بدت بيروت أمس، «قلْباً مذعوراً» مع بدء المرحلة الأولى من عمليات إجلاءٍ، «لا تحتمل خطأ واحداً»، للمغتربين من بعض دول الانتشار التي يتفشّى «كوفيد – 19» في عدد منها، وعيْناً متأهّبة لرصْد ما سيؤول إليه «استنجاد» لبنان الرسمي بمجموعة الدعم الدولية لمحاولة «تدويل» الحلول الممكنة للخروج من «النكبة» المالية وتَلافي كارثةٍ كورونيّة.
وعَكَسَتْ الدفعةُ الأولى من رحلات العودة التي جاءت بنحو 400 راكب من الرياض وأبوظبي ولاغوس وابيدجان، مؤشراتٍ لجديةٍ عالية من السلطة بالتعاطي مع ملفٍ يشكّل «قنبلة موقوتة» يمكن أن تنفجر بكل إجراءات ضبْط انتشار الفيروس داخلياً بحال لم تتعطّل كل فتائلها التي تبدأ على الطائرات ولا تنتهي في مراكز الحجر الإلزامي.
وارتسم من مجريات اليوم الأول لإجلاء المغتربين، حجم التوجّس الرسمي من أن يُثْقِل أي حِمْلِ إصابات غير محسوب على خريطة الانتشار المحلي لـ«كورونا» الذي بُنيت استراتيجية محاربته على خط بياني ما زال ضمن المُتوقَّع، وهو حَمَلَ أمس 7 إصابات ارتفع معها الإجمالي إلى 527 مع تسجيل حالة الوفاة الرقم 18.
ووفق بروتوكول متشدّد سارتْ عملية انتقال المنتشرين من دول المغادَرة وصولاً إلى بيروت على متن طائرات رافقتْ كلّاً منها أطقم طبية وعناصر من الأمن العام والتزم ركابُها بمعايير الأمان والسلامة كاملةً التي ساعد في اعتمادها الإصرارُ على نصف حمولة، إلى أن كان الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي حيث بدأ مسارٌ متدرّج قُسم معه العائدون إلى فئتين:
* الأولى سبق أن أجرت فحص الـ PCR في الدولة التي كان يقيم فيها المغترب ضمن فترة زمنية لا تتجاوز 72 ساعة قبل موعد الرحلة، وهؤلاء كلّهم ممن جاءت نتائجهم سلبية. وبمجرّد وصولهم وبعد اكتمال الإجراءات مع فريق وزارة الصحة الذي عاود إخضاعهم للفحص توجّهوا إلى الحجر المنزلي لـ14 يوماً على أن يكونوا تحت مراقبة طبية عن بُعد.
* والثانية تشمل الذين لم يخضعوا للفحص – الغالبية العظمى من هؤلاء – وقد تم فرْزهم إلى فئات تضع كلّ منها أساور بألوان مختلفة، بحسب الأعراض ودرجة الخطر، وبعد إخضاعهم للفحص نقلوا إلى واحد من مجموعة فنادق «لانكاستر» حيث تكفّلت شركة «الميدل ايست» بتكلفة مكوثهم 24 ساعة وسط تدابير تراعي شروط الأمان والسلامة، ريثما تكون صدرت النتائج، وفي ضوئها يُنقل المصاب إلى المستشفى والآخرون إلى الحجر المنزلي إذا كانت تتوافر شروط الانعزال أو إلى مراكز حجر مخصَّصة في أكثر من منطقة.
وفي حين تُستأنف رحلات الإجلاء غداً من باريس، مدريد وكينشاسا، ووفق قاعدة استراحة لـ24 ساعة، بدا واضحاً أن السلطات ستعمد خلال هذه الفترة إلى عملية تقييم دورية لخلاصات كل جولة ضمن المرحلة الأولى (تستمرّ حتى 12 الجاري)، حتى إذا ظهرت إصابات كثيرة من وجهةٍ معيّنة قد يعاد النظر في الاستمرار بالتوّجه إليها، أو إذا سُجّلت نسبة حالات مرتفعة بين مجمل العائدين يُبنى على الشيء مقتضاه لبقية المسار والمرحلة الثانية (بين 27 نيسان و4 ايار) وما سيليها حكماً باعتبار أن هاتين المرحلتين لن تكونا كافيتيْن لإعادة نحو 20 ألف لبناني.
وتَرافَق دخول لبنان مرحلة «الأنفاس المحبوسة» حيال ما ستحمله رحلات العودة التي لن يكون ممكناً رصْد كامل تداعياتها الصحية إلا بعد 14 يوماً تتجدّد مع كل جولةٍ من طائرات الإجلاء، مع رفْع الحكومة إجراءت التشدد داخلياً المنضبطة تحت سقف التعبئة العامة ومنْع التجوّل الليلي.
وبعد الخروق الواسعة لقرار الحدّ من التجوّل نهاراً إلا للضرورات القصوى، انتقلت السلطة إلى مرحلة نصف منْع التجوّل العام، عبر تقنين التنقل النهاري بموجب ما صدر عن وزير الداخلية محمد فهمي، الذي حدد توقيت السير للآليات وفق أرقام اللوحات، بحيث تسير السيارات التي تحمل لوحات تنتهي برقم مفرد الاثنين والاربعاء والجمعة، فيما تسير التي تنتهي برقم مزدوج، والصفر من ضمنها، أيام الثلاثاء والخميس والسبت، على أن يُمنع الأحد سير كل السيارات والآليات والدراجات النارية.
وكان الرئيس ميشال عون تابع انطلاق عمليات العودة للبنانيين، مؤكداً «ضرورة الاهتمام بجميع العائدين ورعايتهم»، في حين واكب رئيس الحكومة حسان دياب على الأرض الاستعدادات لوصول أول رحلات العودة.