تنطلق اليوم المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي بحثاً عن حل للازمة الاقتصادية والمالية في ضوء الخطة الاصلاحية التي أقرّتها الحكومة أخيراً، فيما استدعى تفشّي وباء كورونا مجدداً قراراً حكومياً بالاقفال العام للبلاد لمدة 4 ايام بدءاً من مساء اليوم، في وقت سجّل عداد وزارة الصحة 11 اصابة جديدة أمس وسط مخاوف من احتمال تزايد عدد المصابين في ضوء الفحوص المخبرية الجارية في المستشفيات والمراكز الصحية وعشوائياً في عدد من المناطق، خصوصاً في تلك التي سجلت فيها اصابات للمرة الاولى منذ بداية الأزمة.
على وقع الاقفال العام للبلاد نتيجة الانتكاسة الصحية الحاصلة على صعيد أزمة كورونا، تبدأ اليوم الجولة الاولى من المفاوضات بين السلطات اللبنانية ووفد صندوق النقد الدولي، في محاولة للوصول الى اتفاق يسمح بتمويل خطة الانقاذ الحكومية. لكنّ المعلومات والمؤشرات تؤكد انّ المفاوضات قد تكون طويلة وشاقة.
ويرى المراقبون انّ الحكومة صاغَت خطة تحتوي على كثير من الفجوات التي ستحتاج الى وقت للاتفاق على تعديلها. وتُطرح علامات استفهام في شأن بعض البنود التي «قد يصعب تحقيقها، والبعض الآخر طُرح بنحو متسرّع بهدف الانتهاء من إعداد الخطة والانتقال سريعاً الى مرحلة التفاوض مع صندوق النقد»، بحسب تأكيد أحد خبراء الاقتصاد لـ»الجمهورية».
ولعل النقطة المثيرة للجدل أكثر من سواها، تلك المتعلقة بالتفاؤل غير المبرّر من خلال ما ورد في الخطة لجهة اقتراح الحكومة البدء في رفع تدريجي للقيود على حركة رأس المال اعتباراً من العام 2021، في حين «انّ رفع القيود لا يمكن ان يحصل السنة المقبلة لأنّ الوضع المالي للبنان لا يسمح بخسارة مزيد من الدولارات وخروجها من البلد قبل تصحيح ميزان المدفوعات، خصوصاً انّ لبنان يحتاج الى هذه الدولارات لتمويل الاستيراد، بما يطرح علامات استفهام حول الجدوى من هذه الخطوة»، كما يقول الخبير الاقتصادي، لافتاً الى «انّ النسخة النهائية للخطة شَطبت بند تكليف شركة عالمية التدقيق في حسابات العاملين في الشأن العام من سياسيين وعائلاتهم وذويهم (peps) والذين يملكون ما يزيد عن المليون دولار، بما يدلّ الى الضغط السياسي الذي مورِس لوَقف التدقيق في الحسابات المالية.
وعليه، من غير المنطقي الرهان على تقدّم سريع في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وسيكون امام الحكومة مرحلة صعبة من التفاوض حيث قد تعجز عن تلبية شروط الصندوق، بسبب «الفيتو» الذي قد تضعه المكونات السياسية التي جاءت بها.
وقالت مصادر تواكب الازمة لـ»الجمهورية» انّ «التعبئة العامة لمواجهة الأزمة الصحية التي انتكسَت في الأيام الأخيرة مطلوبة وفي محلها، لأنّ صحة المواطن اللبناني فوق كل اعتبار، ولكن ألا تستحق الأزمة المالية التي أوصَلت أكثر من نصف الشعب اللبناني إلى ما دون خط الفقر وجعلت النصف الآخر في حالة قلق على المصير، أن تعلن الحكومة أيضاً التعبئة العامة لمواجهة هذه الأزمة الكارثية المتدحرجة من السيئ إلى الأسوأ، بدلاً من هذا التعاطي السلحفاتي والنظري مع أزمة غير مسبوقة في لبنان؟ واعتبرت «أنّ عدم التزام شريحة واسعة من اللبنانيين الحجر الصحي سببه الوضع المعيشي في ظل سعيها الى البحث عن لقمة عيش تجنّبها العوز والجوع، إلّا أنّ هذا الأمر ليس تبريراً للتفلّت من الحجر، ولكن هذه هي الحقيقة، خصوصاً انّ الأزمة المالية سبقت بكثير الأزمة الصحية، وبات المواطن اللبناني خائفاً على مصيره ولم يعد هناك من شيء يخسره، وبات على استعداد للمجازفة بصحته بحثاً عن لقمة عيش لأولاده وعائلته، ما يستدعي من الحكومة بذل أقصى جهدها لإخراج لبنان من الانهيار».
وقالت مصادر متابعة للأزمة لـ»الجمهورية» انّ «الحكومة تخطئ إذا اعتقدت انّ إنقاذ لبنان يكون من خلال الاتّكاء على مساعدات لن تأتي في حال لم تحزم الحكومة أمرها برزمة إصلاحات عملية وسريعة وقابلة للتنفيذ، فالإنقاذ من مسؤولية اللبنانيين أولاً وأخيراً، كما انّ الفشل الذي أصاب لبنان هو من مسؤولية الأكثرية الحاكمة التي أوصلت البلد إلى هذا الدرك». ورأت هذه المصادر أنّ «الوقت اليوم ليس لتقاذف التهم والمسؤوليات، إنما الوقت للإنقاذ، خصوصاً انّ أولوية المواطن اللبناني ليس للانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، بل الانحياز إلى تأمين قوته في ظل غلاء فاحش ومراقبة غير موجودة للأسعار ودولار يستمر صعوداً وغياب للخطوات المطلوبة». وأكدت المصادر أنّ «المطلوب اليوم وبإلحاح إعلان التعبئة العامة المالية وتوفير الإجماع السياسي على خطوات سريعة تشكّل مصلحة للجميع، تلافياً لسقوط الهيكل على رؤوس الجميع، فالبلاد اليوم ليست في وضع طبيعي لكي تستمر المعالجات ببطء وانتقائية واستنسابية وغب الطلب».
وكان مجلس الوزراء ناقش في جلسته أمس جدول اعمال من 13 بنداً. وعلمت «الجمهورية» انّ وزير الصحة حمد حسن عرض في بداية الجلسة للوضع المستجد حول كورونا، طالباً اعلان الاقفال العام، واقترح اعادة النظر في رحلات عودة المغتربين من الخارج طالباً ان تكون يوماً بعد يوم وليس رحلات متتالية في اليوم الواحد، فحصل نقاش في هذا الامر بين جميع الوزراء، ورأى وزير الخارجية ناصيف حتي انّ تعديل مواقيت الرحلات ربما سيخلق إشكالات بالنسبة الى الحجوزات والاذونات مع الدول التي ستنطلق منها الطائرات. ورفض حتي اقتراح وزير الصحة، مؤكداً على ضرورة التشدد في ملاحقة المغتربين ومراقبتهم للتأكد من انهم يلتزمون الحجر المنزلي الصحيح تحت طائلة المسؤولية، وتقرّر التشدّد مع الدول التي أظهرت الرحلات التي أتت منها وجود اصابات وكانت فحوص الـ pcr فيها ايجابية.
وإذ طُلب من وزيري الداخلية والدفاع السهر على تنفيذ اجراءات التشدد المتخذة للوقاية من الوباء، سأل وزير التربية عن امكانية تأثير الحالة المستجدة في هذا المجال على فتح المدارس والجامعات التي سبق وأعلن مواقيت اعادة فتحها. فطُلب منه التريّث في انتظار حصيلة الاقفال العام، وفي ضوء النتائج يتخذ القرار المناسب.
ثم انتقل مجلس الوزراء الى نقاش جدول الاعمال، فقرر في البند الاول ان يُصار الى تعديل تقديم طلبات لدورات التراخيص في المياه البحرية ونموذج اتفاقية الاستكشاف والانتاج، حيث أصبح في إمكان الشركات ان تتقدّم الى هذه الدورات عبر الشبكات الالكترونية المحمية او عبر البريد الالكتروني وإعفائها من الحضور الشخصي بعدما كان في السابق اشتراط بتقديم الطلبات حضورياً.
وأثناء البحث عن هذا البند، فاجأ رئيس الجمهورية مجلس الوزراء بقوله انّ زعيم تيار «المرده» الوزير السابق سليمان فرنجيه «قال انّ لديه معطيات بعدم وجود غاز في لبنان، وهذا الأمر ترك جواً من التشاؤم. انا لا اعرف من أين أتى بمعلوماته لكنها غير دقيقة، ولقد انعكست سلباً على البلد». فردّ الوزير ميشال نجار مدافعاً عن فرنجيه، وقال: «معلومات فرنجيه أتت من شركة «توتال»، وفرنجيه يتمنى ان يكون هناك نفط ولم يكن يقصد أبداً النظرة التشاؤمية».
وعلمت «الجمهورية» أنّ سجالاً حصل بين وزير الصناعة عماد حب الله ووزير الاقتصاد راوول نعمة حول موضوع تعويض القطاعات الانتاجية السياحية والزراعية والصناعية، فتدخل وزير الصحة حمد حسن مُسانداً حب الله، ما أدى الى توتر في الجلسة.
وكان مجلس الوزراء اتخذ قراراً بالإقفال العام لمدة 4 ايام بدءاً من مساء اليوم الاربعاء وينتهي صباح الاثنين المقبل. وإذ طالب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مستهلّ الجلسة بـ»تشديد الرقابة على أماكن الحجر الصحي، وبتعاون جميع المعنيين لتأمين نجاح اجراءات الوقاية المتخذة في المناطق اللبنانية كافة»، قال رئيس الحكومة حسان دياب: «سنتخذ الاجراءات الفورية التي تحفظ أمننا الصحي بلا مخاطرة. وبناء عليه، سنعود إلى الإغلاق الكامل في الداخل لمدة 4 أيام، اعتباراً من مساء الأربعاء 13 أيار، وحتى صباح الإثنين 18 أيار، حتى تتمكّن فرق وزارة الصحة من إجراء الاختبارات وعزل جميع الحالات التي ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية بسرعة». وشدد على مكافحة ارتفاع الاسعار ومحاسبة بعض التجار الجشعين. وتوقف عند ارتفاع سعر الدولار الاميركي، فقال: لقد طلبت سابقاً من وزير الداخلية ومن القوى الأمنية التشدّد في ضبط مخالفات الصيارفة، وهذا ما حصل فعلاً ويجب أن يكون واضحاً لكل من يريد التلاعب بالعملة الوطنية أنه سيحاسب. كذلك طلبت من حاكم مصرف لبنان، قبل فترة، ضَخ دولارات في الأسواق للجم ارتفاع سعر صرف الدولار عبر تحقيق حد أدنى من التوازن، وهذا الأمر ضروري وهو من مسؤولية حاكم المصرف المركزي».
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» انّ «الورشة الإصلاحية المالية التي اضطرّت الدولة إلى الانكباب عليها بسبب الانهيار الحاصل، يجب ان تقود إلى قيام الدولة، لأنّ أحد أبرز أسباب الانهيار الحاصل يكمن في تآكل مؤسسات الدولة وتغييب دورها وغياب الرقابة والفشل في الإدارة واستغلال الحيّز العام لمنافع شخصية وفئوية».
وقال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ألان عون لـ»الجمهورية» ان «الخطة الاقتصادية للحكومة تتخطى كونها مشروع قانون إلى موضوع وطني شامل. وبالتالي، فإنّ ملاحظات النواب على هذه الخطة ضرورية، وإنّ معرفة موقف الكتل النيابية منها أيضاً مسألة مهمة، خصوصاً أنّ هناك اختلافاً على نقاط عدة فيها، منها تحميل الخسائر لفئة معينة وتقييمها. لذا، فإنّ النقاش في مجلس النواب هو من باب تصويبها».
وعلى وقع الحملات الإعلامية التي اضاءت على حجم تهريب المحروقات والطحين المدعوم الى سوريا، دعا رئيس الجمهورية المجلس الاعلى للدفاع الى اجتماع عند الثالثة والنصف بعد ظهر اليوم للبحث في الاجراءات الواجب اتخاذها لضبط التهريب عبر المعابر.
وتزامناً مع التحضيرات لهذا الاجتماع رصدت المراجع المعنية سلسلة من الإجراءات الميدانية التي باشَرتها المديرية العامة للجمارك عبر المراقبين والمفتشين والوحدات التابعة لها، حيث نشرت دورياتها للمراقبة وتَعقّب شاحنات القمح والمحروقات بعد التحقق من مصادرها ووجهتها على مختلف الطرق الدولية بين بيروت والبقاع ومن بيروت في اتجاه طرابلس فالحدود اللبنانية – السورية في اتجاه المعابر الساحلية، وفي اتجاه منطقة وادي خالد والمعابر الشمالية المؤدية الى الأراضي السورية.
من صندوق المفاجآت الذي يحطّ على طاولة مجلس الوزراء كل مرة وبلا كمامات ولا قفازات، خرجت واحدة وَصَفها احد الوزراء بـ»التمريقة»، اذ أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبَيل اختتام الجلسة انّ آلية التعيينات التي احالها مجلس الوزراء في جلسة سابقة الى لجنة لمناقشتها والاتفاق عليها مخالفة للدستور، وانّ هناك مادة دستورية تعطي المختَصّ حق اقتراح الاسماء التي يريدها، وسأل الوزراء كيف تريدون التعيينات طالباً اقتراحات، وجزم عون خاتماً النقاش بالقول: «انّ أصول التعيين هي أن يسمّي الوزير 3 اسماء يرفعها الى مجلس الوزراء، واذا ما اراد أو فضّل اعتماد آلية معينة كما فعلت وزيرة الاعلام فهذا الموضوع اختياري».
واعتبرت مصادر وزارية انّ كلام عون هذا هو «اعلان صريح لنسف آلية التعيينات»، مستغربة «توقيت الالتفاف عليها الآن فيما تخضع التعيينات لتجاذبات كبيرة»، وسألت: «هل هذا مدخل للسيطرة على الادارات العامة، وخصوصاً في الفئة الاولى حيث سيعيّن كل وزير من يريد ويقترح من يفضّل من دون معارضة، كون جميع الوزراء سيكون لديهم حق التعيين في المراكز الشاغرة داخل المؤسسات الخاضعة لسلطة وزاراتهم.