لم يُطفئ إعلان الخطة الاصلاحية الحكومية نار الغلاء المعيشي وجنونه المتصاعد بذريعة ارتفاع سعر الدولار، ما استدعى انعقاد مجلس الوزراء في جلسة استثنائية أمس اتخذ خلالها مجموعة من التدابير لمكافحة الغلاء ولجم الاسعار تبقى مرهونة بالتنفيذ، فيما أعطى المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم إشارة الى دائرة التحري بتوقيف نقيب الصرافين محمود مراد بتهمة التلاعب بسعر صرف الدولار، وذلك بعد إضراب الصرافين عن العمل. وفي سياق آخر، أعلن صندوق النقد الدولي انّ وفداً منه سيزور لبنان الاسبوع المقبل لبدء محادثات مع الحكومة حول خطتها الاصلاحية وبرنامج المساعدة الذي يطلبه لبنان من الصندوق.
وعلى رغم انّ غالبية القوى السياسية باتت تسلّم بجدوى التعاون مع صندوق النقد الدولي سبيلاً لمعالجة الازمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة، فإنّ الوضع الداخلي بَدا انه يقف على ابواب جولة جديدة من النزاع السياسي دلّت إليه مواقف نارية أطلقها الرئيس سعد الحريري في غير اتجاه، متّهماً خصومه من دون ان يسمّيهم مباشرة بالعمل لاغتياله سياسياً. فيما برز موقف أميركي لافت من الخطة نَسبته قناة «إل بي سي آي» الى مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد شينكر، قال فيه: «أعتقد انه سيكون أمراً حاسماً للحكومة اللبنانية أن يكون الى جانبها ليس فقط ائتلافها أو ما يسمّى بائتلافها الذي يتضمن «حزب الله»، بل ان يكون الى جانبها الشعب اللبناني الذي سيخضع للتقشّف الذي توصي به».
وفي ما خصّ الاصلاحات والشفافية ومكافحة الفساد، قال شينكر: «سررتُ بأنه تم وضع خطة أخيراً على الطاولة وتقديم طلب الى صندوق النقد يظهر انّ الأمور تتحرك»، لافتاً الى أنّ «هناك بعض الأمور التي ستطلبها بلا شك المؤسسات المالية الدولية من قبل حكومة لبنان من أجل الإفراج عن التمويل وهذه طبيعة برامج صندوق النقد».
ومن المتوقّع ان تبدأ الاسبوع المقبل المشاورات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، حول طلب لبنان برنامج مساعدة. ولهذه الغاية، سيزور وفد من الصندوق بيروت، وفق ما أفاد المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، لافتاً إلى أنّ «المحادثات ستتركّز حول الخطة الاصلاحية للحكومة اللبنانية»، ومؤكداً أنّ «المهم بالنسبة الى صندوق النقد الدولي هو الاصلاحات التي تؤمّن الاستدامة وإعادة الاستقرار والنمو في لبنان ولمصلحة اللبنانين».
وفي غضون ذلك، بدأت تتكشّف أكثر فأكثر الشروط والاجراءات التي قد يطلبها صندوق النقد للموافقة على تمويل خطة الانقاذ التي وضعتها الحكومة اللبنانية.
وفي السياق، كشف غربيس إيراديان، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي IIF، لـ»الجمهورية»، انّ هذه الشروط تشمل تطبيق السلطات اللبنانية لإجراءات مسبقة، من أهمها:
1 – توحيد أسعار الصرف الرسمية والموازية، والانتقال إلى ادارة تعويم سعر الصرف كما هي الحال في مصر.
2 – الموافقة على بعض المراسيم أو القوانين التي عُرضت على مجلس النواب، بما في ذلك قانون استقلالية القضاء وتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ومجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان؛ وقانون المشتريات العامة.
3 – إغلاق كل المعابر غير الشرعية ومكافحة التهريب.
4 – فرض غرامات على الاملاك البحرية غير القانونية.
5 ـ بالاضافة الى ذلك، هناك إجراءات تقنية ترتبط بمعايير الأداء الكمي، تشمل إجمالي النقد والائتمان والاحتياطيات الدولية والسلوك المالي. بالاضافة الى معايير لها علاقة بالحد الأدنى للعجز الاولي، الحد الأدنى لإجمالي الإيرادات، وغيرها…
وفي هذا الصدد أكد رئيس الجمهورية ميشال عون أمام زواره أمس «انّ التفاوض مع صندوق النقد الدولي ضروري لتعزيز فرص الخروج من نفق الازمة، وربما سيكون علينا أن نتقبّل بعض الشروط القاسية التي قد يطرحها الصندوق مقابل مساهمته المالية، ليس لأنّ تلك الشروط يطرحها هو، بل لأنها تخدم مصلحة الدولة اللبنانية وتدفعنا في اتجاه اتخاذ قرارات مؤجلة». وقال: «سنطرح على الصندوق والمجتمع الدولي مسألة الكلفة الباهظة المترتبة على لبنان جرّاء النزوح السوري».
في غضون ذلك أكد الرئيس سعد الحريري، بعد اجتماع لرؤساء الحكومة السابقين في «بيت الوسط» أمس، أنه «مرتاح للموقف الذي اتخذه بعدم المشاركة في لقاء بعبدا»، لافتاً إلى أنه «بعد إقرار الخطة الاقتصادية في مجلس الوزراء كان يجب مناقشتها في مجلس النواب، إلا أنّ ما حصل هو التفاف على اتفاق الطائف»، مذكّراً بأنّ «سبب مشاركته في لقاءات الحوار السابقة كان بهدف إرساء الاستقرار السياسي والأمني في البلد».
وأضاف: «يجب درس الخطة الاقتصادية مع صندوق النقد الدولي، لأنّ لبنان بحاجة إلى سيولة من الخارج، وهذا سيستغرق 6 أشهر». وقال: «إنّ الدولة هي التي استدانت 90 مليار دولار، وهم يريدون أن يلقوا المسؤولية على حاكم مصرف لبنان والمصارف وعلى الجميع، ما عدا الدولة».
وقالت مصادر اطّلعت على أجواء لقاء الرؤساء السابقين للحكومات، لـ»الجمهورية»، انهم أجروا جولة أفق في التطورات المحلية والإقليمية وارتداداتها على لبنان، وتوقفوا عند الظروف التي رافقت الدعوة الى لقاء بعبدا النيابي وما انتهى إليه.
وبعد قراءة متأنية للخطة الإقتصادية في اللقاء الذي استمر ساعة، إنتهى المجتمعون الى اعتبار «انّ قرارهم بالاجماع بمقاطعة لقاء بعبدا كان صائباً وفي مكانه وشكله ومضمونه وتوقيته. فالمرحلة لا تتحمّل اللقاءات التي لا يمكن ان تُفضي الى اي نتيجة عامة تخدم مصلحة لبنان، وتؤدي الى اعادة ترميم علاقاته التي ساءت الى الحدود الدنيا مع العالمين العربي والغربي، وخصوصاً مع الدول والمؤسسات المانحة التي سيكون لها موقف متشدّد هذه المرة مع الحكومة وخطتها، والتي لا تلبّي معظم الشروط المطلوبة.
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» انّ «أي لقاء حواري ضمن المؤسسات الدستورية هو موضع ترحيب، ولكن شرط ألّا يتحوّل حواراً من أجل الحوار، خصوصاً في ظروف مأسوية كالتي يعيشها لبنان وتتطلّب خطوات عملية وسريعة لإنقاذه».
ورأت هذه المصادر «انّ الحكومة مطالبة بأمرين أساسيين:
الأول، الأخذ بالملاحظات المالية والدستورية والقانونية والسياسية التي وضعت على الخطة، إن من قبَل القوى السياسية أو من جانب جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية، وذلك بغية تعديل الخطة في ضوء هذه الملاحظات من أجل ان تتحوّل خطة وطنية وقابلة للتنفيذ.
والثاني، أن تنتقل فوراً إلى الترجمة العملية من خلال خطوات معروفة توجِّه من خلالها رسالتين في اتجاهين: الأولى في اتجاه صندوق النقد الدولي بأنّ الحكومة حزمت أمرها وهي جادّة في التنفيذ، الأمر الذي يفتح باب التعاون معها من خلال إمدادها بالعملة الصعبة، علماً أنّ لبنان هو بأمسّ الحاجة إليها.
والرسالة الثانية إلى اللبنانيين في الداخل والخارج بما يعيد الثقة المفقودة ويدفعهم إلى المساهمة في ورشة الإنقاذ».
وكان مجلس الوزراء قرر مواجهة غلاء الاسعار بقوة، لكنه نَسي او تناسى انه أضعف من الدولار، السيف المُسلط على رأسه وعلى رقاب جميع كل اللبنانيين. وفي وقت اتّخذ في جلسته أمس، التي خصّصها للبحث في تفلّت الاسعار وغلاء المعيشة، 17 إجراء معظمها لا يصرف عند التجار وخصوصاً المحتكرين والمستغلّين الاوضاع الاقتصادية الصعبة، أقرّ التدبير السابع من التدابير الامنية لمكافحة الفساد، والذي حصلت «الجمهورية» على مضمونه.
وكشفت مصادر السراي الحكومي لـ»الجمهورية» انه يتم تحضير دفعة من التعيينات التي لا تحتاج الى الآليات المُرتقب قَوننتها في المجلس النيابي، وخصوصاً تعيينات محافظ بيروت الذي تنتهي ولايته بعد ايام ورئيس مجلس الخدمة المدنية وكذلك التعيينات المالية، لأنها لا تنتظر التوافق السياسي حولها وإنما تنتظر آلية خاصة بهذا التعيين تعتمد على الكفاية والنزاهة. وكان رئيس الحكومة قد اجرى سلسلة اتصالات وتلقّى عدداً آخر منها تؤكّد دعم خيار اعتماد النزاهة وتقديمه على المعايير الطائفية والسياسية.
وعلمت «الجمهورية» ان لا نية على الاطلاق للتمديد لمحافظ بيروت الحالي زياد شبيب وقد اتخذ القرار نهائياً في هذا الشأن، ولكن الاسماء المطروحة لخلافته لم تنضج بعد.
وكان دياب قد أشار في مستهل الجلسة الى «أنّ التحدي كبير وخطير، فارتفاع الأسعار بات غير معقول، وخصوصاً أسعار المواد الغذائية. واستغرب ارتفاع أسعار المنتجات اللبنانية والخضار، وقال: «نحن أمام مواجهة حقيقية مع موجة الغلاء، ولا يجوز أن نبقى مكتوفي الأيدي كأننا غير معنيين. ومن غير المقبول ألّا نتصرّف بسرعة، لأنّ الأمور ستخرج عن السيطرة أكثر، فقد أصبح التسعير مزاجياً وغير مدروس ولا علاقة للأسعار بارتفاع سعر صرف الدولار». ودعا إلى وضع خطة سريعة لضبط فلتان الأسعار، وقال: «من الضروري أن نمنع بعض التجار من التحكّم بأسعار المواد الغذائية».
وعلى صعيد جائحة كورونا أعلنت وزارة الصحة العامة في تقريرها اليومي أمس «تسجيل 34 حالة جديدة مُصابة بفيروس «كورونا» المستجد، ليرتفع العدد التراكمي للإصابات منذ 21 شباط الماضي إلى 784 حالة». وأوضحت أنّه «تمّ تسجيل إصابة واحدة بين المقيمين خلال الساعات الـ24 الماضية، و33 حالة بين الوافدين من كلّ من نيجيريا، قطر، الإمارات والسعودية»، لافتةً إلى أنّه «تمّ تسجيل 5 حالات شفاء جديدة، ما يرفع عدد حالات الشفاء من الفيروس إلى 220. في حين لم تُسجّل أي حالة وفاة جديدة خلال الساعات الـ24 الماضية». وذكرت الوزارة «أنّها أجرت 1302 فحص «كورونا» للمقيمين، و6748 فحصاً للوافدين عند الوصول».