اذا لم يكن ممكنا تجاهل أهمية البيان – الرد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على المضبطة الاتهامية التي وجهها اليه رئيس الحكومة حسان دياب الأسبوع الماضي ودلالاته في صراع غريب نادر بين رئيس حكومة وحاكم مصرف مركزي، فان ذلك لم يحجب إصرار الرئيس دياب في عز الاحتدام المالي والسياسي والاجتماعي على المضي في مسار التصعيد ضد المعارضة كأنه ما ان يقفل جبهة يندفع او يدفع نحو فتح جبهة أخرى جديدة. والحال ان مداخلة دياب امس في مجلس الوزراء وحتى لو صح ان لدى الأجهزة الأمنية أسماء من قاموا بأعمال شغب واعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة، عكست منحى الاستخفاف والاستسهال حيال اطلاق الاتهامات الجاهزة والمعلبة والمعدة مسبقا لديه في اتجاه معارضي الحكومة، كما لو انه يهرب الى الامام باثارة غبار المعارك العبثية التي لا تحجب استرهان جهات سياسية معروفة للتوجهات الحكومية ووجعلها واجهة تتخفى وراءها بما يضاعف مأزق الحكومة ورئيسها في الظهور مظهر حكومة فئوية تخدم سياسات أحادية. وما حملة دياب الحادة أمس واتهاماته المفخخة لجهات معارضة لم يجرؤ على تسميتها بصراحة، وكان عليه ان يفعل ذلك لإثبات صدقية الاتهام وتحدي من يسميهم الا للايحاء بان حكومته ليست هدفا للانتفاضة الغاضبة التي عادت الى الشارع عشية انتهاء فترة السماح المحددة بمئة يوم والزعم تكرارا ان الانتفاضة تستهدف السياسات السابقة فقط ولا علاقة لحكومته بمجريات دراماتيكية تدور أيضا مذ تولت الحكومة الحالية الإمساك بإدارة الازمات. ولعل المفارقة اللافتة ان الحكومة التي تتجه اليوم في جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد في قصر بعبدا الى انجاز إقرار الخطة المالية والاقتصادية الموعودة للقيام على أساسها بما كان يعتبر حتى الامس القريب من المحرمات أي اللجوء الى صندوق النقد الدولي بغية فتح الباب امام حصول لبنان على دعم مالي دولي في ازمته لم يشأ رئيسها التحصن وراء أجواء تحمي خطة حكومته بل ذهب نحو اثارة مزيد من مناخات التحدي. وجاء ذلك في معرض تناول دياب في جلسة مجلس الوزراء امس في السرايا ما حصل في طرابلس وبعض المناطق، وإذ اعتبر ان الشغب الذي حصل هو من “مؤشرات خطة خبيثة” عمد الى تحييد حكومته عن “صرخة الناس الطبيعية بعدما اكتشفوا ان السياسات الماضية أدت الى انهيار اقتصادي ومالي واجتماعي” واتهم “جهة او جهات بمحاولة التحريض وركوب الموجة وتشويه التحركات الشعبية..وهناك من يسعى الى الفتنة بين الجيش والناس…”.
يشار الى ان مواجهات محدودة تجددت بين الجيش والمتظاهرين ليل امس في طرابلس بعد انحسار خلال النهار كما شهدت صيدا والنبطية تجمعات احتجاجية امام فرعي مصرف لبنان في المدينتين كما أقيم تجمع امام مصرف لبنان في الحمراء. وسجلت تعزيزات للجيش ليلا على الطريق الساحلي بين جونية وجبيل. وسجل قطع العديد من الطرق بالإطارات المشتعلة في بيروت والبقاع ومناطق أخرى.
2 في المئة؟
وكان مجلس الوزراء أنجز معظم النقاط في الخطة المالية للحكومة وبقيت نقاط أساسية فيها عالقة في انتظار الجلسة التي ستعقد اليوم في قصر بعبدا. ويبدو واضحا وفق مصادر وزارية معنية ان الحكومة نالت اخيرا ضوءا اخضر من “حزب الله” للتوجه نحو صندوق النقد الدولي ضمن ضوابط جرى العمل عليها عبر التعديلات الشاقة التي أدخلت على الخطة المالية والتي يفترض ان تخرج اليوم الى النور. اما النقطة التي شغلت مناقشات مجلس الوزراء امس فتمثلت في اقتراح اثار انقساما وزاريا ويقضي باقتطاع نسبة 2 في المئة من الودائع المصرفية من 500 الف دولار وما فوق على ان يعوض على أصحابها بتملك اسهم في المصارف توازي القيمة المقتطعة. وسيعاد طرح الاقتراح اليوم وسط خشية واسعة من تداعياته باعتباره عملية “هيركات” يجري نفي اللجوء اليها يوميا على السنة المسؤولين. كما ان الوزراء لم يحسموا امس موضوع التحرير التدريجي لسعر صرف الليرة.
رد الحاكم
اما رد حاكم مصرف لبنان على سلامة فاتسم بدلالتين أولاهما التزام سلامة الى حدود بعيدة الرد التقني “البارد” بالأرقام والوقائع المالية باستثناء بعض ما طاوله مباشرة من اتهامات توسع قليلا في الرد على خلفيتها السياسية، وتجنبه نبرة ولغة السجالات السياسية السائدة بما ابرز ضمنا المقارنة بين حماوة الهجوم عليه من رئيس الحكومة وبرودة نبرته في الرد. وإذ شدد انه ملتزم القانون والتحدث بالأرقام شرح عمل المصرف المركزي وتركيبته والقواعد التي تحكم حساباته مؤكدا ان انظمته المحاسبية ليست خافية على احد وان لا معلومات مكتومة ولا أحادية قرارات انفاق في المصرف. وكشف انه سلم شخصيا رئيس الحكومة حسابات المصرف وحسابات التدقيق فيها في 9 آذار الماضي، وشدد على ان المصرف لم يكلف الدولة ليرة واحدة بل كان يحول أرباحه الى الدولة وانه قام بالهندسات المالية لكي تكسب الدولة وقتا لتنفيذ وعودها بالإصلاح لكن هذه الوعود لم تترجم لاسباب سياسية. وقال ان المصرف مول الدولة ولم يكن هو من صرفها وهناك مؤسسات دستورية وإدارية لديها مهمة الكشف كيف انفقت الأموال. كما فند الأموال التي قال دياب انها أخرجت من القطاع المصرفي ولم تخرج من لبنان وأعاد الطمأنة على ودائع المودعين وعلى المصارف نافيا الحاجة الى عملية هيركات. وأفادت “وكالة الانباء المركزية” ان بيان سلامة سيوزع على دول مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان والمنظمات المالية الدولية كما ان الحاكمية أعدت ملخصا مقتضبا عنه سيوزع اليوم.
الموقف الفرنسي
وفي السياق أفادت معلومات “النهار” ان محور الموقف الفرنسي من الاتجاهات المالية للبنان اكتسب أهميته الفعلية في الاتصال الذي اجراه وزير المال والاقتصاد الفرنسي برونو لومير بنظيره اللبناني غازي وزني وذلك من منطلق نقطتين: احداهما انه يجب ان يذهب لبنان الى صندوق النقد الدولي باعتبار ان الأخير هو الذي سيأتي بالدعم الدولي ولا مخرج من دونه. والثانية التزام الخطة الإصلاحية على قاعدة اكتساب الحكومة الصدقية اللازمة. وفهم ان وزني شكر الدعم الفرنسي وطلب من نظيره تفعيل مقررات “سيدر” والمساعدة في تمويل الاستيراد وكذلك دعم لبنان لدى صندوق النقد في ما يختص بمواجهة وباء كورونا.