القضية التي قفزت للواجهة كانت قضية عودة المغتربين الراغبين بالعودة، والتي دفعت رئيس مجلس النواب إلى التهديد بتعليق مشاركته الحكوميّة يوم غد ما لم يتمّ البدء بالإجراءات اللازمة لترتيبات هذه العودة، خصوصاً ان الأعباء المالية الأساسية ستتحملها الجاليات الاغترابية، وجاءت مواقف كل من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني الحر الوزير السابق جبران باسيل بالتأكيد على ضرورة ضمان هذه العودة، لتبدو الحكومة في موقع المواجهة مع الغالبية النيابية التي تستند إليها، بينما قالت مصادر حكومية إن رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب لم يكن بالأصل في موقع خلافي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري تجاه هذه العودة، وهو قد كرّر في جلسات الحكومة واللجان الوزارية اعتبار هذه العودة للراغبين حقاً لهم، وواجباً على الحكومة، وأن ما كان ولا يزال الرئيس دياب يتمسك به هو أن تكون العودة آمنة للمغتربين أنفسهم، وللمقيمين، بحيث تتخذ ترتيبات تتيح التحقق من الوضع الصحي للعائدين، وتضمن انتقالهم في ظروف صحية مناسبة وبقاءهم في العزل عند عودتهم، خصوصاً أن لبنان لا يملك القدرة على التعامل مع عدد كبير من المصابين، ويخشى أن يكون عدد المصابين الراغبين بالعودة أكبر من قدرة الدولة والقطاع الصحي، وقالت المصادر إن العمل قد بدأ على وضع الترتيبات اللازمة لضمان الوعدة الآمنة، ويتم التنسيق بين وزارتي الخارجية والصحة مع الجاليات الاغترابية لبلورة الآلية المناسبة، والتي ستكون أمام الحكومة يوم غد الثلاثاء.
مع تجاوز الحكومة قطوع عودة المغتربين، وبلورة التفاهمات حولها، بقي الأهم من كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي كرّس جزءاً كبيراً من كلمته المتلفزة لهذه القضية، هو ما خصّصه للحديث عن القطاع المصرفيّ، والذي لامس مناخات شعبية واسعة في كل المناطق، متسائلاً عن مساهمة القطاع الذي جنى أصحابه عشرات مليارات الدولارات من أموال اللبنانيين، دون جهد، بينما يواجه لبنان حرباً كبرى على المستويات الصحية والاجتماعية، ويواجه اللبنانيون خطر الموت بالمرض أو الموت جوعاً، فيما يبدي القطاع المصرفي برودة وتجاهلاً تجاه كل المناشدات، ليحذر من عواقب هذا التجاهل، بالقول إنه إذا وصلت كل المحاولات والمفاوضات والمناشدات، إلى طريق مسدود، فيمكن أن يصل الأمر إلى حد اعتبار مقدرات المصارف جزءاً من الإمكانات التي يحتاجها البلد لخوض المواجهة التي تفرض نفسها على الجميع.
وشدّد السيد حسن نصرالله على أن قضية اللبنانيين الموجودين في الخارج ويريدون العودة إلى لبنان قضية كل اللبنانيين ولا يجوز أن يكون هناك نقاش في حق هؤلاء بالعودة إلى لبنان، مهما كانت الظروف والتحديات.
وأشار في كلمة له عبر شاشة المنار إلى أنه «لا يجوز النقاش في وجوب قيام الدولة كلها بتأمين كل مستلزمات هذه العودة وأن تبذل كل جهد على هذا الصعيد، ولا يجوز النقاش حتى في وجوب الإسراع بتأمين عودة الراغبين في العودة إلى لبنان».
ولم يمض 24 ساعة على رسائل السيد نصرالله الحاسمة للمصارف، حتى أعلن مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان أن «المصارف، تحسّساً منها بمسؤوليتها الوطنية والمهنية والإنسانية، كانت ولا تزال ملتزمة بتحويل المبالغ المناسبة للطلاب اللبنانيّين المقيمين في الخارج، إذا كان لدى هؤلاء الطلاب أو ذويهم حساب مصرفي في لبنان». كما أعلنت «أنه في حال قرّرت السلطات اللبنانية إعادة مَن يرغب من هؤلاء الطلاب الى لبنان، بسبب الأوضاع الراهنة، فإن المصارف على أتمّ الاستعداد لتحويل ثمن بطاقات السفر لصالح شركة طيران الشرق الأوسط بالدولار الأميركي لكلّ طالب راغب في العودة ولديه حساب في المصارف اللبنانية».
وقالت مصادر نيابية لـ«البناء» إن «الحكومة اتخذت القرار بإعادة اللبنانيين في الخارج الى لبنان وستعقد جلسة الثلاثاء المقبل لبحث الآليات والإجراءات الواجب اتخاذها والتنسيق مع الوزارات المعنية لا سيما الخارجية والصحة»، وعلمت «البناء» أن وزارة الخارجية باشرت التواصل مع السفارات في الخارج لإحصاء عدد المغتربين وملء الاستمارات للراغبين في العودة».
ولم تتضح آلية الإجلاء حتى الآن وتجري دراسة اقتراحات عدة، لكن المحسوم هو تخصيص طائرات على متن كل واحدة منها طاقم طبي لإجراء الفحوص لكل الراغبين بالعودة في مطارات الدول الخارجية وثم إجراء عملية فرز العائدين قبل العودة، فمن تظهر نتيجة فحوصاتهم سلبية يعودون في طائرة واحدة ويجلسون بشكل بعيد عن بعضهم البعض لتجنّب العدوى كإجراء وقائي واحتياطي أما من تظهر نتيجة فحوصهم إيجابية فيجري نقلهم بطائرة واحدة على أن يجري العزل المنزلي الذاتي أو الحجر في أماكن مخصصة في المستشفى الحكومي او في اماكن خصصتها بعض الأحزاب لهم فور عودتهم الى لبنان.
وعلمت «البناء» أن العدد الأكبر من الراغبين بالعودة هم من دول أفريقيا وأوروبا حيث سيعودون على نفقتهم الخاصة ويتخذون العزل في منازلهم في قراهم.
ولفت عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم لـ«البناء» الى أن «على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في إجلاء اللبنانيين في الخارج لا سيما الطلاب والعالقين في المطارات والمغتربين الذين ساهموا ويساهمون في صمود اقتصاد الوطن علماً ان كل دول العالم تولي مواطنيها أهمية».
وأكد رئيس المجلس القاري الأفريقي في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم القنصل حسن يحفوفي، استعداد المجلس التام «لمساعدة الحكومة في إجلاء الراغبين بالعودة الى لبنان من أبناء الجاليات اللبنانية في أفريقيا، في هذه الظروف الصحية الناتجة عن فيروس كورونا، حيث إن الوضع لا يزال تحت السيطرة وعدد الإصابات قليل بين اللبنانيين والخشية من أن يتفشى المرض».
ووجّه رسالة الى رئيس الحكومة وفصّل فيها خطة متكاملة لعودة من يرغب من المغتربين في القارة الافريقية، على أن يتكفل كل الذين سيعودون بدفع المصاريف المتعلقة بالسفر، مؤكداً أن «الانتظار لمزيد من الوقت قد يؤدي الى تعقيد الأمور».
وأعلن رئيس المجلس الاغترابي في بلجيكا مارون كرم أنّ طبيبين لبنانيين مصابان في بلجيكا، وهما حالياً في العناية الفائقة، أحدهما في العقد الثالث من عمره، وأشار كرم إلى أنّ نحو مئة طالب لبناني في بلجيكا ينتظرون قرار الدولة لكي يعودوا إلى لبنان.
في المقابل نفى وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي ما أشيع عبر بعض وسائل الإعلام عن مجيء مسؤولين إيرانيين مصابين بكورونا إلى لبنان عبر سورية من أجل التداوي، موضحاً أن هناك أجانب من الجنسيات كافة منهم إيرانيون موجودون في لبنان، هؤلاء هم مسؤولية الحكومة اللبنانية لمعالجتهم إذا لزم الأمر.
وأشارت مصادر طبية لـ«البناء» الى أن المعركة مع الكورونا تتوقف على ثبات عناصر المواجهة لا سيما الحجر المنزلي والعزل الذي يشكل سلاح الوقاية المتاح للوباء، ولفتت الى أننا في حالة ترقب وامامنا أسبوعان خطيران، فإذا انخفضت نسبة الإصابات بشكل تدريجي حتى تصفير العداد فنكون أمام نهاية الوباء. واما اذا ارتفعت الإصابات فسنكون امام مرحلة عدم السيطرة على تفشي المرض، وبالتالي سنكون امام ازمة ستمتد أشهراً وتحتاج الى انواع جديدة من إجراءات المواجهة قد تكون اعلان حالة طوارئ عامة»، لكن المصادر توقعت أن تبادر الحكومة الى تمديد مدة التعبئة العامة وحظر التجول الى أواخر شهر نيسان المقبل.