الاشخاص وعزل بعض المناطق والحالات المشتبه بإصابتها». كما كان تقييم وزير الداخلية ووزير الاقتصاد بضرورة فتح المحال التجارية مع اقتراب عيد الفطر مع التقيد بالإجراءات الوقائية لا سيما وضع كمامات ومع رقابة امنية مشددة مع تأكيد معلومات أمنيّة بالتشدّد بقمع المخالفات وتسطير محاضر تصل قيمتها للمليون ليرة». وعلمت «البناء» أن القوى الأمنية تلاحق بعض المغتربين المخالفين لالتزام الحجر الصحيّ. وكانت القوى الأمنية واصلت إجراءاتها لضبط المخالفين لقرار حظر التجول، وأقامت حاجزاً أمس على اوتوستراد الضبية للتحقيق مع سائقي السيارات الذين لم يلتزموا بقرار التعبئة العامة.
وقال عضو كتلة التنمية والتحرير د. قاسم هاشم لـ«البناء» الى أن «الإجراءات وحالة التعبئة العامة وضعت حداً للتفشّي المجتمعي وبقيت الأمور في إطارها الطبيعي، ولكن يجب الاستمرار في ضبط الوضع كي لا يعود التفلت ونعود الى توسّع التفشي وندخل في مرحلة أخطر خاصة أن الخوف من أسبوع ما قبل العيد الذي ستزدحم خلاله الأسواق وما قد يتركه ذلك من أثر سلبي».
في غضون ذلك، تستكمل المفاوضات بين الوفد الرسمي اللبناني مع ممثلي صندوق النقد الدولي في شأن خطة التعافي الاقتصادي التي وضعتها الحكومة، ويعقد اليوم الاجتماع الثاني عبر تقنية الفيديو بمشاركة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تغيّب عن الجولة الأولى. وسيشرح سلامة بحسب المعلومات بالتفاصيل والأرقام الدقيقة وجهة نظره من الأوضاع الاقتصادية والمالية، علماً أن ممثلي المصرف المركزي قدّموا في الاجتماع الاول معلومات ومعطيات لوفد الصندوق مخالفة لمعطيات ممثلي رئسي الجمهورية والحكومة ووزير المال ما يعكس الخلاف بين الطرفين يعكس بدوره اعتراض حاكم المصرف على الخطة الاقتصاديّة الحكوميّة.
وتشير مصادر «البناء» الى أن «انقسام الموقف اللبناني سيؤثر سلباً على قرار صندوق النقد لجهة تقديم الدعم اللازم للبنان»، وتلفت الى وجود أكثر من رأي في الوفد اللبناني. فهناك ممثل رئيس الجمهورية ولديه تحفّظات على الخطة الحكومية إضافة الى ممثل رئيس الحكومة ووزير المال وهناك رأي آخر لممثل المصرف المركزي». وتوضح أن «المفاوضات ستشهد جولات وستمتدّ الى أشهر وستكون شاقة ومعقدة أما المساعدات فستأتي على دفعات وكل دفعة سترافقها شروط مالية وربما سياسية»، وأبرز تلك الشروط التي يُصرّ عليها الصندوق بحسب المصادر «تحرير تدريجي لسعر صرف الدولار وإعادة هيكلة القطاع العام وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وفرض بعض الضرائب». في المقابل حذر خبراء اقتصاديون وماليون من «فرض ضرائب جديدة في ظل هذا الانكماش الاقتصادي وتدهور القوة الشرائية للرواتب وتردي اوضاع المؤسسات والشركات التجارية».
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه لـ«البناء» انزعاجه من انقسام الموقف اللبناني في المفاوضات مع صندوق النقد، داعياً الى وحدة الموقف لتقوية الموقف التفاوضي للوفد اللبناني لتأمين شروط نجاح التفاوض والحصول على أموال لإنقاذ الاقتصاد. وأضاف الرئيس بري أن نجاحنا في اي مرحلة وإزاء اي قضية هو مقاربتنا بوحدة الموقف الداخلي»، مشيراً الى المفاوضات التي خاضها لبنان لمواجهة الضغوط الخارجية بموضوع الحدود البرية والبحرية بوحدة الموقف الداخلي استطعنا ان نفرض إرادتنا وبهذه الوحدة نستطيع دائماً أن ننتصر، فوحدتنا أساس نجاحنا وانصاراتنا في كل الأزمات والملمات».
الى ذلك أثار إخلاء سبيل مدير العمليات في مصرف لبنان مازن حمدان الموقوف بتهمة التلاعب بالعملة الوطنية تساؤلات عدة، لا سيما أن المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم كان قد وجه اليه تهم التلاعب بالنقد الوطني وشراء الدولار من الصرافين بأسعار مرتفعة. وكان لافتاً التزامن بين اجتماع القاضي إبراهيم مع الحاكم رياض سلامة وانخفاض ملحوظ بسعر صرف الدولار وإخلاء سبيل حمدان. ما يدعو للتساؤل هل من تسوية ما حصلت في هذا الملف تقضي بدفع سلامة تحت ضغط الملاحقات القضائية التي تمّت لمدراء يدورون في فلكه مقابل التدخل لخفض سعر صرف الدولار مقابل ختم القاضي إبراهيم للملف؟
ولفت الخبير المالي د وليد أبو سليمان لـ«البناء» الى أن «التلاعب بسعر صرف الدولار عبر المضاربات والاحتكارات محدودة التأثير على سعر الصرف، لأن المشكلة أبعد من ذلك وتكمن بشح الدولار من السوق، وبالتالي طالما لم تجد الدولة موارد لضخ الدولار بكميات كبيرة في السوق لتأمين حاجات المستوردين والصناعيين لن نشهد تراجعاً بسعر صرف الدولار»، متوقفاً عند الخسائر في مصرف لبنان 70 مليار دولار وفي المصارف التي تفوق مبلغ الـ 80 مليار دولار». وأكد ابو سليمان على أن ودائع اللبنانيين مفقودة في المصارف بعكس ما يحاول قطاع المصارف تظهيره، وإلا لماذا لا تبادر المصارف لإعطاء اصحاب الودائع ودائعهم؟