ربما كان متوقعاً أن يتسبب الهجوم الحاد الذي بادر إلى شنه الخميس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في افتتاحية جلسة مجلس الوزراء على المعارضين والخصوم بردود مباشرة أو استعدادات لإطلاق ردود لاحقاً. ولكن الأسوأ الذي ترتب على هذا الهجوم الذي عد خطأ سياسياً موصوفاً في المضمون والتوقيت (طبقاً لما أشارت إليه “النهار” أمس ) تمثل في استدراجه الحكومة ورئيسها حسان دياب إلى معترك معركة خاطئة تماماً في توقيتها أيضاً مع قوى المعارضة بدءاً خصوصاً برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فيما ترتسم ملامح تصعيد متدرج أيضاً بين الحكومة وتيار المستقبل ويصعب تصور أن تكون القوات اللبنانية بعيدة عن هذا المعترك في ظل ما دأب عليه رئيسها سمير جعجع من توجيه السهام المتعاقبة إلى من يصفهم بالثلاثي غير المرح . ولعل التطور السياسي الداخلي الذي اخترق عطلة الجمعة العظيمة لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي برز في اندلاع حرب كلامية حادة أطلق عبرها الحزب التقدمي الاشتراكي على لسان رئيسه ومسؤوليه وبعض نواب “اللقاء الديموقراطي” ردوداً لاذعة وعنيفة في اتجاه الحكم والحكومة وبعض الأطراف السياسيين الأمر الذي رسم انطباعات قوية حيال مناخ احتدام سياسي متسع ومرشح للتصاعد تباعاً. وما يعزز هذه الانطباعات أن الردود الجنبلاطية الحادة على العهد والحكومة تزامنت أيضاً مع عودة الرئيس سعد الحريري بعد ظهر أمس إلى بيت الوسط بعدما أمضى أكثر من شهر ونصف الشهر في باريس وجاءت عودته أيضاً على وقع البيان العنيف الذي أصدرته كتلة المستقبل مساء الخميس وجددت فيه وصف رئيسها لسياسات الحكومة بانها انتحارية. وفيما كان رئيس حزب القوات سمير جعجع يجتمع أمس مع زائريه النائبين أكرم شهيب ونعمة طعمة، بما يعكس رفع وتيرة التنسيق بين الفريقين حيال مواجهة المرحلة الحالية والمستقبلية بأعلى مستوى من التنسيق بين القوى السيادية ولا سيما منها الاشتراكي والقوات والمستقبل كما توافرت معلومات لـ”النهار” ، اشتعلت التغريدات بمعركة كلامية عنيفة دشنها جنبلاط في ما أوحى بكسر الجرة تماماً بينه وبين رئيس الحكومة. ويعتبر هذا الانفجار بمثابة نهاية سريعة لعلاقة تبدو ممكنة وقابلة للاستقرار بين الزعيم الاشتراكي ورئيس الحكومة باعتبار أن العلاقة بين جنبلاط والعهد كانت أساساً في طور الميؤوس من ترميمها ولكن بالنسبة إلى دياب فان محاولة متقدمة جرت لإبقاء شعرة معاوية قائمة بينهما بدليل أن جنبلاط كلّف مستشاره السياسي رامي الريس أن يكون بمثابة ضابط ارتباط بينه وبين دياب وسرعان ما بدأت الأمور تتبدل وتتخربط لدى اكتشاف تسلل ما يوصف بغرف عمليات سرية دخلت على خط السرايا واستدرجت دياب إلى الاستهدافات الموجهة نحو جنبلاط . واتخذت المعركة الكلامية أمس أبعاداً جديدة إذ عكست المناخ الآخذ بالتصعيد عقب شن العهد معركة مجانية مع خصومه واستدراجه إليها الحكومة ووضعها في الخط الأمامي في وقت هي أحوج ما تكون إلى نسيج أمان سياسي بالحد الأدنى لمواجهة التخبط الذي طبع خطواتها المالية والاقتصادية والاجتماعية وفي وقت تبلغ فيه المواجهة مع الانتشار الوبائي مرحلة حساسة جداً.
أما الوجهة الأخرى في المشهد السياسي الذي مسته سخونة عالية فسرعان ما برزت مع موقف للرئيس الحريري فور عودته من الخارج . إذ أعلن مكتبه الإعلامي أأن الحريري طلب من محامي ممثلي الضحايا المشاركين في المحكمة الخاصة بلبنان إبلاغ المحكمة بما غرد به النائب جميل السيد السبت في 11 الجاري لجهة إقراره بصورة مواربة أن مبلغ 27 مليون دولار أميركي قبضه ثمن قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وأضاف “إن تغريدة النائب السيد قرينة إضافية على أن إفادته أمام المحكمة كانت بهدف تضليل المحكمة وطمس الحقيقة ما يمثل جرماً مستقلاً يستوجب الملاحقة فضلاً عن أن التحدي الأحمق الذي تضمنته التغريدة قرينة كاشفة عن تلطيه الجبان وراء حصانة نيابية أغدقها عليه الفريق إياه الذي أتى به نائبا لحمايته من أي مساءلة ومحاسبة. وعليه فان كتلة نواب المستقبل تدرس طلب رفع الحصانة النيابية تمهيداً لملاحقته أمام القضاء”.
يشار أخيراً إلى أن الرئيس الحريري الذي عاد عصراً على متن طائرة خاصة خضع فور وصوله إلى مطار رفيق الحريري الدولي لإجراءات الوقاية وتسلم المعنيون فحوص الـpcr لجميع ركاب الطائرة وأظهرت نتائجها بأنها سلبية .
الدولار يحلق
غير أن المشهد السياسي المحتدم لم يحجب الاحتدام الآخر المتصل بالارتفاع التصاعدي المحموم في سعر الدولار في السوق والذي اخترق في الساعات الأخيرة سقف الـ3200 ليرة الأمر الذي قابله مصرف لبنان ببدء توزيع كميات من الدولارات على الصرافين عَل الخطوة تهدئ السوق وتخفض السعر وسط معلومات تؤكد أنه سيستمر في التدخل بضخ دولارات في الأيام المقبلة . وجاء ذلك وسط بلبلة واسعة تتصل بالتعميم الأخير الذي أصدره مصرف لبنان وتراجع فيه عن تعميم سابق فمنع على المراكز المالية التي تتعامل بتلقي الأموال الأجنبية من الخارج التحويلات بالدولار ودفعها بالليرة اللبنانية بسعر السوق . وأوضحت وحدة الإعلام في مصرف لبنان أن القرار جاء بناء على طلب الشركات الالكترونية وأن عمليات التسديد يجب أن تتم بسعر السوق في يوم التسديد مهما كان السعر.