اذا كانت بشري قفزت الى صدارة الحدث “الكوروني” الداخلي امس على صعيد الرصد المناطقي، فان ذلك لم يحجب حالة الترقب المشدودة الى ما يمكن اتخاذه من مزيد من إجراءات وتدابير لمنع أي تفلتات جديدة وإضافية لإجراءات حال التعبئة المرشحة لتمديد جديد في الساعات المقبلة. ذلك ان المؤشرات المتصلة بالانتشار الوبائي لفيروس كورونا سجلت في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة تطورات سلبية ولكنها لم ترق الى مستوى الخوف من الانزلاق الى الانتشار الوبائي الواسع وغير المسيطر عليه بعد. وفي المقابل ثمة استحقاق يبدو كأنه يثير مخاوف السلطة السياسية والأجهزة العسكرية والأمنية، ويتصل بأيام عطلة يوم الجمعة العظيمة وعيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي في الأيام الثلاثة المقبلة وما يمكن ان يحمله من تفلت واسع على موجبات الحجز المنزلي لدى فئات من المواطنين على رغم ان الكنائس اتخذت تدابير وإجراءات لن تقام بموجبها أي مناسبات عامة مثل الزياحات والقداديس الا ضمن اطر لن يشارك فيها المؤمنون بل ستنقل عبر محطات التلفزة فقط.. واذا كان مؤكدا ان التمديد لحال التعبئة هو من باب تحصيل الحاصل، فان بعض المعطيات أشار الى امكان تصعيد الإجراءات في الأيام الثلاثة المقبلة الامر الذي ينتظر ما سيصدر اليوم عن مجلس الوزراء. وسيعقد صباح اليوم اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون لدرس الواقع التقويمي لفترة التمديد السابقة لحال التعبئة وما تخللها من اختراقات وتجاوزات للإجراءات المشددة التي أعلنت خصوصا بعد اجراء فرض نظام المفرد والمزدوج للوحات في تنظيم حركة السير للمركبات. وبعد الاجتماع والتوصية التي سيتخذها المجلس، يعقد مجلس الوزراء جلسته ومن المتوقع ان يمدد فترة التعبئة العامة لفترة أسبوعين إضافيين. اما الاجتماع الوزاري الأمني الذي ترأسه الرئيس عون امس بعد خلوة مع رئيس الحكومة حسان دياب فقد علم ان تداعيات امنية وأحداثاً بدأت تظهر نتيجة الإقفال العام وتوقف المواطنين عن العمل مثل السرقات والتوترات الأمنية في اكثر من منطقة استدعت انعقاده، كأحداث حصلت في طرابلس وفي سجن القبة وفي ساحة النور وفي سجن زحله. ووفق مصدر وزاري فان المجتمعين درسوا إجراءات استباقية لتفادي أي انفلات امني ولمنع السرقات والاعتداءات. وعرض كل من قادة الأجهزة الأمنية تقريرا عن الواقع على الأرض والإجراءات التي يطبقها كل جهاز لحفظ الامن والاستقرار مع لحظ كل من الأجهزة الأربعة حاجاته المادية والعملانية في الإجراءات الاستثنائية التي يطبقها. كما تناول الاجتماع التنسيق بين الأجهزة وتوحيد قدراتها في مواكبة هذه المرحلة الاستثنائية. وعلم انه في هذا الاجتماع الذي دعي اليه أيضا مدير التخطيط للموازنة في الجيش تقرر متابعة البحث في كل المواضيع المادية والعملانية من خلال لجنة ستتابع البحث بعد الانتهاء من ازمة كورونا في موضوع التدبير الرقم 3 المعمول به في القوى المسلحة. وعلم ان هذا التدبير سيبقى ساريا في ظل انتشار القوى الأمنية والعسكرية والجهوزية التامة التي تطبقها في ظل التعبئة العامة.
بشري والاستنفار
وسط هذه الاستعدادات والتحركات اتسمت التقارير الجديدة عن الانتشار الوبائي لكورونا بالكثير من الحذر والخشية، ولو ان الاعداد المسجلة لم تخرق السقف الذي لا يزال يعتبر مؤشرا الى بقاء السيطرة على الانتشار. وقد ارتفع عدد الإصابات المثبتة بكورونا امس الى 575 إصابة بعد تسجيل 27 إصابة جديدة توزعت بين 12 إصابة من المغتربين العائدين من باريس ومدريد حتى ظهر امس قبل صدور نتائج الفحوص للعائدين من إسطنبول وكينشاسا و15 إصابة بين المقيمين. ومساء أعلنت وزارة الصحة تسجيل إصابة واحدة بين العائدين على طائرة إسطنبول فيما كانت نتائج جميع ركاب طائرة كينشاسا سلبية. وإذ لم تسجل أي حالة وفاة جديدة في الأيام الأخيرة ارتفع عدد الشفاءات الى 62 حالة. وبعدما تصاعدت الضجة الصادمة حول ارتفاع عدد الإصابات في مدينة بشري وبلدات وقرى قضاء بشري تحول الامر امس اشبه باستنفار غير مسبوق حيال أي منطقة لبنانية منذ تمدد ازمة كورونا الى لبنان. وعلمت “النهار” ان حالة العزل الطوعية التي قام بها أهالي مدينة بشري والتي يقدر عدد الإصابات فيها بنحو 40 إصابة قد أدى الى حصر الأحياء التي تعتبر الأكثر تأثرا بالإصابات عن الأحياء الأخرى وان معظم الإصابات طاولت عائلتين تقيمان في حيين مجاورين وان معظم الإصابات ليست حرجة الامر الذي يفسر حصر الإصابات في الحجر المنزلي بحيث تتولى الشرطة البلدية حماية الأحياء وتقديم كل المستلزمات الى المنازل التي يجري فيها الحجر. وقد قام وزير الصحة حسن حمد بجولة على منطقة الشمال بدأها ببشري حيث اثنى بشكل لافت على الإجراءات التي اتخذتها خلية الازمة ووصفها بانها مهنية وعلمية ودقيقة واعتبر ان عدد الإصابات التي سجلت مساء الثلاثاء أي 12 إصابة جديدة لا يثير الخوف واكد ان “ما نراه في بشري هو محاصرة لانتشار الوباء وحماية للمجتمع”.
الخطة و”الانقلاب”
على ان التطور الأخطر الذي برز في اليومين الأخيرين وبدأت ملامحه تتكشف تباعا تمثل في معالم ما يسمى الخطة المالية والاقتصادية الانقاذية التي تعكف حكومة الرئيس حسان دياب على إنجازها في جلسات متواصلة في السراي كان آخرها مساء امس ولم تعلن بعدها أي مقررات رسمية خلافا للأصول المعتمدة بحيث عزي السبب الى عدم انجاز الخطة التي تستلزم مزيدا من الجلسات بعد عطلة الجمعة العظيمة وعيد الفصح. ولعل اخطر ما تتكشف عنه هذه الخطة انها قد تؤدي الى تهديد ما يناهز ال 64 مليار دولار من ودائع اللبنانيين فضلا عن إجراءات باتت تثير الخشية الكبيرة من حال انقلابية موصوفة على المستويين المصرفي والمالي. ولا تحدد الخطة الطريقة الواضحة لتعويض المودعين.
وكان لافتا في هذا السياق ما أوردته وكالة “رويترز” امس من ان مسودة الخطة الحكومية تظهر ان لبنان يحتاج الى تمويل خارجي من عشرة مليارات الى 15 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة لمساعدته على اجتياز أزمته المالية. وأشارت الى ان الخطة المذكورة طويلة وتفصيلية ولكنها تحمل في طياتها الكثير من التساؤلات حول كيفية تنفيذها وتبدو كأنها وضع لليد على القطاع المالي كما على المودعين المستقلين بل هي اشبه بانقلاب مالي وسياسي اذا ما اعتمدت كما وردت.
ومسودة الخطة التي يعكف مجلس الوزراء على مناقشتها مؤرخة في السادس من نيسان، تصف نفسها بأنها “أساس جيد” لمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولا تظهر صراحة نية لبنان اجراء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي حيث أبقت الموقف ضبابيا.
فالخطة، التي قال مصدر لـ”رويترز”، إن مستشار لبنان المالي “لازار” هو الذي وضع مسودتها، لا تذكر صراحة أن البلاد ستلجأ إلى صندوق النقد الدولي، وهو تحرك يتطلب دعما سياسيا واسعا. لكنها تفترض وجود مستثمرين يتوقعون أن تسعى بيروت إلى دعم من صندوق النقد وهو ما سيتيح مزيدا من التمويل.
وبينما ترصد المسودة خسائر في الاقتصاد بقيمة 83.2 مليار دولار، أشارت إلى أن “صفقة إنقاذ كاملة للقطاع المالي ليست خيارا”. كما تتضمن المسودة تفاصيل إعادة هيكلة للمصرف المركزي والبنوك التجارية لتشمل “مساهمة استثنائية عابرة من كبار المودعين” وتحدد الخطوط العريضة لصندوق خاص لتعويض خسائر المودعين الناجمة عن إعادة الهيكلة.
وتشير الخطة إلى تراجع سعر الصرف إلى 2607 ليرة للدولار في 2021، وإلى 2979 في 2024، فيما سعر الربط الرسمي للدولار محدد عند 1507.5 ليرة.
وقالت الخطة إن الدين العام سيتقلص إلى تسعين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027 مقارنة مع أكثر من 170 بالمئة في نهاية 2019.
وتفترض الخطة أن يستفيد لبنان بشكل فوري من دعم مالي خارجي وأن يطبق الإصلاحات بنجاح. لكنها لم تذكر مصادر هذا التمويل الفوري المفترض.
الى ذلك قدرت الخطة الخسائر البالغة 83.2 مليار دولار ناجمة عن انخفاض قيمة الأصول التي في حيازة المصرف المركزي وانخفاض قيمة محفظة القروض المصرفية وإعادة هيكلة الدين الحكومي. وتقول إن السلطات ستضع تفاصيل إستراتيجية شاملة لإعادة هيكلة الميزانيات العمومية للبنوك.
وتقول أيضا إن إعادة هيكلة على مراحل لميزانيات البنوك التجارية العمومية ستتضمن عملية إنقاذ كاملة من المساهمين الحاليين تتمثل في شطب رؤوس أموال بقيمة 20.8 مليار دولار، في حين تجري تغطية الباقي البالغ 62.4 مليار دولار من خلال “مساهمة استثنائية عابرة من كبار المودعين. قيم المساهمة بالضبط ستتحدد بمساعدة مستشارين خارجيين وفي سياق حوار واسع وحسن النية مع البنوك التجارية”.
وتقول الوثيقة إن صندوقا خاصا سيعوض خسائر المودعين من المبالغ القادمة من برنامج سيرصد ويستعيد أصولا مكتسبة بشكل غير مشروع. وتقدر الخطة خسائر المصرف المركزي المضمنة بنحو 40 مليار دولار، وذلك نتيجة “سنوات من العمليات المالية الخاسرة” بهدف جمع احتياطات من النقد الأجنبي للحفاظ على الربط وتغطية فجوة تمويلية في ميزات المدفوعات.
ويرى بعض المعنيين ان الإجراءات المالية على صعيد الإيرادات والنفقات في الخطة تبدو طموحة للغاية اذ ليس مؤكدا انها تحصل على توافق سياسي يضمن تنفيذها اذ سبق ان طرحت مرات في السابق ولكنها لم تنفذ اطلاقا.