العميد المتقاعد شارل ابي نادر-
تتسارع الاحداث الحساسة في لبنان ، بين ما تواجهه البلاد لناحية الوباء كورونا وخطورته ودقة التعامل معه ، مع ما يُسجل للحكومة من نقاط ايجابية في مواجهته ، وما بين ما تشهده الساحة السياسية والامنية الاقتصادية من تطورات غير مسبوقة ، لناحية الاشتباك الحار والصاخب والمباشر بين الحكومة وبين معارضيها ، او لناحية التوتر الامني المصاحب لحركات احتجاج واسعة ، بعد دخول البلاد وبامتياز ، في مرحلة الانهيار المالي والاقتصادي ، حيث أصبح الموضوع وبالنسبة لعدد غير بسيط من المواطنيين ، غير بعيد عن خطر الجوع وصعوبة تأمين لقمة العيش .
من ناحية اخرى وكالعادة ، يقوم الجيش اللبناني ، بالاشتراك طبعا مع باقي الاجهزة الامنية الاخرى ، بالتصدي لجميع هذه المشاكل والازمات من موقع راس الحربة ، بسبب امكانياته المتقدمة على باقي الاجهزة في العديد وفي العتاد ، وبسبب خبرته التي اكتسبها في هذه المجالات نظرا لكثرة المهمات التي نفذها ، والاهم ، بسبب قدرته على التدخل السريع والفعال نظرا لانتشاره الواسع في اغلب المناطق اللبنانية ، وخاصة في تلك التي تشهد المواجهات الحارة في الفترة الاخيرة .
بمعزل عن الاشتباك السياسي واسبابه ، وبمعزل عن موقف وهدف واجندة كل من الاطراف السياسية المعارضة او المواالية للحكومة ، وبمعزل عن ارتباطات التوتر الامني بالتجاذب السياسي او بالوضع الاقتصادي المتدهور ، فان الجيش اللبناني يتعرض وخاصة في الفترة الاخيرة ، لمواجهات صدامية غير مألوفة ، بدات تتطور لتصبح اقرب الى اعتداءآت خطيرة ، حيث تخطت موضوع التظاهر والاعتصام وقطع الطرقات ، لتصبح استهدافات مباشرة ومقصودة .
ما حدث بالامس وما قبله من اعتداءآت على الجيش اثناء تنفيذه مهمات حفظ الامن ، في طرابلس وفي البقاع وفي صيدا وفي بيروت ، وعلى الطرق الرئيسة او الفرعية ، وفي امكنة اخرى ، يوحي وكأن هناك اطرافاً بدات تعتبر - مخطئة طبعا - ان الجيش هو عدوها ، ف واخذت تتصرف على هذا الاساس ، فاقدم المعتصمون الغاضبون في طرابلس بالامس ، وبطريقة مدروسة ومحضرة وغير عفوية ، على رمي عناصر الجيش بالقنابل المسيلة للدموع من النوع المؤذي ، وبالحجارة الضخمة وعن مسافة قريبة وبشكل صائب على الرؤوس والصدور ، ( سقط للجيش اكثر من خمسين مصابا من الضباط والجنود ) ، وايضا تم استهداف آلياته بقنابل المولوتوف الحارقة ، حيث احترقت ناقلة جنود مدولبة .
ايضا ، ومع الاعتداء على عناصر الجيش ، عمدوا الى الاعتداء على الاملاك الخاصة والعامة بشكل ممنهج ومدروس ومخطط له ، ومن ضمنها قاموا بالاعتداء على عدد كبير من المصارف ، لناحية تكسير ماكينات سحب الاموال وواجهات الفروع ، او لناحية الحرق بالقنابل الحارقة او بصب المحروقات مباشرة على الواجهات واشعالها .
ازاء هذه الاعتداءآت المزدوجة ، على عناصره وعلى الاملاك العامة والخاصة ، تدخلت عناصر الجيش بقوة لمنع ذلك ، او للتخفيف قدر الامكان من الدمار والخسائر في الاملاك الخاصة والعامة ، مما تسبب بوقوع بعض الاصابات بين المدنييين ، وجراء تطور اصابة احدهم نتيجة مضاعفات صحية غير مرتبطة بالكامل بالاصابة ، توفي صاحبها في المستشفى .
طبعا ، اعلنت قيادة الجيش اسفها لحادث الوفاة ، وفتحت تحقيقا بالموضوع ، وفي نفس الوقت ، اعادت تذكير المواطنين وبطريقة مشددة ، بانها حريصة على حماية حق التظاهر والاعتصام السلمي ، وفي نفس الوقت اعلنت بانها لن تتهاون امام قطع الطرقات او امام استهداف عناصرها او امام الاعتداء على الاملاك الخاصة والعامة .
فهل يعلم هؤلاء المخربون بان تكسير المصارف هو لمصلحة اصحاب هذه المصارف ، حيث سوف يجدون في ذلك مبررا لاقدامهم على الاقفال المتكرر ومنع المواطنيين من الحصول على الحد الادنى الضروري من ودائعهم ؟ وهل يعلمون ان تكسير او حرق الفروع هو آخر هم عند جمعية المصارف ، حيث تصليحها تتكفل به شركات التأمين التي يملكونها ، وبان كل يوم اقفال للمصارف يؤمن لاصحابها وللمتورطين معهم من الصرافين فرصة اكبر لتهريب ودائع المواطنين وللمتاجرة بالدولار والتسبب برفع سعره ؟
هل يعلم هؤلاء الفقراء بانهم ، وبمعزل عن اعتدائهم على الجيش وعلى الاملاك العامة والخاصة ، هم ينفذون اجندة من ساهم وما يزال يساهم بافقارهم وبتجويعهم و بتعميق وتوسيع بطالتهم وبانهيار قيمة معاشاتهم وعملتهم ، والاهم ، برفع اسعار المواد الغذائية الضرورية لعيشهم ، والتي اصبحت بعيدة عن متناول يدهم ؟
يجب ان يعلم هؤلاء المخربون ان الجيش هو على مسافة واحدة من الجميع ، وانه قد برهن في جميع مهماته المشابهة ، وخاصة في المرحلة الاخيرة التي رافقت وتلت احداث 17 تشرين الاول من العام الماضي ، انه في موقع الحامي للمطالب المحقة ، خاصة وان عناصره هم من الشعب ، ويعيشون ذات الوضع المعيشي الصعب والحالة المالية الخانقة .
واخيرا ، يجب ان يعلم هؤلاء المعترضون والمعتصمون والمتظاهرون والصارخون الذين يكسرون ويحرقون ويعتدون على الجيش ، ان مسؤوليتهم تجاه انفسهم اولا وتجاه اهلهم وعائلاتهم ، ان يتخلوا عن وضع انفسهم وقودا لاجندة سياسية مافياوية كانت سبب تعاستهم ، وعليهم اليوم قبل الغد ، ان يقفوا وراء الحكومة الحالية ، حكومة الرئيس حسان دياب ، الوحيدة من بين جميع من سبقها من الحكومات ، والتي تجرأت وطرقت باب المحرمات وفتحت ملفات الهدر والسرقة ، بعد ان وضعت نصب اعينها مهمة مكافحة الفساد واعادة الامول المنهوبة والمهربة ، وتنفيذ خطة اقتصادية ، شفافة ، فعالة وغير مشبوهة .