لم يكن غريباً أن تثير الخطة المالية والاقتصادية التي أقرتها الحكومة في “يوم تاريخي” أصداء متفاوتة وردود فعل مختلفة في قابل الأيام . ولكن أبرز التطورات اللافتة التي أعقبت هذه الخطوة تمثل بموقف بارز وبالغ الأهمية لجمعية المصارف التي سارعت مساء أمس أي بعد 24 ساعة فقط من إقرار الخطة في مجلس الوزراء إلى إعلان موقف اتسم بأهمية استثنائية لجهة رفض هذه الخطة وتفنيدها من منطلق السلبيات والأخطار التي تتضمنها بل أن موقفها بلغ ذروة التحذير والرفض حين طالبت الجمعية نواب الأمة برد الخطة ومحاسبة من وضعها . واتخذ هذا التطور بعداً دقيقاً وجدياً للغاية لكون جمعية المصارف لم تحصر ردها السريع على الخطة بتفنيد الأخطار والسلبيات التي تتضمنها على المصارف والمودعين فحسب بل لاأها سبقت سائر القوى السياسية والحزبية والفعاليات الاقتصادية والمالية الأخرى في تحديد موقف يصعب جداً على السلطة كما على سائر القوى والفعاليات تجاهل خطورته لدى مراجعتها لهذه الخطة وتحديد مواقفها منها. ومع أن كتلة المستقبل لم تحدد موقفها التفصيلي بعد من الخطة فإن بيانها أمس وانتقاداتها العنيفة لرئيسي الجمهورية والحكومة رسمت بدورها سقفا ليس لمصلحة الخطة الحكومية بما يعني أنه من اليوم وحتى الأربعاء المقبل موعد اللقاء الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رؤساء الكتل النيابية لاطلاعها على الخطة والوقوف على مواقفهم منها ستكون لوحة الموقف الداخلي بمعظم مكوناته قد اكتملت .
إذن يمكن وصف البيان الذي أصدرته جمعية المصارف مساء أمس بأنه الصدمة الأولى الأشد حدة للخطة الحكومية التي كشفت الجمعية أنها كانت “انفرادية ولم تتم استشارة الجمعية أو إشراكها فيها مع أن الجمعية هي جزء أساسي من أي حل”. وفي تفنيدها للخطة حذرت الجمعية من أن “عملية إعادة الهيكلة المحلية كما وردت فيها من شأنها الإمعان في تقويض الثقة بلبنان محلياً ودولياً”.
ولفتت إلى النهج العقابي والانحياز الذي يبرز فيها على حساب المصارف إلى ملاحظات كثيرة أخرى. وأخطر ما تضمنه بيان الجمعية برز في ختام البيان إذ اعتبرت أن الخطة تحمل “توجهات تصب في تشريع دولة اللاقانون ونأمل من ممثلي الأمة ردها ومحاسبة من تجرأ على صياغتها لتعديه على الأسس القانونية والدستورية التي قامت عليها الدولة اللبنانية”.
في أي حال لا تعتقد الأوساط المعنية برصد الاصداء التي تراقبها الحكومة على خطتها بأن بلورة هذه الأصداء ستكون متاحة بسرعة على المستوى الخارجي خلافاً للأصداء الداخلية التي يتوقع أن تتبلور تباعاً في الساعات والأيام القليلة المقبلة وعشية لقاء بعبدا الأربعاء المقبل . فرئيس الحكومة حسان دياب إمعاناً منه في إظهار حجم الرهان على الخطة سارع أمس بالذات إلى التوقيع مع وزير المال غازي وزني على الكتاب الرسمي لطلب مساعدة صندوق النقد الدولي للبنان واصفاً الخطوة تكراراً بأنها “لحظة مفصلية في تاريخ لبنان “. وإذ بدأ من البارحة رصد اتجاهات زعماء الأحزاب والكتل النيابية من حضور لقاء بعبدا والمواقف التي ستتخذ من الخطة فإن الموقف التي اتخذته كتلة المستقبل أمس لا يوحي بإيجابيات واعدة كما أن الموقف الآخر الذي أعلنه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وإن اتسم بتمايزه المستمر في موقفه عن قوى المعارضة الأخرى فانه لم يَصْب في حصيلته لمصلحة الخطة. وكانت كتلة المستقبل قد دعت “حكومة العهد” إلى “الكف عن ترداد معزوفة الثلاثين عاماًُ وتحمل مسؤولية تنفيذ ما اقترحته من حلول في خطتها ” وأوضحت أن الخطة ستكون في دائرة الدرس والرصد تحت سقف النظام الاقتصادي الحر وتامين مصالح اللبنانيين” كما لفتت رئيسي الجمهورية والحكومة إلى “ضرورة قراءة التاريخ القريب “مشيرة إلى تناسيهما الخطط الاقتصادية التي أقرت في مؤتمرات باريس ١و٢ و٣ ومؤتمر سيدر. وقالت إن “اللبنانيين ملوا من إخفاقات هذا العهد بقدر ما ملوا من أيامه التاريخية واعتباره أن التاريخ يبدأ به وينتهي معه وشبعوا من دونكيشوتية أزلامه”.
أما في الأصداء الخارجية فكان الموقف الفرنسي سباقاً إذ أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً اعتبرت فيه تبني الحكومة اللبنانية خطة اقتصادية وقرارها طلب برنامج صندوق النقد الدولي “قرارات مهمة لإيجاد حل للأزمة الكبرى التي تواجهها البلاد” وشددت على أنه “من الملح الآن أن يتم تنفيذ الإصلاحات الضرورية لانتعاش البلاد” موضحة أن “فرنسا تقف على أهبة الاستعداد لدعم جهود لبنان بالاتصال مع شركائه”.