لعلّها ليست مغالاة أن يتقدم القلق حيال تسجيل 36 إصابة لبنانية أمس بفيروس كورونا معظمها من الوافدين من بلدان الانتشار عبر الرحلات الجوية المنظمة لهذه الغاية، وهو أعلى عدد يومي منذ فترة طويلة، على مجريات لقاء قصر بعبدا الذي كاد ينحصر بـ”جحا وأهل بيته” لولا الإختراق اليتيم في حضور رئيس حزب “القوات اللبنانية ” سمير جعجع ومشاركته في اللقاء ركناً وحيداً من أركان المعارضة.
الواضح أنّ اللقاء الذي سمّي رسميّاً “لقاء وطني” لم يضف أي جديد على المجريات المرتبكة والترددات المتشابكة سياسيّاً وماليّاً واقتصاديّاً للخطة المالية والاقتصادية للحكومة التي بات يمكن الجزم موضوعيّاً أنّها لا تلقى الصدى الإيجابي الواسع إلّا في نقاط محددة وقليلة أبرزها التوجه نحو المفاوضات مع صندوق النقد الدولي فيما معظم بنودها واتجاهاتها الأخرى تثير الكثير من التحفظات والاعتراضات والرفض حتى من قلب مكونات الحكومة، كما برز في النصف الثاني من ورقة ملاحظات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل المتصل بسلبيات الخطة.
أمّا التطور الذي طغى على لقاء بعبدا واقعياً، فتمثل في تحوّل حضور جعجع المثير للانقسام بين مؤيدي حضوره ومعارضي هذا الحضور إلى حدث نجومي سجلت فيه لجعجع مبادرة متقدمة جدا للتمايز تكراراً عن حلفائه القدامى في المعارضة في الأسلوب والمقاربات ولو اتفقوا في مضمون المواقف، إذ نظر إلى حضوره المؤيدون كأنّه التزام بالنظام والمعارضة من ضمن احترام القواعد الديموقراطية بما يمنحه سمة مميزة. ولكن سجلت على حضوره أيضاً في المقابل تحفظات عريضة لا يمكن تجاهلها. فالمشهد الذي أظهر جعجع وحده وراء طاولة بعبدا مع اركان الحكم والحكومة وغالبية ممثلي قوى 8 آذار باستثناء الوزير السابق سليمان فرنجيه الذي قاطع اللقاء مع الزعماء المقاطعين والغائبين الآخرين بدا في خلفيته عاكسا للواقع الحقيقي الذي يظلّل البلد في ظل التفرد الذي يدير عبره تحالف العهد وقوى 8 آذار البلاد وكانت آخر تجليات هذا التفرد الخطة نفسها التي دعا رئيس الجمهورية رؤساء الكتل والأحزاب إلى لقاء بعبدا للاطلاع عليها ومناقشتها بغية الحصول على غطاء سياسي واسع لها.
وبذلك أطلقت صورة جعجع وسط هذا المشهد العنان للتحليلات والتقديرات على الغارب سلباً وإيجاباً وهو الأمر الذي لن يتوقف عند حدود انتهاء لقاء بعبدا بل سيتواصل في اتجاهات عدة أبرزها: الحسابات الأبعد من الخطة المالية أي الحسابات المارونية المارونية المتصلة بمعركة رئاسة الجمهورية، والواقع المتصل بالمعارضة في ظل حضور جعجع أمس وقبلها زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لقصر بعبدا قبل يومين من موعد اللقاء الموسع، وبين الحسابات السياسية مدى تأثير هذه المجريات على الخطة الحكومية نفسها التي باتت تحاصر أكثر فأكثر بالتحفظات الكثيفة سواء من القوى السياسية أو الهيئات الاقتصادية والمالية والمصرفية، وهنا الأهم من مجلس النواب الذي شكلت جلستان للجنة المال والموازنة لمقاربة الخطة أبلغ دليل على اتساع الاعتراضات والتحفظات التي تنتظرها لدى إحالة مشاريع القوانين المتعلقة بها على البرلمان. وفي ظل هذا الواقع فإنّ البيان الختامي الذي صدر عن لقاء بعبدا لم يتخذ أي بعد تنفيذي مهم لأنّه بدا بمثابة تكرار رتيب لبيانات الحكومة التي تشيد بنفسها وتثني على قراراتها ولولا اعتراض جعجع على البيان الذي ثبت في نهاية البيان لكان أشبه ببيانات بمقررات مجلس الوزراء.
اما جعجع، فحرص على تخصيص وقت غير قصير للصحافيين في القصر بعد اللقاء فبرر حضوره بقوله “أنا هنا بحكم مسؤولياتنا جميعاً في هذه المرحلة وأننا في صلب المعارضة ولسنا مؤيدين لسياسات العهد ومنبر القصر الجمهوري هو لجميع اللبنانيين والعماد عون هو أكثر من سمى القصر الجمهوري قصر الشعب”. ثم انبرى مهدّداً ومفنّداً ملاحظاته واعتراضاته على الخطة التي ضمنها ورقتين للقوات، وأعلن أنّه “قبل أي خطة علينا أن نضع حدّاً للوعاء المثقوب فهذه الدولة ليست مختلفة عن تلك التي كانت في السابق ولم نرَ من الحكومة الحالية حتى اللحظة أي خطوة عملية على المستوى الكبير”.
في غضون ذلك، كشف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش أمس أنّ “سفراء مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان والبنك الدولي بحثوا خطة الحكومة للتعافي الاقتصادي بالتفصيل بالإضافة إلى الإشكاليات التي تعيق اصلاح قطاع الكهرباء وتدهور الوضع الاجتماعي في لبنان واطلعوا على مجريات جلسة مجلس الأمن التي عقدت الاثنين حول القرار 1701 بما في ذلك انتهاكات القرار وعدم تطبيقه”.