بعد شهرين تماما من إعلان حال التعبئة العامة لمواجهة انتشار فيروس كورونا في لبنان، عاد اللبنانيون امس الى زمن الحجر المنزلي القسري لأربعة أيام يتوقف على نتائجها من حيث رصد الواقع الوبائي القرار الحكومي في شأن المرحلة اللاحقة، الامر الذي أعاد الازمة الوبائية الى مقدم الأولويات الضاغطة والملحة في الأسابيع المقبلة. ولكن هذا التطور على دقته وخطورته لم يحجب التخبط الواسع الذي انكشفت معالمه في سياق القرارات والخطوات التي تدفع بها الحكومة تباعا على نحو شديد التخبط والعشوائية منذ اضيئت الإشارة الخضراء لبدء المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، وهي عشوائية ارتسمت معالمها تباعا في الأيام الأخيرة من خلال الاستفاقة المفاجئة للحكومة على ملفات طالما شكل الإحجام عن مواجهاتها المسبب الأكبر في النزف المالي التصاعدي على غرار ما يشكله ملف تهريب المواد الأساسية المدعومة من الدولة الى سوريا، كما في ملف الكهرباء الذي شكل السبب الأكبر للتنامي الخيالي للعجز المالي والمديونية في ظل كلفة مخيفة توازي الخمسين مليار دولار. هذان الملفان ظلا في التحجير والتجاهل والحمايات الى ان بدأت المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، فاذا بهما يطرحان فجأة على طاولتي المجلس الأعلى للدفاع ومجلس الوزراء، ولكن ليس بما يطمئن اطلاقا عمق المعالجات المطروحة وجديتها مقدار ما ترتسم معالم لعبة دعائية لدغدغة المفاوض المالي الدولي فيما تحوط الشكوك العميقة الآليات المطروحة لمعالجة هذين الملفين. فبعدما أثيرت انتقادات وشكوك واسعة حول القرارات المتخذة بالنسبة الى انهاء ازمة التهريب عبر المعابر غير الشرعية على الحدود الشرقية مع سوريا والتي زاد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من صحتها عبر موقفه المشكك بقدرة الجيش على ضبط هذه الحدود، جاء امس دور ملف انشاء معامل انتاج الكهرباء الذي طرح بنمط مماثل. فقد وافق مجلس الوزراء على مذكرة التفاهم مع الشركات الراغبة في انشاء معامل الكهرباء وسط ظروف لا تزال تطغى عليها الشكوك الواسعة داخليا وخارجيا في إدارة ملف الكهرباء من دون ان تبدأ عملية تصحيح السياسات الكهربائية بتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء ولا مجلس الإدارة الجديد لمؤسسة الكهرباء. ولا تغيب عن هذا الخطوات الأجواء التي تعكس التجاذبات المتصاعدة بين اجنحة السلطة حيث بدت مرة أخرى امس مداخلة رئيس الحكومة حسان دياب في جلسة مجلس الوزراء اشبه بمضبطة اتهامية في “حق مجهول” قضائي او رسمي او سياسي لم يسمه دياب هذه المرة اسوة بمضبطته الهجومية السابقة التي استهدفت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ذلك ان دياب تناول ملف التحقيقات في ملفي الصيارفة والفيول المغشوش من زاوية ان “الحكومة لن تتدخل في هذه التحقيقات ولكن من حق اللبنانيين ان يعرفوا” سبب ارتفاع سعر الدولار ومن يتلاعب بالعملة الوطنية ونتائج التحقيقات في الفيول المغشوش وقال من دون ان يوضح الجهة المعنية “اللبنانيون لن يسكتوا عن أي محاولة لتمييع التحقيقات وعلى كل شخص متورط ان يتم توقيفه فليس هناك متهم بسمنة ومتهم بزيت ولا احد على رأسه ريشة”.
ولم يعرف ما اذا كان موقف دياب مرتبطا بتطور قضائي حصل ليلا اذ أفادت معلومات ان النائب العام المالي علي ابرهيم طلب توقيف مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان مازن حمدان في ملف التلاعب بسعر الدولار.
وعند مناقشة مجلس الوزراء بناء المعامل في ثلاثة مواقع هي الزهراني ودير عمار وسلعاتا، والتي تبدي أربع شركات اهتمامها ببنائها هي سيمنز وجنرال الكتريك وانسالدو وميتسوبيشي، وقع خلاف بين وزير الطاقة ريمون غجر ووزراء “امل” “وحزب الله” حول اولوية المواقع في بدء عملية البناء.
وزير الطاقة اراد ان يترك للشركات حرية اختيار الموقع دون تقييدها بمرحلة أولى بموقعي الزهراني ودير عمار، وترك سلعاتا لمرحلة ثانية. ووزراء “امل” “وحزب الله” اعترضوا بحجة ان موقع سلعاتا مكلف ويحتاج الى استملاكات فيما الدولة تملك في الزهراني ودير عمار. هذا الخلاف حسمه الرئيس دياب بطرحه الموضوع على التصويت، فايد خمسة وزراء محسوبون على “التيار الوطني الحر” غجر، مقابل اكثرية اعترضت انضم فيها وزراء المردة والطاشناق الى وزراء “امل” و”حزب الله”.
وبنتيجة ذلك اعطي وزير الطاقة موافقة بالتفاوض مع الشركات شرط البدء من الزهراني، على ان يعود الى مجلس الوزراء لتوقيع الاتفاق.
وفيما أعلنت وزيرة الاعلام إن أولوية التفاوض على التفاهمات مع الشركات ستبدأ في مرحلة أولى من معمل الزهراني يليها دير عمار ولاحقًا إذا اضطر الامر سيتم البحث في مراحل أخرى، تحدث وزير الطاقة بعد الجلسة عن مسار واحد للمعامل الثلاثة، وانه يترك للشركات ان تحدد اي موقع يتقدم على الاخر انطلاقاً من دراساتها. واذا جاءه عرض بدير عمار او سلعاتا قبل الزهراني وكان عرضاً مهماً وواضحاً، يعود الى مجلس الوزراء وهو الذي يقرر.
اما في ما يتعلق باليوم الأول من العودة الى الحجر المنزلي الشامل في لبنان فبدا المشهد كأنه عودة الى بداية اعلان حال التعبئة قبل شهرين علما ان فترة الحجز الحالية محددة بأربعة أيام تنتهي فجر الاثنين المقبل. ومع الاقفال الشامل في كل المناطق سجلت وزارة الصحة امس ارتفاع مجمل الإصابات الى 886 حالة بعد تسجيل 8 إصابات جديدة. فيما سجل مستشفى رفيق الحريري الحكومي إصابتين من 408 فحوصات وتماثل عشر حالات جديدة للشفاء. وفي هذا السياق يرأس وزير الصحة حمد حسن اليوم اجتماعا للمجلس الصحي الأعلى وهو اكد خلال جلسة مجلس الوزراء امس ان فرق الطواقم الطبية التابعة للوزارة انتشرت في مختلف المناطق في اطار حملة واسعة لفحص المخالطين والمشتبه في اصابتهم وقال انه سيرفع الاحد المقبل تقريرا الى اللجنة الوزارية سيبنى على أساس وقائع الأيام الأربعة من الاقفال. واكد الرئيس دياب انه اذا تبين خلال فترة الاقفال الجديدة ان بؤر الوباء تشكل خطرا بالانتشار فسيتم تمديد الاقفال فترة إضافية وستجري وزارة الصحة فحوصات لمكامن البؤر وتحديد حجم الخطر. يشار في هذا السياق الى بدء الرحلات الجوية امس في اطار المرحلة الثالثة لإجلاء لبنانيين من الخارج ويقدر عدد الذين سيعادون الى لبنان بنحو 12 الفا.