أبرز ما جاء في إفتتاحية “الجمهورية”
2020-04-04 06:55:51
تحت العنوان ادناه، كتبت صحيفة الجمهورية في افتتاحيتها:
“تخبُّط وتلاعُب بالمودعين .. والمحاصصة تُشــظّي الحكومة..”
ما جرى في الأيام الأخيرة، على ساحة التعيينات المالية، وقبلها التشكيلات القضائية، ومحاولة تشريع «الكابيتال كونترول»، وإغماض العين على الجريمة المتمادية التي ترتكبها المصارف بحق المودعين، أسقط آخر ورقة توت عن عورة السلطة الحاكمة، وثبت انّ المواطن اللبناني يتيم السلطة، التي يُفترض انّها راعية له وساهرة على شؤونه وشجونه، ومتروك لمصيره، يطوّقه وباء «كورونا» الخبيث، وتحرمه الأعباء الاقتصادية والمالية، والمصارف والصرّافون، من لقمة عيش ابنائه، ولا من يراقب او يحاسب.
في غياب أي خطة حكومية اقتصادية أو انقاذية شاملة، يستمر تخبط البنك المركزي بالتواطؤ مع المصارف في ابتداع اجراءات تحايلية على ودائع اللبنانيين ومحاصرتهم أكثر فأكثر، وكأنهم اعداء. والجديد أمس صدور تعميمين عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يتعلّق الاول بالسحوبات النقدية من الحسابات الصغيرة، والثاني بإنشاء وحدة جديدة تتولّى التداول بالعملات الاجنبية النقدية، ولا سيما بالدولار الاميركي «وفقاً لسعر السوق».
وقد طرح التعميمان علامات استفهام كثيرة حيث اعتبر الخبير الاقتصادي باتريك مارديني ان «التعميم يعني إقرار نوع من «الكابيتال كونترول» الذي كان يتهرب مجلس النواب من إقراره، فأقره البنك المركز
من جهته قال وزير المال غازي وزنة لـ«الجمهورية»: «انّ هذا التعميم هو خطوة اوّليّة ايجابية، تهدف الى حماية حقوق واموال صغار المودعين التي تقلّ عن 5 ملايين ليرة او 3 آلاف دولار، ويجب ان تُستكمل بخطوات مماثلة في المرحلة المقبلة، لبقية صغار المودعين الذين تفوق قيمة ودائعهم عن 5 ملايين ليرة أو 3 آلاف دولار، علماً انّ الفئة التي تستفيد من هذا التعميم تشكّل 61,5 % من الحسابات في المصارف، وعددها يقارب مليون و725 الف حساب».
اضاف وزنة: «وما يجب التأكيد عليه مجدّداً، هو أنّ أموال المودعين، وعلى وجه الخصوص صغار المودعين، هي ودائع مقدّسة، ويجب حمايتها والحفاظ عليها».
وأوضح رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ«الجمهورية»، انّ هذا التعميم تسبّبت به الظروف الاستثنائية التي نمرّ بها، إضافة الى تعرّض حاكم مصرف لبنان الى ضغوط شعبوية، بعدما اصبح الكل يريد ان يحلّ القضايا النقدية والمصرفية بأسلوب يشبه الحلول السياسية في البلد.
أما بالنسبة الى التعميم المتعلّق بسوق الصيرفة، فأوضح سلامة لوكالة «رويترز»، انّ «وحدة التداول بالعملات النقدية الأجنبية الجديدة لدى المركزي ستختار التجار الذين تعمل معهم، وستعمل في أوراق النقد بسعر السوق، وستقوم بالشراء والبيع، وسيتمّ الإبقاء على سعر الربط الرسمي اللبناني في تعاملات البنوك والواردات الضرورية».
وفي هذا السياق، هناك تساؤلات متعدّدة حول التعميمين، من أهمها التالية:
اولاً- ما تأثير تحرير الودائع الصغيرة على سعر الصرف في السوق السوداء؟
ثانياً- ما هو دور مصرف لبنان في عملية الدخول على خط تسعير الدولار في السوق الثانوية؟ هل سيكون مجرد مراقب، ام انّه قد يتدخّل بائعاً الدولار لدوزنة سعر صرفه؟ وفي هذه الحال، هل من المسموح استخدام دولارات المركزي في السوق السوداء ايضاً؟
ثالثاً – كيف ستتمّ معالجة مسألة التكافؤ في الفرص. اذ من يملك 5 ملايين ليرة يستطيع ان يسحبها، في حين انّ من يملك 6 ملايين ليرة، لا يستطيع؟
في السياسة، سُحب فتيل التعيينات المالية، ولكن من دون ان يُطفئ حقيقة شراكة اهل السلطة فيها، فكلهم في ذات المركب، وإن فضّل بعضهم النزول منه في آخر لحظة، بطريقة مسرحيّة، لا تنفي شراكته في هذه المحاصصة، وانّه اقدم بكل قناعة واندفاع على تسمية مجموعة من الأسماء المحسوبة عليه، قبل أن تفرط هذه المسرحية.
واذا كانت التعيينات المالية قد سُحبت، تجنباً لحريق كان يقترب من الحكومة عبر سلسلة استقالات وزارية كانت مُعدّة مسبقاً، فإنّ هذا الملف رُكِن على الرفّ، أقلّه لستة اشهر، على ما يؤكّد لـ«الجمهورية» مرجع سياسي، الذي قال: «انّ ما احاط التعيينات المالية من اختلافات و«منتعات» وشهوات غريبة، خلّف ضحايا في مكان آخر، على صعيد الحكومة وهيبتها التي تشظّت، او على مستوى ملف التعيينات الاخرى في سائر المراكز الشاغرة، والتي بدورها ستبقى في هذا الوضع الشاذ الى ما شاء الله، والفضل في ذلك الى من يصرّ على ان يأكل البيضة وقشرتها».
ما حصل على ضفّة التعيينات الماليّة، كشف اللثام عن الواقع الحكومي الهشّ؛ واكّد انّ الحكومة لم تُبنَ من الاساس على صخر، بل على رمال متحرّكة تتأرجح بين هبّة باردة وهبّة ساخنة، خصوصا بين أطراف المثلث الحاضن للحكومة. ويبرز في هذا السياق، التوصيف الذي اطلقته مصادر اشتراكية على حال الحكومة، حيث قالت لـ«الجمهورية»: «الحكومة اشبه ما تكون ببطة عرجاء. والتجربة معها من الاساس اثبتت فشل اللجوء الى حكومة تكنوقراط».
وتبعاً لذلك، قالت مصادر سياسية مطلعة على خفايا العلاقة بين اطراف المثلث الحاضن للحكومة: «إنّ التعايش بين اطرافه، حاصل بالإكراه، ونتيجته انّ الحكومة ستبقى تغلي من جهة، على نار اتهامها بالعجز والتقصير، ومن جهة ثانية، سيزيد غليانها على النار السياسية المشتعلة بين مكوناتها، وها هي العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«المرده» في ذروة توترها، وفي الوقت نفسه، تتزايد نذر التوتر على خط الرئاستين الأولى والثانية، ومن خلالهما بين «التيار» وحركة «امل»، والشرارات بدأت تظهر في مقالات عنيفة متبادلة بين الطرفين».
وخالفت المصادر القائلين إنّ وضع الحكومة صلب، وقالت: «رغم التأكيدات العلنيّة من المثلث الحاضن للحكومة، بأنّ الاشكالات لن تؤثر على استمراريتها، فإنّ العلاقات المهترئة بين مكوناتها، ولعبة تقاذف المسؤوليّة، قد يصبح معها التوتر بلا حدود، وتضع الحكومة فوق برميل بنزين، عرضة للاشتعال والسقوط في أيّ لحظة».
على خط آخر، دخل إقرار الحكومة استكمال سد بسري وإيكال الامر في شأنه الى وزارة الطاقة، دائرة التفاعل مع بروز مواقف اعتراضية من قوى سياسية متعددة، بدءاً بالرئيس بري الذي أثار جملة تساؤلات وتحفظات حول الطريقة التي أقرّ فيها هذا الامر، او من «القوات اللبنانية». وبرز في هذا السياق موقف النائب جورج عدوان الذي قال: أوقفوا صفقة سد بسري اذا كنتم فعلاً قد أوقفتم المحاصصة»، وكذلك موقف الوزيرة السابقة مي شدياق التي قالت: بين سد جوع الناس وسد بسري، فضّلت الحكومة إقرار 625 مليون دولار لسد جوع المتسلّطين على المال العام».
وفي السياق نفسه، اندرج موقف «الحزب التقدمي الاشتراكي»، حيث اكد النائب وائل ابو فاعور لـ»الجمهورية»: نحن نعتبر «انّ الاستمرار في سد بسري يُراعي انتهازية ومصلحية بعض الاطراف، قافزاً فوق كل الاعتبارات البيئية والصحيّة والعلمية».
وأكد ابو فاعور على موقف الحزب بالتصدّي لمشروع سد بسري «التدميري» ومُتعهّده ومن خلفه ومن معه، داعياً الى شراكة كل قوى المجتمع المدني والحملة الخاصة بالدفاع عن وادي بسري لوقف هذا المشروع المدمّر».
Diana Ghostine