كتب جوزف طوق في صحيفة “الجمهورية”:
المعكرونة بلحمة كانت اللحظة المفصلية في حياتي، وتحديداً عندما تذوّقتها عند أحد الأصدقاء، واكتشفت في تلك اللحظة أن أمّي لا تحضّر أشهى معكرونة في العالم، وإنما والدة صديقي تمتلك مهارات معكرونية تتفوّق بأشواط على أمّي. وكأنما أنا الذي تَربّيت على تصديق حقيقة كونية، بنيت عليها معتقدات وتحليلات وتفضيلات وأهداف، هكذا ومن أول لقمة، تلاشت في دماغي معكرونة أمّي ومعها كميّة غير قليلة من الإيمان الراسخ على طناجر وملاعق وصواني ستانلس، إتّضح أنها تحرتق أكثر مما تطرب العنفوان والشهامة.
أمي، بالمعكرونة، كانت فقط تريد إطعامي والاهتمام بي… لكن المجتمع حاول طوال سنوات إقناعي أنّ أمي كانت تريد اعترافاً منّي بأنها أمهر طاهية في العالم، وعلّمني أن أفضّل كل شيء يخصّها على أي شيء آخر في الدنيا… المجتمع، شَوّه رسالة أمي وشَوّه علاقتي بها، فهي لم تكن تدّعي في أي يوم أنها تحضّر أفضل صحن معكرونة، وجلّ ما كانت تريده هو إضافة عاطفتها في كلّ طبق حتى تريني مدى حبّها لي.
فهمتُ، وأخيراً، أنّ أمّي ليست الأفضل في كلّ شيء، ولكنها أفضل من يحبّني ويعتني بي.
أستطيع أن أحب أمي بلا شروط، وأستطيع بلا تفكير أن أبذل حياتي من أجلها. لن أتردّد ثانية في غسل رجليها ويديها والاعتناء بها وتقديسها وإضاءة شمعة أمام صورتها، لأنها علّمتني أنّ الحبّ ليس أعمى وإنما الغباء أعمى، وعلّمتني أنّ «بَيّ رفيقك في يكون أقوى من بَيّك»، ولقّنتني منذ الصغر أننا لسنا أفضل الناس، لأنّ جميع الناس خير وبركة.