هل تذهب البلاد في الايام المقبلة الى «فك اشتباك» ام انها ستشهد مزيداً من التعقيدات والتدهور في ظل ارتفاع وتيرة الكباش السياسي الحاصل على انقاض ما بقي من مقومات للبقاء والاستمرار؟
مجلس الوزراء لم ينته امس الى نتائج حاسمة، ولم يقدم على احالة حاكم مصرف لبنان نتيجة التباينات الحاصلة بين مكوناته والاسباب الخارجية الاخرى التي شكلت وتشكل عاملا اساسياً وقوياً في هذه المعادلة المعقدة.
ووفقاً لما تسرب عن جلسة المجلس فان النقاش تطرق الى الاجراءات التي يمكن اتخاذها في حق من حمّلهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مسؤولية تدهور الليرة الدراماتيكي، ومنها اقالة او استقالة حاكم مصرف لبنان.
وتقول المعلومات ان تباينات حصلت في هذا الشأن لكنها لم تصل الى حدود طرح الموضوع على التصويت ما يشير الى عدم اتخاذ موقف حاسم في هذا الشأن مع الاشارة الى ان الوزراء المحسوبين على التيار الوطني الحر وحزب الله كانوا اكثر وضوحا في السير بمثل هذا المنحى من دون الذهاب بالخيار او الضغط في هذا الاتجاه الى النهاية، في حين كان الوزراء المحسوبين على الرئيس بري في موقع معارض للتوجه المذكور آنفاً.
وقالت مصادر وزارية ان رئيسي الجمهورية والحكومة لم يخفيا استياءهما من اداء رياض سلامة بشأن الوضع المالي والنقدي، وانهما شددا على وجوب اتخاذ خطوات حازمة لمواجهة تداعيات هذا الاداء خصوصا في الآونة الاخيرة.
وألمحت المصادر ان ما اعلنه الرئيس دياب بعد الجلسة بلهجة متشددة وغير مسبوقة تجاه حاكم مصــرف لبــنان شكل رسالة قوية بديلة عن الاقالة او الضغط لتقديم استقالته، وفتحت المجال في الوقت نفسه لسلامة من اجل التعامل مع هذا الموقف بموقف اقرب الى التسوية على قاعدة «المساكنة» بين رئيس الحكومة وحاكم مصـرف لبنان والسعي الى تحسين فرص التعاون بينهما.
واستدركت المصادر قائلة ان الامور غير مضمونة وقد تحمل مزيدا من المفاجآت في الايام المقبلة لا سيما على صعيد مسار الوضع النقدي والمالي في البلاد.
ويبدو ان مجلس الوزراء ارتأى اتخاذ خطوة بديلة عن خيار اقالة سلامة تمثلت بما اعلنه دياب بعد الجلسة عن اتخاذ قرار بتكليف شركة دولية للتدقيق الحسابي في حسابات مصرف لبنان.
وبعد جلسة الامس السؤال الذي يبقى مطروحا الى اين سيتجه هذا التدهور الدراماتيكي لليرة؟ ما هي فرص فرملة ارتفاع الدولار الجنوني؟ هل يتجه الشارع الى مزيد من الفوضى في ظل تفاقم الصراع الحاصل؟
كل هذه الاسئلة وغيرها لا يوجد حتى الان اي جواب عليها، لكن الحكومة تعوّل على «خطة الانقاذ المالي» الـتي ينتظر ان تقّرها الاسبوع المقبل حيث اعلن الرئيــس دياب قبل جلسة مجلس الوزراء امس «ان المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كانت ايجابية»، متوقعا ان يقر مجلس الوزراء الخطة المالية الخميس المقبل كحد اقصى.
وعلمت «الديار» ان مجلس الوزراء في جلسة الثلاثاء المقبل سيقرر سلسلة قرارات وخطوات تتعلق باستعادة الاموال المنهوبة والاموال المهربة، واجراء استقصاءات وتحقيقات سريعة في هذا المجال.
وفي ما يتعلق بالاجواء التي سبقت جلسة الامس حول ما تردد عن رغبة او عزم الحكومة اتخاذ قرار بحق سلامة واقالته فقد ذكرت مصادر مطلعة ان تقويما جرى عبر اتصالات جرت بين عدد من المسؤولين والمراجع حول الموقف وردود الفعل السياسية الداخلية والاجواء الخارجية.
ولم تستبعد المصادر ان تكون السفيرة الاميركية قد دخلت على خط هذا الموضوع، مشيرة الى ان الضغوط الاميركية ليست جديدة وانما واشنطن كانت حذرت بعض المسؤولين سابقا وجددت تحذيرها من القيام بمثل هذه الخطوة.
وفي كل الاحوال فان مجلس الوزراء استبدل امس الذهاب الى مثل هذا القرار بامرين: اولاً توجيه انذار علني لحاكم مصرف لبنان من خلال الموقف المتشدد الذي اعلنه رئيس الحكومة بعد جلسة الامس، وثانيا تكليف شركة دولية للتدقيق الحسابي في حسابات مصرف لبنان.
وفي كلمته التي تلاها بعد الجلسة رأى الرئيس دياب «ان ثمة معضلة غموض مريب يلّف ادارة حاكم مصرف لبنان ازاء ارتفاع سعر صرف الدولار». مضيفاً «ان المصرف المركزي عاجز او معطل بقرار او محرضا على هذا التدهور الدراماتيكي في سعر العملة اللبنانية».
واكد «لم يعد ممكنا الاستمرار في سياسة المعالجة بالكواليس، ويجب تغيير نمط التعامل مع الناس، ولا يجوز ان يكون هناك معلومات مكتومة عليهم، وليخرج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويعلن للبنانيين الحقائق بصراحة وما هو سقف ارتفاع الدولار وما هو افق المعالجة».
واشار «الى ان هناك فجوة في الاداء والوضوح لمصرف لبنان وفجوة في الاستراتيجيات وفي الحسابات والسياسات النقدية. والمعطيات تكشف ان الخسائر في المصرف تتسارع وتيرتها، وارتفعت 7 مليارات دولار منذ بداية العام الحالي وحتى نيسان ومنها ثلاثة مليارات في الاسابيع الاخيرة».
واعلن تكليف شركة دولية للتدقيق الحسابي في حسابات مصرف لبنان، مشيرا الى ان السيولة في المصارف بدأت تنضب، والمطلوب مبادرة والتصرف سريعاً فالارقام تكشف خروج اكثر من خمسة مليارات دولار في الشهرين الاولين من العام الحالي.
ولفت الى «اننا نناقش مشروع قانون اعادة الاموال المحولة الى الخارج بعد 17 تشرين الاول والتي تفوق الخمسين الف دولار تحت بطلان عملية التحويل من قبل بعض الاشخاص».
واعتبر دياب «ان الاسراع باقرار الخطة المالية بات ضرورة ملحة وكلما تأخرنا كلما زادت صعوبة الانقاذ المالي»، مؤكدا ان «المحاسبة والتغيير يحصل من داخل آلية النظام، والمرتكبون سيدخلون السجن حتما بهمّة القضاء اللبناني».
وفي لهجة شديدة قال «ان الحكومة حازمة بقرارها حماية البلد ولن نسمح تحت اي ظرف المساس بمصالح المواطنين ولقمة عيشهم».
وختم كلمته برسالة لمن يحضّرون الكمائن ويخططون للانقلاب برفع سعر صرف الدولار لسلب الناس اموالهم. و«لن نسمح ولن نتهاون في قمع كل عبث بالاستقرار المالي لان هؤلاء يريدون انهيار البلد لحماية مصالحهم»، مضيفا «الدولة ستضرب بحزم، وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقبلون».
وكان وزير المال غازي وزني قال انه لا يمكن شرح ارتفاع سعر الدولار لا اقتصاديا ولا ماليا ولا نقديا. وهناك مضاربة وتلاعب سياسي بالسوق.
وقال مصدر سياسي مقرب من احد الاطراف المشاركة في الحكومة ان المطلوب تدخل مصرف لبنان واتخاذ التدابير الفورية للجم المضاربة، معتبرا ان المصرف يستطيع القيام بذلك لان السوق يتراوح بين 5 و7 ملايين دولار يوميا، وانه بمثل هذا التدخل يمكن ان يفرض توازنا ويوقف التلاعب وبالتالي تصاعد سعر الدولار الهستيري الذي شهدناه اول امس.
واوردت وكالة رويترز عن مصدر في مصرف لبنان ان المصرف حدّد سعر صرف الليرة عند 3625 للدولار، لتطبقه جميع شركات تحويل الاموال اليوم (امس) بعد ان كان صدر تعميم سابق بوقف الدفع بالدولار.
ولفت المصدر الى ان الاسعار ربما تتغير يوميا، وسيتم تحديدها في اليوم السابق. واشار الى ان في «حالة وقوع تقلبات كبيرة خلال اليوم، فان الاسعار ربما تحدد مجدداً خلال اليوم نفسه».
من ناحية اخرى، قرر مجلس الوزراء تمديد التعبئة العامة الى العاشر من ايار المقبل، مع خطة تدريجية لرفع الاغلاق. واكد رئيس الحكومة انه حان الوقت للبدء باعادة فتح البلد، لكنه شدد على اولوية حماية الناس من كورونا.
وتقرر تعديل منع التجول ليصبح من الساعة التاسعة مساء الى الخامسة صباحا.
وعلى صعيد كورونا اعلنت وزارة الصحة امس عن تسجيل 8 حالات جديدة بينها حالتان من بين الوافدين، وبذلك يكون عدد الاصابات الاجمالي الذي سجل منذ بداية الازمة في 21 شباط الماضي 696 اصابة.
وسجلت اصابة جديدة في بشري واخرى في الجنوب كان عاد مؤخراً من الخارج والتزم بالحجر الصحي.
واولت وزارة الصحة اهتماما شديداً بتسجيل 5 اصابات في مخيم الجليل للفلسطينيين في بعلبك، واتخذت اجراءات لمتابعة الاشخاص الذين احتكوا مع المصابين لاجراء فحوصات سريعة لهم.
وفي جولة له بالمخيم شدد الوزير حمد حسن على الالتزام بالاجراءات الوقائية من كورونا ووضع الكمامات.
ولفت في الوقت نفسه ان الوزارة «حققت علامات جيدة بمكافحة كورونا، واذا اعتبرنا اننا حققنا نتائج جيدة يجب ان ننزل السلم قليلا قليلا، وليس بشكل سريع، ونحن لا نستطيع تحمل الاذى بحال فك التعبئة العامة دون الالتزام بالضوابط.
من جهة اخرى، تبدأ المرحلة الثانية لاعادة اللبنانيين من الخارج والتي تمتد بين 28 الجاري و8 ايار المقبل. وقد اعلنت شركة طيران الشرق الاوسط جدول رحلاتها لهذه المرحلة، مشيرة الى امكانية حصول تعديلات على هذه الرحلات.