وصفت مصادر متابعة الوضع السياسيّ المتشنّج الذي دخله لبنان وطغى على متابعة المواجهة مع وباء كورونا، بأنه تعبير عن عدم ملاءمة طرح تغيير حاكم مصرف لبنان مع الانقسامات التي تحكم الوضع اللبناني من جهة، ومن جهة أخرى في ظل عدم الثقة بغياب السعي لاستبداله بمعايير الأفضل للقطاع المالي وسعر الصرف، من قبل شركاء التيار الوطني الحر صاحب الطرح، بنياته تجاه هذا المركز الحسّاس، الذي يرتبط موقفه منه بالتسوية الرئاسية التي شارك فيها سابقاً وضمن خلالها استمرار سلامة، كما في ظل طريقة تعامله مع التعيينات الوزارية والإدارية والمالية مع حلفائه في الحكومة وخارجها بطريقة استئثارية، ما يجعل المخاطرة بمنحه التغطية لتغيير سلامة قفزة في المجهول لجهة ضمان توازنات بنية الدولة. وبالتوازي فإن ملف المال بتعقيداته وتشابكاته في ظروف أفضل من الحالية يستدعي أي تغيير فيه تشاوراً وطنياً وتوفير مظلة حماية للخيارات التي تتصل به، فكيف إذا كان مجرد التلويح بالتغيير قد أنتج حجماً من ردود الأفعال السياسية والطائفية بالحجم الذي وضع البلد أمام مخاطر كبيرة.
المصادر المتابعة دعت لتشاور سياسي يتيح التوصل لتفاهمات تحكم الملف المالي بعد إعلان الحكومة خطتها، لتحظى أي خطة معالجة بأرضية توافقية لا أفق للسير بأي خطوات كبرى على الصعيدين المالي والاقتصادي بدونها، خصوصاً أن الاحتكام للقضاء والمعالجات القضائية والأمنية في بلد كلبنان سبق وتم اختباره، وهو موسوم سلفاً بالكيدية ولا يؤدي إلا إلى المزيد من التشنجات التي لم يتحملها لبنان في ظروف البحبوحة فكيف في ظروف الإفلاس والانهيار. ودعت المصادر إلى التوقف أمام اللهجة العنيفة لمواقف كل من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وتحريكه للشارع على إيقاعها، وإلى كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي القاسي اللهجة بحق رئيس الحكومة دفاعاً عن حاكم المصرف، وصولاً إلى مضمون ما قاله النائب السابق وليد جنبلاط عن تحميل حزب الله مسؤولية عمل انقلابي بالتحالف مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر. وقالت المصادر إن التشاور المطلوب لا يجب أن تضيع فيه صرخة رئيس الحكومة حسان دياب بالدعوة للوضوح في العلاقة مع مصرف لبنان وفي أرقامه وتعاونه مع الحكومة، وهو أمر لا يكفي فيه خروج المصرف بتعميم يحدّد سعر صرف الدولار بـ3200 ليرة قد يضمن له حسن التنفيذ خلافاً لسابق تعاميمه، لأن المطلوب مسار جديد لا يتفق مع ما كان قائماً لجهة تفرّد مصرف لبنان بقوة الادعاء بأنه الضامن لتثبيت سعر الصرف والضامن لإدارة الدين، وكل من الأمرين لم يعد قائماً.
وفي سياق الدعوة لهذا التشاور لحظت المصادر معنى، إمساك رئيس المجلس النيابي للعصا من الوسط، لجهة دعوته لتصويب السياسات المالية، وعدم موافقته على التسرع بطرح تغيير حاكم مصرف لبنان، في ظل ترقب يسود موقف حزب الله، خصوصاً لاستكشاف حدود مقاصد ما قاله جنبلاط، ومعاني خروج جوقة سياسية إعلامية تشكل صدى للخارج الأميركي والسعودي، وما إذا كانت هناك حملة تصعيد تحظى بتغطية خارجية، أم أن الأمر تكبير للحجر الداخلي طلباً للتدخل الخارجي تحت شعار التحرش بالحزب، وتقديمه عنواناً للمواجهة، بينما القضية هي الخشية على مكتسبات مادية ودفاع عن مصالح ستضرر من أي عمل إصلاحي.
على المستوى الحكومي بدأت خطة تخفيف الإغلاق التدريجية التي أقرتها الحكومة، وبالتوازي تبدأ غداً المرحلة الثانية من خطة عودة اللبنانيين من الخارج، بينما تعقد الحكومة اجتماعها غداً على إيقاع الاشتباك السياسي العالي السقوف، وأمامها مشاريع قرارات تتصل بالأموال المهرّبة ومكافحة الفساد، بينما شهدت العديد من المناطق اللبنانية قطعاً للطرقات وحرقاً لفروع مصارف.
ويعقد مجلس الوزراء جلسة يوم غد الثلاثاء على جدول أعمالها البحث في إجراء تحقيقات لتحديد الحسابات التي أجريت منها تحويلات مالية، واتخاذِ إجراءات في حق أصحابها واسترداد تحاويل إلى الخارج.
وسأل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي «مَن المستفيد مِن زعزعة حاكميَّة مصرف لبنان؟ المستفيد نفسه يعلم! أمَّا نحن فنعرف النَّتيجة الوخيمة وهي القضاء على ثقة اللُّبنانيِّين والدُّول بمقوِّمات دولتنا الدستوريَّة. وهل هذا النَّهج المُغاير لنظامنا السِّياسيّ اللُّبنانيّ جزءٌ مِن مخطَّط لتغيير وجه لبنان؟ وقال: «فيما كنّا ننتظر من رئيس الحكومة إعلان خطَّتها الإصلاحيَّة العادلة واللَّازمة، فإذا بنا نُفاجَأ بحُكمٍ مبرم بحقّ حاكم مصرف لبنان، من دون سماعه وإعطائه حقَّ الدفاع عن النفس علميًا، ثمّ إعلان الحكم العادل بالطُّرق الدستوريَّة. أمَّا الشَّكل الاستهدافيُّ الطاعن بكرامة الشَّخص والمؤسَّسة التي لم تعرف مثل هذا منذ إنشائها في عهد المغفور له الرئيس فؤاد شهاب، فغيرُ مقبولٍ على الإطلاق».
اما رئيس مجلس النواب نبيه بري فأكد أنه لم يحصل في جلسة مجلس الوزراء تصويت على إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وكل ما حصل كان أشبه بعملية «جس النبض» حيال هذه المسألة»، معتبراً أنه «إذا لم يبق مصرف لبنان ليعلم الجميع أن أموال المودعين قد طارت إلى الأبد».
وقال: «ليعلم الجميع أنا نبيه بري لا أدافع عن سلامة ولا عن أي شخص بل أدافع عن لبنان»، واضاف: «لا داعي للتذكير أنني كنت أول من رفع الصوت اعتراضا على الكابيتال كونترول والهيركات وهندسات مالية أخرى، وكنت أول من طلب من الحكومة عدم اللعب بالدولار واتخاذ جملة من الإجراءات والخطوات المناسبة والسريعة حفاظا على الاموال».