تَهيَّبَ البرلمان اللبناني تفجيرَ الجبهات السياسية تحت قبّة «المقرّ الموقت» في قصر الاونيسكو واختار ترحيل البنود – الألغام من الجلسة العامة التي استعجل إنهاءها بيومين عوض ثلاثة، لتبقى «الهبّات الساخنة» منضبطةً تحت سقف تمريرِ ما يساعد في «تصفيح» الواقع الداخلي بإزاء مخاطر وباء «كوفيد – 19» والتداعيات الكارثية للأزمة المالية – الاقتصادية ولو مع «كمائن» عرقلتْ إقرار بنودٍ مهمة.
فعلى وقْع «تظاهرات» واكَبَتْ لليوم الثاني على التوالي الجلسةَ العامةَ بتحرّكاتٍ في مناطق عدّة، مخاطبة السلطةَ بلغةِ «انتهت فترة السماح»، حَصَر مجلس النواب الذي انعقد في «الأونيسكو» تحت جناح إجراءات الوقاية من «كورونا» أضرار العواصف السياسية التي كانت غيومها تجمّعت في سماء المشهد الداخلي وتحديداً على خط الاشتباك بين الحكومة وخصومها، فاختبأ خلْف إسقاط صفة العجلة عن البنود المدجّجة بأبعاد سياسية التي أحيلت على اللجان ليوفّر مشهديةً كانت ستكون قاصمةً لما تبقى من آمال ضعيفة بأن ينجح لبنان في اجتراح «ممرّ آمن» من أخطر أزمة مالية متعددة الرأس يمرّ بها وجاء «كورونا» ليزيد من آثارها «المدمّرة» اقتصادياً ومعيشياً.
ورغم سجالاتٍ على تخوم بنودٍ مثل رفْع الحصانة عن الوزراء (أُسقطت عنه صفة العجلة) والذي اعتبره «تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) مفخَّخاً بخفايا سياسية «لمحاكمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في قبره»، وتقصير ولاية البرلمان (سقط)، فإن السياق العام للجلسة العامة بقي مضبوطاً بمطرقة رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما بتقاطُع بين الكتل على تفادي مواجهات كاسِرة في ظلّ معطييْن بالغي السلبية حوّلا البلاد أشبه بـ«طنجرة ضغط»: الأول اكتواء اللبنانيين بـ«نار» احتراق سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار (ناهز 3300 ليرة أمس) وبروز مؤشرات متصاعدة (تعززها تعاميم للمصرف المركزي) إلى تخلٍ رسمي عن تثبيت سعر الصرف (عند نحو 1510 ليرات أمام الدولار) عبر موجة الـ«لَوْلَرة» (حصْر سحْب الودائع الدولارية بالليرة وفق سعر سوقٍ بنحو 2600 ليرة).
والثاني ترنُّح مسار «كورونا» بين التقاط أنفاس في يومٍ (كما الثلاثاء الذي سجل صفر إصابات) وحبْسها في آخر كما حصل أمس مع تسجيل حالة وفاة جديدة وخمس إصابات رفعت عدد الحالات الايجابية الى 682 (بينها 130 حالة شفاء و22 وفاة).
وحَمَل اليوم الثاني من الجلسة العامة للبرلمان مفاجأة غير مفاجئة تمثلت في الانتهاء من بنود جدول الأعمال في الجولة الثالثة (نهاراً) وتالياً اختصار «الثلاثية» التي كان يفترض أن تستمر حتى اليوم، وذلك قبل إنجاز بند يتعلّق بفتح اعتماد إضافي في الموازنة بقيمة ألف و200 مليار ليرة أرادتْها الحكومة لتغطية أعباء مواجهة «كورونا»، إذ طار النصاب عندها في ما بدا «رسالة سياسية» برسْم الحكومة التي حاول رئيسها حسان دياب حضّ بري على عقد جولة رابعة لإمرار هذا البند فتصدى له رئيس البرلمان قائلاً «ما حدا بقلي شو بعمل»، ورفع الجلسة وتلا المحضر، ليعلن رئيس الوزراء بعدها أن «الهجوم السياسي على الحكومة متوقّع لكن أتمنى ألا يؤثّر على الأمن الاجتماعي».
وكان البرلمان أقر مشروع قانون بقيمة 450 مليار ليرة كدفعة للمستشفيات من مستحقاتٍ سابقة لزوم تعزيز قدرتها على التصدي للوباء، بعدما سحب أول من أمس فتيل بند العفو العام الذي أحيلت الاقتراحات في شأنه على اللجان المشتركة، فيما شملت أبرز المقررات التصديق على اقتراح قانون زراعة القنب «الحشيشة» للاستخدام الطبي كمدخل لتأمين موارد مالية، وتعليق أقساط الديون والاستحقاقات الماليّة لدى المصارف وكونتوارات التسليف لمدة 6 أشهر.
وفيما شكّل الواقع المالي وانهيار الليرة عنواناً بارزاً اقتحم المداولات وسط وعدٍ من الحكومة بإنجاز خطة الإنقاذ المالي – الاقتصادي الاسبوع المقبل وانتقاداتٍ لتفرُّد مصرف لبنان بتعاميم يفترض أن يكون مضمونها جزءاً من الخطة الشاملة وهو ما قابله دياب بتأكيد «ان مصرف لبنان لا يقوم بالتنسيق مع السلطة التنفيذية حول القرارات التي يصدرها، وسيكون لي كلام وموقف متشدد بعد جلسة الحكومة الجمعة»، عاد «كورونا» إلى واجهة الاهتمام ليس من باب تسجيل الإصابات الخمس الجديدة فقط بل أيضاً لأن إحدى الحالات شكلت أول إصابة بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين وتحديداً في مخيم الجليل في بعلبك، الذي سارعت السلطات إلى عزْله وإرسال فرق من وزارة الصحة لتعقُّب أي حالات أخرى محتملة، وهو ما أيقظ المخاوف من كارثة قد يسبّبها اختراق الفيروس مخيمات اللاجئين والنازحين السوريين.
وفي موازاة ذلك، برز تقديم الولايات المتحدة مساعدة للبنان بقيمة 13 مليوناً و300 ألف دولار للحدّ من انتشار «كورونا»، وفق ما أعلنت السفيرة دوروثي شيا.