قلبَ رئيس الحكومة حسان دياب طاولة المحاصصة على تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الاسواق المالية في وجه القوى السياسية المُتحاصصة، بسَحب هذه التعيينات من جدول اعمال مجلس الوزراء لعدم مراعاتها الكفاية والاختصاص، تاركاً السؤال عن مدى قدرته على الصمود في مواجهة هذه القوى التي كانت في غالبيتها سبب خراب البلد وما آل اليه، وما تزال تتصرّف وكأنّ شيئاً لم يكن لا في حراك 17 تشرين الاول الشعبي وما تلاه ولا في ظل وباء كورونا الذي ما زال واضعاً لبنان في عين العاصفة وفي خطر شديد. وقد بلغ عدد المصابين به حتى أمس 494 مصاباً والمتوفّين 16.
فهذه التعيينات وجدها دياب، كما قال «مخالفة لقناعاته وقراراته»، وانها «بالطريقة التي تحصل لا تشبهنا جميعاً كحكومة تكنوقراط»، مؤكداً انه غير مرتاح إطلاقاً «ان يتقدّم المعيار السياسي على معيار الكفاءة»، ومشدداً على «وجوب أن تكون هذه التعيينات مبنية على الكفاءة والخبرة، خصوصاً اننا على وشك الدخول في مرحلة حساسة ودقيقة تتضمن اعادة هيكلة القطاع المصرفي وكذلك اعادة هيكلة مصرف لبنان»، مشيراً انّ «التحديات الوطنية تفترض من المسؤولين، خصوصا من القوى السياسية، حداً أقصى من الحجر الصحي على المصالح والحسابات والمزايدات»، محذّراً من «أنّ الوضع في البلد وعلى كل المستويات لا يحتمل مزيداً من التناحر السياسي وتناتش الحصص، خصوصاً أنه لم يعد هناك شيء في البلد يمكن تَناتشه».
وقد استتبع دياب خطوته هذه بقرار مجلس الوزراء الطلب من وزير المال «مراسلة حاكم مصرف لبنان بهدف البحث في إمكانية خفض الرواتب والمخصّصات في المصرف وفي هيئة الرقابة على المصارف وهيئة الاسواق المالية»، في الوقت الذي تساءل المراقبون عمّا استند اليه دياب حتى يتخذ هذا الموقف في مواجهة الطبقة السياسية التي تحاصصت وتقاسمت مغانم البلد على مرّ السنين، وهل انه سيتصدى لجمعية المصارف التي تمارس الاذلال و»الهيركات» المقنّع ضدّ المودعين والموظفين الذين تحتجز أموالهم، في الوقت الذي تمرّدت المصارف على قرار مجلس الوزراء يوم إعلان التعبئة العامة لدرء خطر كورونا بالاقفال وتطيل معيشة المواطنين في تَحدّ سافر للسلطة التنفيذية ساهم في تعميق الازمة اكثر فأكثر، خصوصاً في خطر كورونا الذي يتهدد اللبنانيين جميعاً.
ولكن بَدا من بعض المواقف انّ دياب ربما يكون قد استند في قراره الى دعم قوى وكتل سياسية ونيابية، اذ كان الملفت صَمت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال الجلسة وعدم تعليقه على كلمته ما اعتبره البعض علامة رضى، في الوقت الذي كانت كتلة «الوفاء للمقاومة»، التي تجمع نواب «حزب الله» مع حلفائه، تؤكد انّ «على الحكومة، ازاء ملف التعيينات المالية المطروحة، ان تجهد لاعتماد آلية نوعية من اجل اختيار اصحاب الكفاءة والخبرة والنزاهة بعيداً عن المحاصصة المعتادة، وذلك لضمان رقابة دقيقة على أداء المؤسسات النقدية والمصرفية في البلاد».
كذلك ربما يكون دياب قد استند في موقفه ايضاً الى كتاب تلقّاه من لجنة الادارة والعدل، جاء فيه «انّ اللجنة تدرس اقتراح القانون الذي تقدمت به لإقرار آلية علمية للتعيينات الادارية تراعي الكفاءة والشفافية بعيداً عن منطق المحاصصة. وانّ المطلوب عدم إجراء اي تعيينات قبل إقرار القانون والسهر على تطبيقه».
وينتظر ان يتفاعل موقف دياب من اليوم، ما يعني انّ كل الترشيحات المطروحة للمراكز المالية على جدول أعمال مجلس الوزراء باتت في خبر كان او ربما ستخضع لغربلة دقيقة لجهة اختيار اصحاب الكفاءة بعيداً عن اي محاصصة.
قالت مصادر وزارية محايدة لـ»الجمهورية» انّ خطوة دياب بسحب التعيينات كانت انطلاقاً من ثلاثة أسباب:
ـ الاول، انه شعر انه سيدخل في مواجهة سنية عنيفة بعد موقف 4 رؤساء حكومة سابقين ودار الافتاء والرئيس سعد الحريري.
ـ الثاني، خوفه من عودة تحرّك الشارع رافضاً مبدأ المحاصصة في هذه التعيينات كما كان يحصل في السابق.
ـ ثالثاً، لا يريد للحكومة ان تتصدّع بانسحاب تيار «المرده»، أحد مكوناتها المسيحية الاساسية، فيما يغيب عنها أصلاً اطراف مسيحيون آخرون منهم «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب. ففضّلَ الهروب من المواجهة بالاحتماء وراء مشروع قانون يعلم صعوبة إقراره حالياً في ظل هذه الظروف.
وقال مرجع سياسي متابع لـ»الجمهورية» انّ دياب «بدأ يشعر بسخونة اللعبة السياسية الكبرى وبكبر حجمها، إذ في خلال أقل من اسبوع هَدّد مكونان داخل حكومته بالانسحاب منها، ما شَكّل نذير شؤم لها وهي لا تزال في اول ايامها وعلى كتفيها ملفات ثقيلة وأطلقت على نفسها عنوان «حكومة مواجهة التحديات»، والمقصود اولاً مواجهة ما كان يحصل في السابق والنهج السياسي الذي كان متّبعاً في السابق».
وعَزا المرجع الاسباب ايضاً الى كون دياب «مُحاط بمجموعة خبراء عددهم كبير، ولكن خبرتهم قليلة في ادارة اللعبة السياسية المعقّدة باستثاء الوزير دميانوس قطار، الذي يحاول مراراً التدخّل قبل الانزلاق الذي يجرّه اليه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في ادارة الملفات السياسية الداخلية».
وثمة من قال انّ خطوة دياب منعت سقوط حكومته، حيث غاب عن الجلسة وزيرا تيار المرده الذي طالب بأن تكون حصته من التعيينات المالية مقعدين، وقالت مصادر المرده لـ»الجمهورية»: لو انّ هناك آلية واضحة شفافة علمية للتعيينات، لكنّا لا نريد شيئاً. ولكن عندما تريدون محاصصات لن نقف متفرّجين». وأضافت: «فرنجيه لا يريد شيئاً ولا يتمسّك بأحد، ولكن عندما نرى التيار الوطني يريد الاستئثار بالحصص، ساعتها لن نسكت. فرنجيه لم يطلب ولن يطلب. نحن لا نريد غير الآليّة على أساس شفّاف وواضح. وتيار «المرده» لم يفكر في تاريخه بالمحاصصة، وليراجعوا ويسمّوا ماذا أخذ المردة من حصص إدارية في الدولة».
وأوضحت معلومات لـ»الجمهورية» ما دار في الجلسة التي انعقدت في القصر الجمهوري، انها بدأت بكلمة لعون تحدّث فيها عن المغتربين اللبنانيين الذين طلبوا العودة الى لبنان، وأنّ هناك ضغطاً على السفارات اللبنانية في الخارج لكن يجب معرفة الامكانات المتوافرة.
امّا رئيس الحكومة حسان دياب فأخرجَ كلمة طويلة معدّة سلفاً اعلن في ختامها انه يسحب التعيينات المالية، فَعلا التصفيق داخل القاعة.
وعلمت «الجمهورية» في هذا السياق انه تمّ التطرّق الى الموضوع المالي الذي أثاره رئيس الجمهورية، وأبدى بعض الوزراء انزعاجهم من طريقة تصرّف المصارف مع المودعين بالاقفال والامتناع عن اعطائهم ودائعهم بالدولار، الأمر الذي جعل الدولار يرتفع في الخارج وقد لامَس 3000 ليرة بلا حسيب ولا رقيب، فكان هناك رأي ان تنعقد جلسة خاصة لموضوع المصارف يُدعى اليها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة او يتم استدعاؤه الى الجلسة العادية المقبلة لمناقشة هذا الامر.
وسمّى مجلس الوزراء نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر ممثّلة للبنان في لجنة الصندوق الائتماني المتعدد للمانحين في البنك الدولي.
وفي ما يتعلق بآلية عودة المغتربين اللبنانيين من الخارج الى لبنان، تحدث رئيس الجمهورية بداية، فقال: «من الضروري ان يخضعوا لـ test قبل صعودهم الى الطائرة، خوفاً من ان ينقل احدهم، اذا كان مصاباً، العدوى الى بقية الركاب الموجودين في الطائرة او الى احد أقربائه. وغير ذلك نكون قد اشتركنا في تعريض ركاب الطائرة والمقيمين في لبنان للخطر، ولن أسمح بأن يحصل هذا الأمر». فأيّده بذلك وزير الصحة، وكذلك رئيس الحكومة الذي لفتَ الى الحاجة لتعديل آلية العودة بعد ظهور عقبات فيها لدى الدول التي رفضت استقبال الطواقم الطبية والادوات والاختبارات ورجال الامن اللبنانيين، واكدت انّ مطاراتها مقفلة وستسمح فقط للطائرة أن تحطّ على ارضها، على الّا يغادر اي شخص من الطاقم هذه الطائرة في انتظار ان يصعد اليها المسافرون.
بعدها، قدّم وزير الداخلية عرضاً لطريقة تجاوب المواطنين مع حالة التعبئة العامة، واكد انّ التجاوب يحصل ليلاً، لكن في النهار هناك خروقات واسعة وضغط على مداخل العاصمة في الجنوب والشمال وضغط نسبي في البقاع، طالباً تشجيع الناس على الالتزام وعدم الخروج من المنازل. فكان هناك تشديد لمجلس الوزراء على ضرورة عدم التراخي في تطبيق الاجراءات، وقد طلب رئيس الحكومة تحديداً رفع مستوى هذه الاجراءات والتشدّد أكثر في تطبيقها.
وفي هذا السياق علّق وزير الصحة حمد حسن قائلاً «انّ هناك خطراً في التوزيع الجغرافي للاصابات يدلّ الى انّ مناطق لبنانية كثيرة ظهرت فيها اصابة او اكثر، وخصوصاً في الشمال من عكار الى زغرتا وطرابلس التي لا انضباط فيها». وتمنى ان يكون هناك تشدد على الارض لقمع المخالفات، مكرراً طلبه «ضرورة ان يخضع كل مسافر لبناني في الخارج لفحص كورونا داخل بلده، على ان يجري الفريق الطبي الموجود في الطائرة معاينة له بعد صعوده اليها. وهنا طلب وزير الخارجية تعديل الخطة وجعلها متغيّرة مع ما يطرأ من مستجدات لإبلاغها الى السفارات اللبنانية في الخارج لكي تشرف على الفحوصات المخبرية للبنانيين العائدين وتأكيد إجرائها في المختبرات او في المستشفى، أمّا الـ pcr او الاختبارين antigen و antibody فيجريان قبل الصعود الى الطائرة لأنّ الفريق الطبي لن يغادر الطائرة، وطلب تمديد المهلة حتى يتسنّى للسفارات واللبنانيين إجراء هذه الفحوص.
وتطرق البحث الى ملف السجون، فقدمت وزيرة العدل ماري كلود نجم عرضاً سريعاً عن واقع هذه السجون والموقوفين، وأعطت الكلام للقاضي رجا ابي نادر الذي عرض لخطة الوزارة في هذا الصدد، وتبيّن انّ هناك 7750 سجيناً في سجون لبنان ونظارات قصور العدل، قسم منهم موزّع على سجون تابعة لقوى الامن الداخلي والبقية في قصور العدل الستة في كل المحافظات والسجن المركزي، وهذا الرقم لا يشمل من هم في مخافر قوى الامن الداخلي والامن العام والجيش اللبناني والمقدّرعددهم بـ 2500 سجين، ما يجعل مجموع السجناء نحو 10000 سجين. وإنّ الموجودين في النظارات والسجون 51 منهم محكومين والبقية موقوفين، علماً انّ في سجن رومية فقط اكثر من 3500 سجين، ما يعني انّ نسبة الإكتظاظ فيه تبلغ 220 % قياساً على سِعته.
وعلمت «الجمهورية» انه طرح خلال الجلسة موضوع الاستعانة بالمتقاعدين من الجيش اللبناني والقوى المسلحة للمساعدة كمراقبين في مصلحة حماية المستهلك، لأن عديدها يبلغ 100 شخص فقط، وهو غير كاف للقيام بالمهمات المطلوبة في هذه المرحلة بالتحديد، حيث ان نسبة التفلّت كبيرة في اسعار السلع الاستهلاكية، لكن مجلس الوزراء لم يتخذ قراراً في هذا الشأن وترك الامر لمزيد من الدرس
الى ذلك عكست أجواء رئيس مجلس النواب نبيه بري عدم رضاه على القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء أمس في الشأن الكهربائي، وما يتعلق بشد بسري.
وبحسب الأجواء فإنّ الدافع الأساس للاعتراض، هو إضافة فقرة من خارج السياق تتعلق بالسد، بحيث تحصر كل ما يتعلق بالإجراءات وتنفيذها بوزارة الطاقة، وهو أمر يثير علامات استفهام واكثر.
وفي بلد أصبحت فيه الرقابة شبه غائبة، ليس مستغربا ان يستغلّ البعض مآسي الناس لتحقيق ارباح وثروات على حساب المواطن المقهور.
وفي تطور مُفاجئ في الاسواق، سجّلت أسعار الخضار والفواكه ارتفاعاً كبيراً، زاد في وطأة الحياة اليومية للمواطن المحجور في منزله، بلا عمل وبلا مدخول.
وفي ظل غياب أي دور للجهات الرسمية التي يفترض ان تراقب وتضبط الاسعار لحماية المستهلك، تنوعت التفسيرات التي جرى تقديمها لتبرير الغلاء الفاحش، ومن أهمها «ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة ووجود سعرين او ثلاثة، بما ساهَم في ارتفاع اسعار المنتجات المستوردة، والتي تأتي في غير مواسمها، والمنتجات المهرّبة، فهذه جميعها تحتاج الى عملة صعبة،» كما قال مصدر مطّلع لـ»الجمهورية».
وبالنسبة الى ارتفاع أسعار المنتجات اللبنانية لا المستوردة، يقول المصدر نفسه انّ «إنتاج هذه الأصناف جاء ضعيفاً هذا العام، لأنّ زرعها بدأ في فترة ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي وتوقّف التحاويل الى الخارج. فلم يتمكن، خصوصاً صغار المزارعين، من شراء البذور والأسمدة والأدوية اللازمة، وتقلّصت المساحات المزروعة».
وحمّل المصدر «المصارف اللبنانية جزءاً كبيراً من المسؤولية في تراجع الإنتاج الزراعي، لأنّهم، وبفضل الإجراءات والقيود التي يفرضونها على المودعين، لم يتمكّن المزارعون من توفير الأموال لزوم الزراعة».