بدا لبنان أمس وكأنه في «استراحة ما بين عاصفتيْن»، واحدةٌ هبّتْ طلائعُها الأسبوع الماضي واستعادتْ معها البلاد مناخات الاستقطاب السياسي بعد «هدنة كورونا» و«الوقت المستقطع» الذي مُنح للحكومة الجديدة لترتّب ملفاتها وتنطلق بمسار الإنقاذ المالي، وثانية تلوح في أفقِ «ثلاثيةِ» الجلسة العامة للبرلمان ابتداء من يوم غد والتي ستشهد أول مواجهة «وجهاً لوجه» بين حكومة الرئيس حسان دياب وخصومها.
وتشابكتْ هذه العناوين في بيروت، رغم عطلة الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي والتي شكّلت فسحةً لتقويم ما كان في الأيام الأخيرة وما قد يحمله الأسبوع الطالع، وسط انطباعٍ بأن خفوتَ صوت «كورونا» مع الانحسار المستمرّ في عدد الإصابات سيُعْلي مجدداً الأولويات البوليتيكو – مالية التي تراجعتْ، شكلياً، طوال فترة تَمدُّد «كوفيد – 19» الذي تحوّل ما يشبه «درع حماية» للحكومة حاولتْ في ظلاله تمرير «خريطة طريق» الخروج من الانهيار المالي – الاقتصادي قبل أن تباغتها «أفخاخ» من داخل «الصف الحكومي» كما من المعارضة، في ظل خشيةٍ من أن يصبح الفيروس وضرورات التحوّط الصحية التي تتخذ شكل «التعبئة العامة» أداةً لمحاولة قطع فتيل الثورة العائدة التي تُنْذِر بفصولٍ أكثر حدة في الشارع قد يتداخل فيها السياسي بالشعبي.
وكان بارزاً أمس أن مسار «كورونا» أكمل انحداره مع تسجيل إصابة واحدة فقط رفعت العدد الإجمالي للحالات الايجابية الى 673 (بقيت حالات الوفاة 21) بينها 99 حالة شفاء، من دون أن يشكّل هذا المنحى الايجابي، الذي يعكس أن الأمور ما زالت تحت السيطرة في ما خص هذا الفيروس الذي يجتاح الكوكب، عاملاً حاسماً لإعلان «الانتصار» على «كوفيد – 19» في لبنان الذي ما زال ينتظر ما سيْفضي إليه بدء مرحلة الفحوص الشاملة في غالبية المحافظات لتكوين صورة متكاملة عن حقيقة الإصابات غير المكتشفة أو الـ«بلا عوارض»، إلى جانب انتهاء فترة الحجر المنزلي للدفعة الأولى من العائدين في عملية إجلاء المغتربين (تُستأنف الأسبوع المقبل) لتبيان إذا كانت ثمة إصابات ستظهر.
ولفت حرص وزير الصحة حمد حسن على اعتبار أنه «لا يمكن بناء معطيات نهائية على نتيجة فحوص اليوم (أمس)، والوزارة ستنطلق الى المناطق التي شهدت أكبر عدد إصابات لإجراء الفحوص وسنرفع العدد من 1000 الى 1500 عينة يومياً»، مشيراً إلى «اننا نتفهم حاجة الناس للتنقل والعمل لكن لا بد من التشدد بتطبيق الاجراءات وسنقدم أقنعة واقية مجانا للمواطنين»، وموضحاً أنه «لا يمكن إعطاء أجوبة عن مدة استمرار الإجراءات (التعبئة العامة) إلا بعد العاشر من شهر مايو المقبل».
وفيما بدا قرار وزير الداخلية محمد فهمي أمس، الذي عدّل بموجبه توقيت حظر التجوال ليصبح من الثامنة مساءً (بدل السابعة) وحتى الخامسة فجراً وتوقيت الفتح والأقفال للمؤسسات المستثناة من التعبئة العامة ليصبح حتى الثامنة مساءً (عوض الخامسة عصراً) بمثابة استعداد لملاقاة مقتضيات شهر رمضان المبارك، لم يحجب هذا العنوان الاهتمام بالجلسة العامة التي يعقدها البرلمان على مدى ثلاثة أيام في قصر الاونيسكو بعدما فرض «كورونا» وضرورات «المسافات الآمنة» بين النواب «نزوحه» للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية إلى خارج مقره في ساحة النجمة.
وتكتسب الجلسة العامة أهمية خاصة في الشكل والمضمون، إذ انها تأتي على وهج عودة «المتاريس» السياسية بين الحكومة وخصومها على خلفية عناوين مالية أحيت بعض جوانب الاشتباك السياسي «الأصلي» بين ما كان يُعرف بقوى 14 آذار و8 آذار، وهي العناوين التي تقاطعتْ أطراف في الحكومة مع معارضيها في الاعتراض عليها بوجهها التقني (مثل الرئيس نبيه بري).
ويسود «حبْس أنفاس» حيال المنحى الذي ستتخذه الجلسات ولا سيما بعدما أطلق رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء إشاراتٍ لا لُبْس فيها إلى نَفَس هجومي بوجه خصوم الحكومة الذين لم يوفّروا مناسبة للتصويب على سياساتها المالية في ضوء ما كشفته مسودة خطة الإنقاذ من اتجاهات لتحميل القطاع المصرفي والمودعين فاتورة الانهيار المالي، من ضمن مسارٍ اعتُبر مقدمة لتغيير الهوية المالية – الاقتصادية للبنان.
وتشكّل بعض بنود جدول أعمال الجلسة العامة «فتائل» يُخشى أن تفجّر «برميل البارود» السياسي وأبرزها اقتراح القانون المعجّل المكرَّر الرامي الى رفع الحصانة عن الوزراء وتعديل قانون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وسط خشية متصاعدة من سلوك انتقامي تمهّد له السلطة للاقتصاص من خصومها وتثبيت تغيير التوازنات السياسية الداخلية. كما يبرز بند لا يقلّ إثارة للجدل يتمثّل في اقتراح قانون منح العفو العام عن بعض الجرائم.